تظل تونس في منأى عن تداعيات تقلب أسعار النفط في السوق العالمية، حسب تأكيدات الحكومة وخبراء طاقة، بعد تنفيذ سياسة استباقية لمواجهة ارتفاع سعر البترول، حيث ثمن مسؤولون خطّة التحوّط في الطاقة المطبقة منذ بداية العام الحالي لتجنب القفزات المفاجئة في أسعار النفط. وتبنت الحكومة استراتيجية "التخزين الاستباقي" للطاقة لحماية الموازنة العامة، وعدم فرض زيادات جديدة في أسعار المحروقات.
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدأت تونس في تنفيذ خطة تحوّط شاملة ضد تقلبات سوق النفط العالمية وتداعياتها على مخزونات المصرف المركزي من النقد الأجنبي، تفاديا لأي زيادة في حجم التداين الخارجي وارتفاع النفقات المترتبة عن عجز الطاقة.
وأتاحت عملية التحوّط المنجزة، تغطية حوالي ثلث إجمالي واردات تونس السنوية من النفط لمدة 12 شهرا، لتشمل 8 ملايين برميل، ما يمثل 30 بالمائة من الواردات الصافية لتونس من النفط الخام، بقيمة 65 دولاراً للبرميل، مقابل سداد مبلغ 2.24 دولار للبرميل الواحد.
وقال وزير الإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي، في تدوينة في صفحته الرسمية على "فيسبوك"، عقب هجمات على نفط السعودية، إن التحوّط هو الحل الوحيد القادر على حماية تونس من التقلبات النفطية في الظرف الحالي، مثمنا نجاح الخطة الحكومية.
واستقرت عقود النفط الآجلة في اتجاه أفقي بالنسبة لخام برنت، في بداية تعاملات أمس، عقب تطمينات سعودية بوفرة الإنتاج، وذلك بعد خسائر حادة سجلتها عقب الهجمات على النفط السعودي.
وتلقت منشآت لشركة أرامكو ضربات صاروخية، يوم السبت الماضي، أدت إلى تعطل نحو نصف إنتاج السعودية النفطي.
ولكن عادت الرياض لتؤكد أنها نجحت في استئناف الإنتاج، وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان أمس الأربعاء، إن إعلان أرامكو استئناف الإنتاج بعد هجمات يوم السبت يثبت قدرتها على التعامل السريع مع أي أزمة.
وأضاف الوزير إنه يهنئ أرامكو على إعلانها أول من أمس، عن استئناف الإنتاج مما يثبت قدرتها على التعامل السريع مع الأزمات.
وعلى امتداد الفترة بين 2010 و2018، تضاعفت النفقات المخصصة للدعم في تونس، بما في ذلك الطاقة، 10 مرات، حيث بلغت 650 مليون دينار (الدولار = نحو 3 دنانير) سنة 2010، ما يمثل 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ثم ارتفعت إلى 5.2 مليارات دينار سنة 2018، ما يمثل 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بيانات رسمية.
في المقابل، قال الخبير في الطاقة محمود الماي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن خطة التحوّط التي انتهجتها الحكومة ليست فاعلة، نظرا لاستقرار سعر برميل النفط في حدود 60 دولارا منذ أشهر، مرجحا أن يعود إلى ذات المستويات، معتبرا التقلبات الحالية ظرفية.
وأكد الخبير في الطاقة أن ارتفاع أسعار النفط بنحو 15 في المائة، ليس له تأثير على تونس، مرجحا عودة سريعة إلى أسعار النفط إلى مستوياتها العادية. وأشار الماي إلى أن هذه الأزمة الظرفية لا تعني تونس ولا تؤثر عليها، ولفت إلى أن تونس اتخذت قرارا بخصوص الشراء الاستباقي، وفي شهر ديسمبر/كانون الأول اقتنت بموجبه النفط بسعر 65 دولارا، معتبرا أن هذا القرار خاطئ، نظرا لفارق السعر بين عملية الشراء حينها وسعر السوق. ومنذ شهر مارس/آذار الماضي، تاريخ آخر تعديل في أسعار المحروقات، تتجنب حكومة تونس قرار زيادة أسعار المواد النفطية، وما قد يخلفه هذا القرار من غضب لدى المواطنين والقطاعات الاقتصادية. وبحسب بيانات حكومية، تكلف كل زيادة بدولار في سعر النفط في السوق العالمية، ميزانية تونس 120 مليون دينار إضافية، أي نحو 41 مليون دولار. وفي نهاية الربع الأول من العام الجاري، رفعت الحكومة أسعار البنزين بنحو أربعة في المائة في أول زيادة هذا العام، وبررت وزارة الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، الزيادة آنذاك، بالارتفاع المتواصل لأسعار النفط ومشتقاته العالمية، ليصل خام برنت إلى نحو 69 دولاراً للبرميل.
وبلغ سعر لتر البنزين الخالي من الرصاص 2065 مليماً (0.68 دولار)، وسعر لتر غازوال العادي (السولار) 1570 مليماً (الدينار التونسي يحوي ألف مليم). وتُظهر الأرقام الرسمية أن الحكومة رفعت أسعار الوقود بنحو 24 في المائة منذ إبرام اتفاق مع صندوق النقد في 2016 لتنفيذ برنامج اقتصادي، يتضمن تقليص الدعم وترشيد الإنفاق، مقابل قرض بقيمة 2.98 مليار دولار يصرف على مدى أربع سنوات.
وأضاف المسؤول أن حصر نسبة العجز في موازنة العام الجاري في حدود 3.9 بالمائة، مقارنة بـ4.9 في المائة العام الماضي 2018، يتطلب ترشيد نفقات الطاقة والحد من العجز في هذا القطاع، الأمر الذي يجعل من تعديل الأسعار أمراً حتمياً لتحقيق التوازنات المالية.