لم يمنع انخفاض درجات الحرارة وتساقط الثلوج، التونسيين من الاحتفال بنهاية السنة أو ما يعرف بليلة "الريفيون"، وتغتنم النساء هذه المناسبة لتغيير "اللوك" أو اقتناء ملابس جديدة، كما تحضر ربات البيوت أكلات خاصة لتوديع سنة واستقبال أخرى، وتنتعش تجارة بيع الزهور.
ويبدو أن الاستقرار النسبي للأوضاع في تونس بانتهاء ماراثون الانتخابات التشريعية والرئاسية واستكمال المسار الانتقالي، شجّع الكثير من التونسيين على الاحتفال بنهاية السنة وتوديع عام كان مليئا بالأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية.
واجهات أغلب المحلات بدت على غير عادتها، إذ برزت عدة عبارات للإعلان عن نهاية عام 2014 واستقبال عام 2015 من قبيل "عام سعيد" و"سنة طيبة" و"كل عام وأنتم بخير".
والمتأمل في أغلب واجهات الفضاءات التجارية في تونس يلاحظ حضورا مكثفا لمظاهر الزينة وخاصة لأشجار الميلاد، رغم أنها لم تكن من ضمن عادات التونسيين، ولكن بعض الأسر أصبحت تحرص على تزيين البيوت وإشعال الشموع إلى درجة أن أغلب أدوات الزينة نفدت من المحال.
في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، أعدّ باعة الزهور العدّة للمناسبة وبدت واجهاتهم برّاقة على غير عادتها، حتى أصناف الزهور المعروضة كانت أكثر تنوعا.
"العربي الجديد" جاب شوارع العاصمة التونسية، وتحدث مع بعض التونسيين والباعة ومن تنشط تجارتهم في مثل هذه المناسبة عن رأس السنة.
بداية جولتنا كانت مع عاطف الفتوحي بائع زهور، قال إنّ نهاية السنة من المناسبات التي ينتعش فيها بيع الزهور حيث تكثر الطلبيات، معتبرا أنّ الباعة يعدّون العدة لنهاية السنة حيث يتم اقتناء أصناف مختلفة من الأزهار وإضافة مختلف أنواع الزينة لتبدو الباقات جميلة وفي حجم المناسبة.
واعتبر أنه رغم غلاء أسعار الورود إلا أنه يظلّ من الهدايا المميزة في نهاية السنة، مبينا أنه حتى الشرائح الاجتماعية المتوسطة والضعيفة تقبل على اقتناء الورود، ولو وردة واحدة.
محمد علي، كان بصدد اقتناء باقة من الزهور، قال إنّ الورود تظلّ من أفضل الهدايا ولها رمزية خاصة، مؤكدا أنه سيهدي الباقة إلى زوجته بمناسبة نهاية السنة، مبينا أنه لن يجد هدية أثمن منها.
الدجاج المشوي من الأطباق الأكثر رواجا في نهاية السنة في تونس، ويكاد الدجاج المشوي لا يغيب عن الطاولة التونسية، إذ تشهد أغلب محال بيع الدجاج ازدحاما غير مسبوق، وفي هذا الصدد يقول وحيد، عامل بمطعم، إنه يتم تحضير كميات كبيرة من الدجاج، مؤكدا أنّ حجز الطلبيات يتم مبكرا وأحيانا قبل يوم تجنبا للطوابير.
نفس الازدحام تشهده أغلب محال بيع المرطبات، حيث تختلف الطلبيات وتتنوع العروض، ويؤكد أغلب التونسيين الذين قابلناهم أنّ أسعار المرطبات مرتفعة نسبيا مقارنة بالمقدرة الشرائية، لكن رغم شطط الأسعار فإنهم يقبلون على اقتناء المرطبات لإرضاء الأطفال وللاحتفال، ولكي يكون العام "حلوا"على حدّ تعبير البعض.
"للمناسبة، كثير من التونسيات يحرصن على صباغة شعرهن وتغيير مظهرهن، إما بإضافة خصلات في الشعر أو تركيب شعر مستعار"، بحسب ناصر، حلاق النساء بتونس العاصمة، الذي كشف أن الإقبال يكون من مختلف الشرائح الاجتماعية، لكن نستقبل الفتيات والطالبات والموظفات أكثر من غيرهن، مضيفا أن العديد من النساء يحرصن على تزيين أنفسهن والظهور في أبهى حلّة في سهرة رأس السنة.
ويقول ناصر: "في الحقيقة نحن نعمل إلى ساعات متأخرة من الليل حيث إن بعض الزبائن يتوّجهن مباشرة إلى المناطق السياحية، والمطاعم التي تعرف ببرامجها المتنوعة وحفلاتها الصاخبة في نهاية السنة كالحمامات ونابل وقمرت".
وفسر ناصر حرص بعض النساء على تغيير "اللّوك" بالسعادة والتعبير عن الفرحة، معتبرا أن التونسيات مررن بحالة من القلق والإرهاق طيلة السنة، وبالتالي تعتبر نهاية السنة فرصة للاحتفال والظهور بمظهر جديد.
نوال، موظفة تقول إنها تفضل السهر مع أصدقائها، وإنها حجزت في نزل عرف بسهراته الصاخبة وبقدوم فنانين مشهورين، وبالتالي فإنها جهزت فستانا خاصا للاحتفال، كما قرّرت التجملّ والظهور في أبهى حلّة، معتبرة أنها تنتظر حفلة نهاية السنة منذ فترة وأنها وفرت ميزانية خاصة من أجلها.
السيدة فوزية العوني كانت بصدد صباغة شعرها، سألناها: هل اغتنمت نهاية السنة لتغيير لون شعرها؟، فقالت: "سأغيّر اللون وأقص شعري، أريد إحداث تغيير في مظهري لأستقبل السنة الجديدة بلوك جديد وروح مرحة، لا بدّ أن أبدو أنيقة خاصة وأني أستقبل العديد من الأقرباء في منزلي.
وأضافت أنّ العائلة تجتمع عندها ويتم إعداد أكلات خاصة بنهاية السنة، كما أن كل زائر من العائلة يجلب معه بعض الأطباق وهو ما يخلق تنوعا على السفرة.
وقالت العوني: "نريد أن تعم الفرحة، فالأجواء السياسية في السابق لم تكن تبعث على الانشراح، وساد الكثير من التوتر ونأمل أن تكون سنة 2015 مباركة وأجمل من سابقتها".
آمنة الكامل، طالبة تقول إنها تفضّل الأجواء العائلية والسهر في البيت، خاصة في ظل الانخفاض الشديد لدرجات الحرارة، واعتبرت آمنة أنّ التونسي تعوّد الاحتفال واستقبال السنة الجديدة بإعداد أكلات خصيصا لها وتزيين السفرة بالمرطبات.
"نهاية السنة فرصة للمّ شمل العائلات، ولكن للأسف تخلّى الكثيرون عن هذه العادة، فأمام كثرة المشاغل وانخفاض درجات الحرارة يفضلّ البعض عدم زيارة الأقارب"، هكذا قالت ضحى، مضيفة أنّ مشاغل الحياة جعلت الأقرباء لا يجتمعون كثيرا، وبالتالي فإن السهرة قد تقتصر على أفراد العائلة الصغيرة فقط.
والبعض يفضل السهر في البيت، فأسعار السهر في النزل مكلفة، وبلغت حدود 800 دينار للفرد الواحد (450 دولارا)، كذلك المطاعم الفاخرة أصبحت مكلفة جدا، هكذا قال الشاب ياسين عن نهاية السنة، مؤكدا أنّ التونسي "بيتوتي" ويفضل الاحتفال مع الأسرة ومشاهدة المنوعات التلفزيونية.
في المقابل يرى توفيق أن هذه المناسبة ليست من تقاليدنا، ولكن للأسف حوّلها البعض إلى عادة حتى أنّ هناك من يبالغ في الاحتفال بتزيين بيته بأشجار الميلاد. وقال إن بعض زملائه يخصصون ميزانية للاحتفال بهذا اليوم، مؤكدا أنه يوم عادي كسائر الأيام وأنه لا يجب أن نوليه أهمية مبالغا فيها، معتبرا أن سنة الحياة تقتضي أن تمضي السنوات وتأتي أخرى بدون كلفة.
ختام جولتنا كان مع الحاجة زهرة بن محمود، التي قالت إنها تحتفل بالمولد النبوي الشريف وكذلك بالسنة الهجرية، ولكنها لا تولي أهمية كبرى لنهاية السنة الميلادية لأنها ليست من تقاليد العرب بل هو احتفال خاص بالغرب.