لا تزال تداعيات معركة جناحي العدالة في تونس تلقي بظلالها على سير المحاكم منذ أكثر من أسبوع، بعد أن دخل القضاة في إضراب شلّ مختلف دوائر القضاء، فيما أعلن المحامون الجمعة يوم غضب وطنياً بدعوة من مجلس الهيئة الوطنيّة للمحامين وتنفيذ وقفات احتجاجية بالزيّ الرسمي بقصر العدالة وبكافة المحاكم التونسية.
واليوم الجمعة، نفّذ المحامون بزيّهم الرسمي وقفات احتجاجية أمام كافة محاكم البلاد، معبرين عن رفضهم لما وصفوه بتسلّط القضاة ومنعهم من ممارسة حق الدفاع، ورافعين شعار "المحاماة ضمانة أساسية لاستقلال القضاء" و"استقلال القضاء أساس دولة القانون".
وتسبب الخلاف بين قضاة ومحامي تونس منذ ما يزيد عن الأسبوع في توتر الأجواء بين القطاعين، عقب استصدار القضاء بطاقات إحالة ضد 6 محامين بدعوى التهجم على أحد القضاة أثناء أداء مهامه واقتحام مكتبه الخميس الماضي. فيما دعت جمعية القضاء إلى تنفيذ إضراب عام في كافة المحاكم لمدة 10 أيام ما تسبب في شلل تام في كافة المحاكم.
وقال عميد المحامين إبراهيم بودربالة، إن التوتر في العلاقة بين المحامين والقضاة لا يخدم القضاء ومصالح المتقاضين، داعياً القطاعين إلى التعقل والكف عن التصعيد.
وأضاف بودربالة لـ"العربي الجديد" أنّ الهياكل المهنية ترفض إحالة المحامين للتحقيق دفاعاً عن مبدأ حصانة المحامي بمناسبة أداء مهامه طبقاً للمادة 105 من الدستور والقانون المنظم لهيئة المحاماة".
وجدّد عميد المحامين تمسك زملائه بحق الدفاع والنأي بالسلطة القضائية، داعياً إلى رأب الصدع بين جناحي العدالة لتفادي تداعيات الخلاف على المرفق القضائي والمصلحة الوطنية، وفق قوله. وأضاف "أيادي هيئة المحامين ممدودة لكل العقلاء لإعادة الأمور إلى نصابها".
والأربعاء، دعت هيئة المحامين منظوريها إلى يوم غضب وطني، على خلفية ما اعتبرته اعتداءات تعرّض لها المحامون مؤخراً، وإحالة أعضاء من هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي على التحقيق على خلاف جد بينهم وبين القاضي المتعهد بملف قضية اغتيال الشهيدين بلعيد والبراهمي بالمحكمة الابتدائية في الأسبوع الماضي.
وكانت الهيئة الوطنية للمحامين، قد أعلنت في بيان لها الأربعاء، أنها قررت مقاطعة الدائرة القضائية المتعهدة بالملف، وتحميلها كامل المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع وتقديم شكايات ضده لدى المجلس الأعلى للقضاء ووزارة العدل.
ولوّحت الهيئة في البيان ذاته باللجوء إلى المنظمات الدولية والإقليمية والمقرر الخاص لدى منظمة الأمم المتحدة المعني باستقلال القضاء والمحاماة ولجنة حقوق الإنسان بها للاعتداءات على المحامين وانتهاك حقوقهم.
وقال عضو فرع تونس لهيئة المحامين نزار الجابري لـ"العربي الجديد" إنّ قرار القضاء بإحالة زملائه من المحامين مخالف للقانون وخرق صارخ لحق الدفاع الذي يكفله دستور البلاد.
واعتبر الجابري التعامل بما وصفه بـ"العنهجية" مع المحامين وانتهاك حقهم في المطالبة بكشف الحقيقة في ملف حساس يتعلق بقضية الشهيدين بلعيد والبراهمي يبخسان من حق المتقاضين.
وأفاد في السياق بأن كل الإشكاليات السابقة بين القضاة والمحامين كانت تحلّ على أعلى مستوى بين الهياكل المهنية ودون الوصول إلى الأشكال التصعيدية، معتبراً إضراب القضاة باطلاً باعتبار صدور قرار الإضراب عن جمعية القضاة وليس المجلس الأعلى للقضاء الممثل الرسمي والسلطة العليا في سلك القضاة، بحسب قوله.
في المقابل، دعا رئيس جمعية القضاة التونسيين، أنس الحمادي، هياكل المحامين إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المحامين، ومن ضمنهم أعضاء هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، الذين قال "إنهم احتلوا مكتب وكيل الجمهورية الخميس الماضي لساعات".
وعبّر أنس حمادي عن رفضه تهجّم المحامين على القضاة، معتبراً أن نيل الحق لا يتم بالقوة والتعسف على القضاء أو ترهيبه. وقال في تصريحات إعلامية، إنّ استهدافهم في مكاتبهم بالعنف المادي أو اللفظي يسيء إلى صورة القضاء التونسي ولا يخدم مصلحة أي طرف من جناحي العدالة.
ولا يعدّ الخلاف بين القضاة والمحامين الأول من نوعه في تونس، إذ سبق أن سجلت المحاكم التونسية خلافات كثيرة بين جناحي العدالة كانت غالباً ما تطوّق بتدخل من هياكل المهنتين حرصاً على استمرارية المرفق القضائي وضماناً لحقوق المتقاضين.