02 نوفمبر 2024
تونس في المؤشّر العربي
صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات النسخة السادسة من المؤشر العربي (2017 - 2018)، وهو استطلاع ميداني يُعنى برصد اتّجاهات الرّأي العام العربي نحو مجموعة من القضايا الاجتماعيّة والاقتصادية والسياسية. وتمّ تنفيذه هذه السنة في 11 بلداً عربيّاً من خلال إجراء مقابلات وجاهية مع 18830 مستجيباً ومستجيبة، ويُعدّ أضخم مشروع مسحي، موسوم بالدقّة في الوطن العربي. وتونس من البلدان التي شملها هذا الاستطلاع المُهمّ. والناظر في الأرقام التي أوردها المؤشّر العربي، يتبيّن أنّ مشاغل التونسيين تتعلّق أساساً بترسيخ المسار الديمقراطي والاستياء من أداء الفاعلين السياسيين، والتطلّع إلى تحسين الوضع المعيشي، والتفكير في الهجرة.
في مستوى مواقف التونسيين من المشهد السياسي الرّاهن، كشف الاستبيان تمسك معظمهم بالخيار الديمقراطي في تسيير شؤون البلاد وتأمين التداول السلمي على السلطة. فأفاد 84% من المُستطلعة آراؤهم بأنّ النظام الديمقراطي، على الرغم من مشكلاته، أفضل من غيره من الأنظمة السياسية. ودلّ ذلك على تشكّل رأي عامّ تونسي، مؤيّد للديمقراطية بديلاً عن الدكتاتورية. ويُفسّر ذلك الانتصار إلى الديمقراطيّة بما حقّقته تونس بعد الثورة من مكاسب في مجالات احترام الحرّيات العامّة والخاصّة، وتعزيز التعدّدية، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع في إدارة تمرين التنافس على السلطة، وتعزيز مشاركة المواطن في الشأن العام. غير أنّ هذه
الحماسة للديمقراطيّة يُقابلها استياءٌ واضحٌ من أداء الطبقة السياسية. إذ أخبر المؤشّر العربي بأنّ 48% من المستجيبين يعتبرون الوضع السياسي في البلاد سيّئاً جدّاً، و32% يعدّونه سيّئاً، فيما اعتبره 13% وضعاً جيّداً، ولم تتجاوز نسبة مَن يصفونه جيّداً جدّاً نسبة الـ 1%. ويُفسّر ذلك أنّ الفاعلين السياسيين لم يكونوا في مستوى تطلّعات المواطنين، حتّى أنّ نسبة مَن يثقون بالفريق الحكومي لم تتعدّ حدود 54%. ويمكن إرجاع ذلك إلى أنّ عدداً معتبراً من المستجيبين (55%) يذهبون إلى أنّ الحكومات المتعاقبة لم توفّر مرافق متطوّرة وخدمات جيّدة للمواطنين، فيما يذهب آخرون (11%) إلى أنّ تلك الخدمات والمرافق غير موجودة أصلاً في مناطق سُكْناهم. كما ذهب غيرهم إلى أنّ الحكومة، على الرغم مما بذلته من جهود، لم تكن جادّة في مكافحة الفساد المالي والإداري، حتّى أنّ 91% من المستجيبين يقولون إنّ الفساد ما زال منتشراً بشكل لافت ومثير للقلق. ومن ثمّة، فإنّ إحساس المواطن التونسي بعدم تطوّر خدمات القُرب الضرورية: (البنية التحتية، الصرف الصحي، الإنارة، الماء الصالح للشراب، الخدمات الإدارية والاستشفائية...)، ووقوفه على انتشار الفساد، جعلاه يمتعض من الأداء الحكومي.
وفي سياق متّصل، عبّر 4% فقط عن ثقتهم الكبيرة في الأحزاب السياسية، فيما قال 72% إنّهم لا يثقون فيها مطلقاً. وأخبر 5% فقط بأنّ ثقتهم عالية في مجلس نوّاب الشعب، فيما عبّر 67% عن عدم ثقتهم في المجلس التشريعي. ويعود ذلك الاستياء إلى عدّة أسباب، أهمّها شيوع خطاب الكراهية والإقصاء والإقصاء المضادّ بين الفاعلين السياسيين، وتنكّرهم لوعودهم الانتخابيّة، فضلاً عن انتشار منطق المحاصصة والسياحة الحزبيّة، وتمرير نُوّابٍ قوانين غير شعبيّة، من قبيل قانون المصالحة الاقتصادية/ الإدارية، ما أسهم في تشويه صورة السياسيين، وعمّق الفجوة بينهم وبين مُعظم المواطنين. كما أنّ شعور قطاعٍ من التونسيين بأنّ مشروع الدمقرطة لم تواكبه نقلةٌ تنمويةٌ وتحسّن نوعي في وضعهم المعيشي، جعلهم يستاؤون من الطبقة السياسية، لقصورها البرامجي والتنفيذي.
وجاء في المؤشّر العربي أنّ 57% من التونسيين المستجيبين يعتبرون الوضع الاقتصادي في البلاد سيّئاً جدّاً، و33% يعدّونه سيّئاً، فيما يراه 8% جيّداً ويعتبره 1% فقط وضعاً جيّداً جدّاً. ويُقرّ 56% من المُستطلعَة آراؤهم بأنّ السياسات الاقتصاديّة للدولة لا تستجيب لتطلّعات المواطنين. ومردّ ذلك أنّ العمل بسياسات التقشّف وتوجيهات صندوق النقد الدولي، وما ترتّب عنها من زياداتٍ في الأسعار والضرائب وتجميد في الأجور، أدّت إلى تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين، حتّى عجز معظمهم عن تغطية نفقاته الحاجيّة. فأخبر 55% من العيّنة المُستجيبة أنّ الدخل الأسري لا يُغطّي نفقاتهم، ويواجهون صعوبات في تأمين احتياجاتهم، وأفاد 35% بأنّ الدخل يغطّي النفقات، ولا يدّخرون منه، فيما قال 10% فقط إنّ الدخل كاف ويوفّرون منه. وأمام النقص المشهود في السيولة المالية، يلجأ تونسيون إلى الاستدانة من المعارف
والأقارب (33%) أو الاقتراض من البنوك (18%)، ولزوم التقشف (12%)، أو الحصول على معونات من الجيران (14%)، فيما لا تتجاوز المعونات الحكومية حدود 1% من الذين شملهم الاستطلاع. ويدلّ ذلك أنّ معظم التونسيين يعيشون الكفاف أو العوز، ويواجهون ضغطاً هائلاً في النفقات لمحدوديّة مداخيلهم، في ظلّ غيبة الدّولة التي قطعت مع الاقتصاد الرّعوي، واعتمدت لَبْرلة اقتصادية مجحفة، تركت أكثر التونسيين رهائن الاستدانة من الأفراد والبنوك.
وتُظهر نتائج المؤشّر العربي أن 28% من المستجيبين التونسيين يرغبون في مغادرة البلاد. وأوضح 79% منهم أنّ ما يدفعهم إلى الهجرة هو تطلّعهم إلى تحسين وضعهم المعيشي، في حين عزا 9% ذلك إلى أسباب سياسيّة. ومن ثمّة، فإنّ ضيق كثيرين بارتباك المشهد السياسي وتدهور وضعهم المعيشي يدفعهم إلى التفكير في الهجرة، لعجز المنوال التنموي السائد عن استيعابهم، والتمكين لهم في الحياة المهنية. ومعلومٌ أنّ هجرة أصحاب الكفاءة تُكبّد المجموعة الوطنية خسائر كبيرة.
يمكن القول إنّ المؤشر العربي رصد حركة الشارع التونسي، وكشف حماسته للديمقراطية، واستياءه من أداء الطبقة السياسيّة، ومن تدهور الوضع المعيشي. ومن المهمّ استثمار نتائج هذا الاستطلاع الرّاهني الدقيق في توجيه السياسات نحو التنمية الشاملة، بغرض استبقاء التونسيين في بلادهم، وترشيد الانتقال السياسي، ورفده بتحوّل اقتصادي ناجع، يستجيب لتطلّعات المواطنين نحو حياة أفضل.
في مستوى مواقف التونسيين من المشهد السياسي الرّاهن، كشف الاستبيان تمسك معظمهم بالخيار الديمقراطي في تسيير شؤون البلاد وتأمين التداول السلمي على السلطة. فأفاد 84% من المُستطلعة آراؤهم بأنّ النظام الديمقراطي، على الرغم من مشكلاته، أفضل من غيره من الأنظمة السياسية. ودلّ ذلك على تشكّل رأي عامّ تونسي، مؤيّد للديمقراطية بديلاً عن الدكتاتورية. ويُفسّر ذلك الانتصار إلى الديمقراطيّة بما حقّقته تونس بعد الثورة من مكاسب في مجالات احترام الحرّيات العامّة والخاصّة، وتعزيز التعدّدية، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع في إدارة تمرين التنافس على السلطة، وتعزيز مشاركة المواطن في الشأن العام. غير أنّ هذه
وفي سياق متّصل، عبّر 4% فقط عن ثقتهم الكبيرة في الأحزاب السياسية، فيما قال 72% إنّهم لا يثقون فيها مطلقاً. وأخبر 5% فقط بأنّ ثقتهم عالية في مجلس نوّاب الشعب، فيما عبّر 67% عن عدم ثقتهم في المجلس التشريعي. ويعود ذلك الاستياء إلى عدّة أسباب، أهمّها شيوع خطاب الكراهية والإقصاء والإقصاء المضادّ بين الفاعلين السياسيين، وتنكّرهم لوعودهم الانتخابيّة، فضلاً عن انتشار منطق المحاصصة والسياحة الحزبيّة، وتمرير نُوّابٍ قوانين غير شعبيّة، من قبيل قانون المصالحة الاقتصادية/ الإدارية، ما أسهم في تشويه صورة السياسيين، وعمّق الفجوة بينهم وبين مُعظم المواطنين. كما أنّ شعور قطاعٍ من التونسيين بأنّ مشروع الدمقرطة لم تواكبه نقلةٌ تنمويةٌ وتحسّن نوعي في وضعهم المعيشي، جعلهم يستاؤون من الطبقة السياسية، لقصورها البرامجي والتنفيذي.
وجاء في المؤشّر العربي أنّ 57% من التونسيين المستجيبين يعتبرون الوضع الاقتصادي في البلاد سيّئاً جدّاً، و33% يعدّونه سيّئاً، فيما يراه 8% جيّداً ويعتبره 1% فقط وضعاً جيّداً جدّاً. ويُقرّ 56% من المُستطلعَة آراؤهم بأنّ السياسات الاقتصاديّة للدولة لا تستجيب لتطلّعات المواطنين. ومردّ ذلك أنّ العمل بسياسات التقشّف وتوجيهات صندوق النقد الدولي، وما ترتّب عنها من زياداتٍ في الأسعار والضرائب وتجميد في الأجور، أدّت إلى تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين، حتّى عجز معظمهم عن تغطية نفقاته الحاجيّة. فأخبر 55% من العيّنة المُستجيبة أنّ الدخل الأسري لا يُغطّي نفقاتهم، ويواجهون صعوبات في تأمين احتياجاتهم، وأفاد 35% بأنّ الدخل يغطّي النفقات، ولا يدّخرون منه، فيما قال 10% فقط إنّ الدخل كاف ويوفّرون منه. وأمام النقص المشهود في السيولة المالية، يلجأ تونسيون إلى الاستدانة من المعارف
وتُظهر نتائج المؤشّر العربي أن 28% من المستجيبين التونسيين يرغبون في مغادرة البلاد. وأوضح 79% منهم أنّ ما يدفعهم إلى الهجرة هو تطلّعهم إلى تحسين وضعهم المعيشي، في حين عزا 9% ذلك إلى أسباب سياسيّة. ومن ثمّة، فإنّ ضيق كثيرين بارتباك المشهد السياسي وتدهور وضعهم المعيشي يدفعهم إلى التفكير في الهجرة، لعجز المنوال التنموي السائد عن استيعابهم، والتمكين لهم في الحياة المهنية. ومعلومٌ أنّ هجرة أصحاب الكفاءة تُكبّد المجموعة الوطنية خسائر كبيرة.
يمكن القول إنّ المؤشر العربي رصد حركة الشارع التونسي، وكشف حماسته للديمقراطية، واستياءه من أداء الطبقة السياسيّة، ومن تدهور الوضع المعيشي. ومن المهمّ استثمار نتائج هذا الاستطلاع الرّاهني الدقيق في توجيه السياسات نحو التنمية الشاملة، بغرض استبقاء التونسيين في بلادهم، وترشيد الانتقال السياسي، ورفده بتحوّل اقتصادي ناجع، يستجيب لتطلّعات المواطنين نحو حياة أفضل.