ظل التونسي سالم (55 عاما)، من ضاحية مقرين، بالعاصمة التونسية، واقفاً لدقائق يتأمل مكتب البريد المغلق قبل أن يغادر حزينا، فرغم علمه بإضراب العاملين إلا أنه كان يمني النفس أن يتم تأمين بعض الخدمات.
يقول سالم إنه جاء لاستلام حوالة مالية أرسلها له ابنه الذي يعيش في فرنسا، ولكنه لم يستطع، فالمكتب مغلق.
وتشهد تونس شللا تاما في مكاتب البريد، وغضبا كبيرا في صفوف المواطنين ممن تعطلت مصالحهم بعد إعلان الهيئة الإدارية لنقابة أعوان البريد، بدء إضراب في كامل محافظات الجمهورية بداية من اليوم الإثنين، يتواصل إلى يوم الأربعاء.
ويعتبر هذا الإضراب، هو الثاني بعد إضراب مفاجئ مطلع الأسبوع الماضي، تضامنا مع عون بريد صدرت بحقه بطاقة إيداع بالسجن.
وانطلقت الأزمة بسبب مناوشة بين عون بريد من محافظة توزر جنوب تونس، وعون محكمة جاء لتسلم البريد، وامتنع عون البريد عن تسليم عون المحكمة الرسائل لأنه لا يملك ما يدل على أنه يعمل بالمحكمة.
وقال كاتب عام جامعة البريد، الحبيب الميزوري، لـ"العربي الجديد"، إنّهم واعون أن الإضراب عطّل مطالح المواطنين، وخاصة ضعاف الحال ممن ينتظرون حوالة، ولذلك سيلجأون إلى تخفيف حدة الإضراب بتأمين بعض الخدمات، وخاصة الأدوية القادمة من الخارج، مؤكدا أنهم طلبوا من أعوانهم تأمين الخدمات العاجلة.
وأضاف الميزوري، أنهم غاضبون لأن عون البريد بحسب وجهة نظرهم ليس موقوفا، وإنما محتجز بطريقة غير قانونية، مبينا أن زميلهم طبق القانون وقام بأداء واجبه.
وأوضح أن التكليف الذي أظهره عون المحكمة غير قانوني لأنه يتوجب وفق الإجراءات المعمول بها أن تودع مطبوعة رسمية إحداها في مكتب البريد، والأخرى في المحكمة، ويجب أن تكون مسجلة لتصبح نافذة المفعول.
وقال الميزوري، إنّ هناك اليوم تعنتا كبيرا من السلطة القضائية، وإن المسألة كانت إدارية بحتة ولكن تم تحويل وجهة القضية، حيث إن استغلال النفوذ يخلق ديكتاتورية ويضر بالحريات، معتبرا أنهم يستغربون البيانات المتواترة من الهيئة القضائية بخصوص ما جرى مع عون البريد.
واعتبر أن الحرص الكبير في قضية عون البريد لم يكن موجودا عندما تعلق الأمر برجال أعمال نافذين أو إرهابيين تم إطلاق سراحهم، حيث لم يصدر أي بيان توضيحي.
واعتبر أنها ليست المرة الأولى التي يرفضون فيها تسليم بريد لمؤسسة في الدولة طالما لم يتم تسليمهم وثيقة إدارية، لكن بقية المؤسسات كشركة الكهرباء والغاز أو المياه على سبيل المثال، لا تستغل نفوذها لقطع الكهرباء أو الماء مثلما حدث مع عون المحكمة الذي تسبب في احتجاز عون البريد.
وأفاد بأنهم سينتظرون نتائج الجلسة القضائية التي حددتها المحكمة لعون البريد يوم الأربعاء، وأنه سيتم في ضوئها النظر في الخطوات المقبلة، مؤكدا أنهم يريدون إطلاق سراح عون البريد، وإلا فسيصعدون.
وأفاد الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتوزر، في تصريحات إعلامية، أنه تم إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد عون البريد لأنه لم يمتثل لما أمرت به القوانين، والقرارات الصادرة ممن له النظر، وخرق أحكام الفصل الثالث من النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية الذي يوجب على العون العمومي احترام سلطة الدولة وفرض احترامها.
من جهتها، دعت الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، وزير العدل إلى الالتزام باحترام مبدأ الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء والنأي به عن كل أشكال التأثير، كما دعت القضاة إلى عدم الخضوع إلى الضغوطات غير المشروعة التي من شأنها النيل من استقلال قرارهم في نطاق ما تفرضه عليهم رسالتهم من تطبيق للقانون بحياد ومسؤولية.