تنقسم الأحزاب التونسيّة في تقييمها لتكليف حزب "نداء تونس"، الحبيب الصيد، بتشكيل الحكومة التونسية المقبلة، في وقت ترجّح فيه مصادر متطابقة لـ "العربي الجديد" أن تسيّر "حكومة كفاءات وطنية، المرحلة المقبلة"، على أن تتوزّع حقائبها الوزارية بين "كفاءات مسيّسة وغير منتظمة حزبيّاً، وشخصيّات حزبيّة، إلى جانب الإبقاء على عدد من وزراء حكومة مهدي جمعة".
وفي سياق متّصل، يكشف مصدر موثوق في "نداء تونس"، لـ "العربي الجديد"، أنّ "عدد وزراء الحكومة الإجمالي لن يتجاوز 35 وزيراً، موزعين بين 22 وزيراً و11 كاتب دولة ووزيرين معتمدين". وستشهد الهيكليّة الجديدة، الكثير من التغييرات، أبرزها تخصيص الشباب بوزارة مستقلة، وتوسيع مهام وزارة الشؤون الاجتماعيّة لتصبح من أبرز وأكبر الوزارات، على أن تجمع وزارة العمل والحوار الاجتماعي والشؤون الاجتماعيّة.
وفي إطار التغييرات ذاتها، ستضمّ وزارة الخارجية، وفق المصدر ذاته، كلاً من التعاون الدولي وشؤون الهجرة، على أن تُعّدل مسؤوليات وزارة الفلاحة والموارد المائيّة، مع إلحاق الصناعات الغذائية بها، بالإضافة إلى دمج التكوين المهني وتنمية المهارات مع وزارة التربية. كما ستُناط بعهدة وزارة الداخلية مهمتان: الأولى تتعلق بالأمن، ويشرف عليها وزير الداخلية. والثانية بالتنمية الجهويّة والجماعات المحليّة، ويشرف عليها وزير معتمد لدى وزارة الداخلية، على أن يتمّ تخصيصها لاحقاً بوزارة مستقلة، بعد إصدار النصوص والقوانين، لتفعيل مبدأ اللامركزيّة الذي نصّ عليه دستور الجمهورية الثانية. ويُنتظر أن تحافظ بقية الوزارات على تسمياتها ومهامها على غرار وزارة التجهيز والتهيئة الترابية ووزارة النقل ووزارة التعليم العالي وغيرها. ومن بين الوزراء المرشّحين للبقاء في الحكومة الجديدة، وزير النقل ووزير الصناعة ووزير الدفاع والوزير المعتمد لدى وزير الداخلية المكلّف بالأمن.
في موازاة ذلك، تباينت آراء الأحزاب التونسيّة بشأن رئيس الحكومة التونسيّة المقبلة، بين من يعتبر اختياره موفّقاً، لكونه "شخصيّة مستقلّة من خارج النداء"، وبين من يرى في اختياره "امتداداً للمنظومة السابقة"، ورسالة "سلبية" للشعب التونسي.
وفي هذا السياق، يؤكدّ القيادي في حركة "النهضة"، نور الدين البحيري، لـ "العربي الجديد"، أنّ "حركة النهضة لا تعترض على الصيد، بل تتمنّى له وللفريق الحكومي الذي سيعمل معه كلّ النجاح والتوفيق"، موضحاً أنّ "بلادنا في حاجة إلى فريق حكومي يعي تحدّيات المرحلة المقبلة، وخصوصاً من الناحيتين الاجتماعية والأمنية، في ظلّ غلاء المعيشة ووجود تحدّيات أمنيّة، في طليعتها مقاومة الإرهاب". ويرى البحيري أنّه "لا خوف على الديمقراطيّة ولا يمكن العودة إلى الوراء"، مشيراً إلى أنّ "التحديات خطيرة ولا يمكن لأي حزب من الأحزاب العمل بمفرده، إذ لا بدّ من توحيد الصفوف ومضاعفة الجهود ضمن حكومة وحدة وطنية".
ويشدّد البحيري على "حاجة تونس إلى الكفاءات وإلى أبنائها من ذوي الخبرة". ويلفت إلى أنّ "المتأمل في المشهد السياسي بعد الثورة يلاحظ أن الصيد عمل ضمن حكومة النهضة، أي مع حكومة محمد الجبالي سابقاً وتحديداً ما بعد انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011"، مؤكداً أنّه "لا اعتراض على شخصه".
وتعود مسؤوليّة اختيار رئيس الحكومة بالأساس إلى حزب "نداء تونس"، وفق ما يوضحه القيادي في "الاتحاد الوطني الحرّ"، ماهر بن ضياء لـ "العربي الجديد"، مشيراً إلى أنّ "النداء اختار شخصيّة مستقلّة من خارج النداء وهو شخص لديه خبرة وتقلّد مناصب وزاريّة سابقاً".
وسيتعامل الاتحاد الوطني الحرّ، وفق بن ضياء، مع رئيس الحكومة المكلّف، على أساس البرنامج، وخصوصاً ما سيطرحه في البرنامج الحكومي"، لافتاً إلى "أننا سنضع اليد في اليد من أجل العمل وتحقيق متطلبات المرحلة المقبلة، ولا سيّما أنّ جزءاً كبيراً من برنامج الاتحاد الوطني الحرّ يتلاقى مع نداء تونس، والأيام المقبلة ستكون حاسمة بعد ظهور ملامح الحكومة الجديدة".
ويثني بن ضياء "على المناصب الهامة التي تقلّدها الصيد وتمتعه بخبرة واسعة"، ويصفه بأنّه "شخصية تكنوقراط، وهو نظيف اليد ولا شبهات فساد تحيط به"، داعياً إلى ضرورة "طيّ صفحة الانتماءات للمنظومة السابقة وخصوصاً إذا تعلّق الأمر بالكفاءات، لأنّ المسألة جانبية ولن تشكلّ عائقاً أمام مسيرته".
من جهته، يعتبر القيادي في حزب آفاق، رياض المؤخر، أنّ "الحسم سيكون في الأيام المقبلة، أي مباشرة بعد تشكيل الحكومة، التي ستبيّن ما يحمله الرجل في جعبته"، مذكراً بأنّ الصيد "لم يكن صاحب القرار السياسي في المنظومة السابقة، بل تمّ الاستنجاد به ككفاءة، ما يعني أنه لم يكن مهندساً سياسياً ساهم في صنع القرار في حكومة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي".
ويشدّد المؤخّر على ضرورة "تمتّع رئيس الحكومة بخبرة وأن يكون صاحب تجربة وشغل مناصب وزارية هامة"، مضيفا: "إذا استثنينا من مواقع القرار أصحاب الخبرة والمناصب الحكوميّة سابقاً، واكتفينا فقط بشخصيات ما بعد الثورة، فإننا سنجد أنفسنا أمام أشخاص بدون تجربة سياسيّة".
في المقابل، يذكّر القيادي في الجبهة الشعبية مراد العمودني، لـ "العربي الجديد"، أنّ "الجبهة ومنذ البداية طالبت باختيار شخصيات ووزراء لم يشاركوا في حكومة "الترويكا" ولا في حكومة بن علي، لكيلا يكونوا رموزاً للفشل"، لافتاً إلى أنّ الأهم يبقى برنامج الحكومة المقبلة وليس الأشخاص". وكان المتحدّث باسم الجبهة الشعبيّة، حمّة الهمامي، أكّد في تصريحات، أمس الإثنين، أنّ الجبهة "أقرب إلى المعارضة من المشاركة في الحكم"، لافتاً إلى أنّه "لم يتم التشاور معها بشأن المرشح لرئاسة الحكومة أو تركيبتها". وقال إنّ "المشاركة في الحكم مرتبطة ببرنامج رئيس الحكومة والمناصب المقترحة عليهم، في حال عرضها"، في موازاة تأكيده "رفض مبدأ المحاصصة رفضاً تاماً".
من جهته، يقول رئيس حزب "التيار الديمقراطي"، محمد عبو لـ "العربي الجديد"، إن "الصيد لم يكن وزيراً في عهد بن علي، لكنّه تقلد مناصب ومسؤوليات هامة"، ملاحظاً انّه "كان الأجدى بنداء تونس أن يبعث برسالة تطمين للشعب التونسي فلا يختار شخصية من النظام القديم، قد تخيف البعض". ويشدّد على أنّ "المرحلة المقبلة هي مرحلة بناء وتقتضي بالأساس رجل اقتصاد ليعمل بأريحيّة طيلة خمس سنوات"، لافتاً إلى أنّ "تقديم شخصية لها دراية بالأمن مجرّد مغالطات، لأنّ الأمن يلزمه قوانين وليس رئيس وزراء مختص".