ينصّ الفصل 11 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية في تونس على أنّ "جبر ضرر ضحايا الانتهاكات حقّ يكفله القانون، فيما الدولة مسؤولة عن توفير أشكال الجبر الكافي والفعال بما يتناسب مع جسامة الانتهاك ووضعية كل ضحية". كذلك، أقرّ الفصل 41 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية إنشاء صندوق يُطلق عليه اسم "صندوق الكرامة وردّ الاعتبار لضحايا الاستبداد" يجرى تنظيمه وتسييره وتمويله بأمر حكومي.
وعلى الرغم من كونه أول قانون منصوص عليه في تونس بعد الثورة، فإنّ ضحايا النظامين السابقين (حقبتا الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي) انتظروا تنفيذ قانون العدالة الانتقالية وصرف تعويضات جبر الضرر طويلاً. وكثيراً ما نددوا بتأخر إنشاء صندوق الكرامة وتنظيمه، وتأخر البحث عن التمويلات الكافية له، مؤكدين أنّ كلّ ذلك سيبقى رهين إرادة سياسية من الرئاسات الثلاث بعيداً عن كلّ التجاذبات السياسية.
بعد مرور أربع سنوات على سنّ قانون العدالة الانتقالية، نصّ قانون المالية لسنة 2014 على إنشاء صندوق الكرامة وضرورة تنظيمه. و"تتأتّى موارد الصندوق من اعتمادات ترصدها الدولة بقيمة 3 ملايين دولار عند فتح الصندوق، ومن نسبة من الأموال العائدة لميزانية الدولة والمتأتية من تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم والمصالحة، ومن الهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة، ومن كلّ المصادر الأخرى التي يمكن رصدها لفائدة الصندوق طبقاً للتشريعات الجاري العمل بها". وعلى الرغم من ذلك فإنّ الأمر المنظم للصندوق لم يصدر إلّا عام 2018 بعد شد وجذب بين الحكومة وهيئة الحقيقة والكرامة حول تركيبة هذا الصندوق وتحديد طرق التصرّف فيه. وتولّت هيئة الحقيقة والكرامة قبل انتهاء مهامها توزيع مقررات لجبر الضرر على الضحايا تتألف من 18 ألف مقرر جبر ضرر مادي، و15 ألف مقرّر جبر ضرر معنوي. ويأمل الضحايا إلى اليوم في تنفيذ مقرّر جبر الضرر المادي وضخّ أموال بالصندوق لمساعدتهم في إنشاء مشاريع صغرى، بعد حرمانهم لسنوات عدّة من العمل في القطاعين العام والخاص، على الرغم من قناعة أغلبهم بصعوبة الأمر ووعيهم بالعبء الكبير الذي يمثله الصندوق على خزينة الدولة، كما أنّ تلقي هبات من الداخل ومن المنظمات والجمعيات يبدو صعباً لغياب مصادر التمويل، فيما الرهان على تمويلات خارجية يبدو أصعب.
في هذا الإطار، يشير العلمي الحضري، رئيس جمعية الكرامة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الضحايا لا يمكن أن يعوّلوا على المبلغ الذي ستخصصه الدولة لجبر الضرر، فثلاثة ملايين دولار لن تعوّض حتى 20 أو 30 في المائة من الضحايا". يتايع أنّ "الأزمة السياسية بالبلاد والصراعات الحزبية أثّرت بشكل كبير على عدّة ملفات، بما في ذلك ملف العدالة الانتقالية وجبر الضرر. لكنّ ذلك لن يمنع الضحايا من تنفيذ سلسلة من التحركات للمطالبة بحقوقهم في التعويضات التي ترفضها عدّة أطراف وترى أنّها عبء كبير على خزينة الدولة".
في المقابل، تكاد تنتهي مهلة السنة التي حددّها قانون العدالة الانتقالية لانطلاق صرف تعويضات جبر الضرر. ويشير عبد الحميد الطرودي، الناطق الرسمي باسم اللجنة الوطنية لضحايا الاستبداد، لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "ملف العدالة الانتقالية بقي خاضعاً للتجاذبات السياسية طوال السنوات العشر الأخيرة، لا سيما بوجود عدّة أطراف ترفض مبدأ التعويض. وهو ما عطّل تفعيل صندوق الكرامة الذي ينتظره أكثر من 18 ألف ضحية". يضيف: "بعض الضحايا توفوا بعد الثورة (2010) من دون محاسبة جلاديهم ومن دون الحصول على تعويضات أو حتى مجرّد اعتذار عما طاولهم من تعذيب وقمع". ويؤكد أنّهم "سيقودون سلسلة من التحركات إلى أنّ يقع تفعيل الصندوق".
إسماعيل الكتاري متمتع بالعفو العام، وأحد المعنيين بجبر الضرر المادي، جرى تشغيله في وزارة المرأة، بأجر لا يتجاوز 120 دولاراً في الشهر، ينتظر كغيره جبر الضرر والحصول على تعويض بقيمة 40 ألف دولار، لبدء مشروع خاص به، لا سيما أنّ دخله الشهري لا يكفي لتلبية حاجيات عائلته. يقول لـ"العربي الجديد": "حُرمت من العمل طوال سنوات ما قبل الثورة بسبب انتماءاتي السياسية... وحتى حصولي على عمل بعد الثورة لم يكن بالوظيفة التي من الممكن أن تعوضني عن سنوات الحرمان من عمل يحفظ كرامتي وعائلتي. نحن الآن ننتظر تنفيذ قرارات جبر الضرر وصرف تعويضات الضحايا، ويبدو أنّنا سننتظر طويلاً، وقد لا نحصل على أيّ تعويضات بتاتاً في ظل الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، بالإضافة إلى رفض عدّة أطراف في البرلمان مبدأ التعويض لضحايا النظام السابق".