"قوة توني كروس تكمن في عبقرية تمركزه"، هكذا يصف بيب غوارديولا لاعبه السابق في صفوف بايرن ميونخ، ليضع يده على أهم صفات نجم الوسط الألماني، والذي حصل على كأس العالم مع "المانشافت"، قبل أن يترك بلاده ويخوض مغامرة كروية جديدة مع كبير العاصمة الإسبانية ريال مدريد.
لعبة التمركز
تعتمد الكرة الحديثة على عنصري التمركز والضغط، لذلك يحتاج المدربون إلى نوعية تجيد تدوير الكرة، من جانب إلى آخر، ومن طرف الملعب إلى أقصاه، ولاعب مثل توني كروس يمتاز بالقدرة على التمرير من اللمسة الأولى، مع إدراكه التام بأن وقوفه في المكان الصحيح، مع حفاظه على عامل التوقيت والمسافة عند التمرير، أمور تجعله يسبق أقرانه بخطوة إلى خطوتين.
ونتيجة هذه الصفات الفنية المميزة، افتقده بيب كثيراً حينما رحل عن بايرن، وفاز كارلو أنشيلوتي بلاعب مهم في خلطته، ساعده على اللعب بخطة 4-4-2 من دون لاعب ارتكاز حقيقي، لأن كلاً من توني وكارلو يقوم بالدور على أكمل وجه دفاعاً وهجوماً، على خطى الثنائي "أنشيلوتي-ريكارد" رفقة ساكي في ميلان التاريخ.
يقف كروس داخل الملعب بشكل مختلف عن الجميع، لأنه يتحرك بجسده من دون أن يلزم ذلك قطع مزيد من الكيلومترات، كذلك يفكر باستمرار قبل أن تصل إليه الكرة، لذلك يتخذ قراره قبل منافسه لأنه يعرف أين ومتى سيمرر. الألماني يمرر ثم يتحرك لكي يحصل على المركز المثالي، من أجل فتح زوايا أكبر أمام رفاقه، إنه لاعب يوفر لفريقه خاصية "التحكم" في مجريات اللعب.
بينيتيز
جاء رافا بينيتيز إلى ريال مدريد بخطط جديدة بعض الشيء، المدرب الإسباني معروف بنظامه التكتيكي الصارم، وتفضيله حماية مرماه أولاً ومن ثم محاولة البحث عن أهداف، لذلك يلعب في معظم الأوقات بلاعب إضافي في الخلف. بينيتيز حينما قرر الهجوم أمام ميلان في نهائي إسطنبول الشهير، دفع بجيرارد في الأمام مقابل عودة الألماني هامان للخلف، حتى يقوم بالتغطية خلف الدفاع.
وبقدوم رافا إلى العاصمة يبدو أن فكرة الاعتماد على الثنائي "كروس-مودريتش" لن تطول، خصوصاً أمام الفرق الكبيرة، أو في مباريات الذهاب والإياب، لأنه يحب دائماً اللعب بارتكاز دفاعي صريح، بارع في قطع الكرات وكسر هجمات الخصم، نسخة تكتيكية تعرف بـ"محطم" النسق أو Destroyer الارتكاز.
في "الديربي" الأخير أمام الأتليتي، اختار بينيتيز اللعب بثلاثي المنتصف، كاسيميرو في الخلف أمام الرباعي الأخير، مع كروس على اليمين ومودريتش على اليسار، ثنائي يهاجم ويدافع بين الأطراف والعمق، فظهر البرازيلي بشكل مميز، كذلك أدى الكرواتي مباراة كبيرة، لكن لا يزال الألماني بعيداً عن الأجواء المعروفة عنه.
عامل الوقت
ينجح كروس في كل مراكز المنتصف، اللاعب الكبير ليس في حاجة إلى التصنيف، لكنه في أمسّ الحاجة إلى عامل الوقت، حتى تحدث "كيمياء التفاعل" بينه وبين مدربه الجديد، فرافا يختلف عن أنشيلوتي، والألماني ليس من نوعية لاعبي الارتكاز التي يفضلها الإسباني، لكن هناك فرصاً حقيقية لنجاح الثنائي معاً خلال الفترة المقبلة.
في طريقة لعب 4-2-3-1 لبينيتيز، يجب الاعتماد على لاعب دفاعي صريح بالمنتصف، وبالتالي أفضل مركز لكروس هو صانع اللعب رقم 10، بين الجناحين وأمام ثنائية المحور، لأنه يسدد بشكل مميز ويجيد تبادل المراكز مع زملائه. يستطيع أيضاً اللعب كلاعب ارتكاز مساند، لكن وقتها يجب أن يلعب مودريتش بجواره وليس كاسيميرو، لأنه ينجح أكثر مع لاعب ارتكاز يجيد القطع من الدفاع إلى الهجوم، والبرازيلي ناجح أكثر في الحالات الدفاعية فقط، وبالتالي ثنائية "كروس-كاسيميرو" غير مناسبة على المدى البعيد.
بينما خلال خطة 4-3-3، توني كروس هو قائد الأوركسترا، اللاعب رقم 6 الذي يتحرك على الدائرة، يربط بين كاسيميرو ومودريتش، يتحرك في الخلف والأمام، ويخلق الفراغ اللازم لنقل الهجمة تجاه مرمى المنافسين. هو مركز قريب من دوره أمام الأتليتي، لكن في الكالديرون لعب كروس على نفس الخط مع مودريتش، مع واجبات دفاعية مرهقة ومكلفة، أما الدور الأمثل سيكون فيه أكثر تحرراً مع مساندة حقيقية من لاعبي الأجنحة، وقتها سنشاهد الوجه الحقيقي لبطل العالم.