"وكأن تيتي يملك عصا سحرية قلبت الأمور رأسا على عقب"، هذه هي العبارة الأشهر التي يتم تداولها في البرازيل هذه الأيام، بعد نجاح المنتخب في تحقيق أربعة انتصارات متتالية بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم، وتصدره مجموعة أميركا اللاتينية للمرة الأولى هذا العام، تحت قيادة المدير الفني الجديد الذي جعل الفريق أفضل كثيرا على مستوى الأداء والنتائج.
المدرب المحلي
من الصعب أن يقود البرازيل رجل غير برازيلي، هكذا تدار الكرة هناك قرب سواحل ريو، لدرجة أن بيب غوارديولا عرض نفسه على السيلساو في فترة سابقة، لكن الاتحاد البرازيلي خاف من عاقبة الأمور، وفقا لما أكده النجم الشهير داني ألفيش في حوار سابق. وبعيدا عن صحة هذه الحكاية من عدمها، فإن كل المؤشرات تؤكد استمرار السيلساو على هذا النهج دون تغيير.
فقد الفريق البطل جانبا كبيرا من قيمته خلال حقبتي سكولاري ودونغا، لقد تحول إلى مسخ تكتيكي على جميع المستويات، وتوقع الجميع استمرار السقوط مع تيتي، لكن المدرب السابق لكورينثيانز خالف كل العادي، وصنع منتخبا قويا أصبح الأنجح في القارة بأكملها، بثبات دفاعي ومرونة بالوسط مع هجوم لا يشق له غبار في تسجيل الأهداف.
أدينور ليوناردو باتشي، درب سابقا عدة أندية برازيلية بالإضافة إلى العين والوحدة في الإمارات، وعرف النجاح الحقيقي كمدرب مع نادي كورينثيانز، إذ قاده لإحراز كأس ليبرتادوريس ومن ثم كأس العالم للأندية خلال سنة 2012. الرجل الذي وصف نفسه بالمكتئب من قبل، بسبب جلوسه في البيت أثناء وجوده كعاطل بلا عمل، ليتأمل في وضعه كثيرا ويقرر بصدق أن يعمل بجد عندما تأتي الفرصة، ولا توجد أفضل منها مع منتخب بلاده.
السر
يعشق تيتي الحياة العملية، وزاد تعلقه بها بعد ابتعاده عن عالم التدريب لفترة. "من الصعب التعايش مع حقيقة ألا تكون مطلوبا، إنها لحظات لم تضعفني بل جعلتني أقوى"، يكشف مدرب البرازيل عن جانب مهم من أسباب تألقه، حيث أنه لا يفكر إلا في النجاح، لأن هذه الفرصة لن تصل إليه مرة أخرى، وبالتالي أي خيار آخر غير الفوز يعني تحوله إلى تابع، مثله مثل غيره.
لا يجد المدرب أي حرج حينما يتذكر هجومه القاسي قديما على نيمار، ويؤكد دون خوف أن النجم الأول لفريقه تغير كثيرا، وأصبح يلعب من أجل الفريق، خصوصا بعد تضاعف خبراته نتيجة تواجده في برشلونة وأوروبا. ويكشف تيتي عن السر وراء تغير البرازيل إلى الأفضل، مشيرا إلى أن الأفضل هو فقط من يلعب، وهذا أبرز أسباب النجاح.
أثبت الرجل العجوز أنه صاحب مبدأ في الكرة، لأنه يضع كامل ثقته في اللاعب الجاهز فقط، لذلك يجلس ويليان على الدكة ويبدأ كوتينهو، نجم ليفربول الذي وصفته الصحافة مسبقا بأنه غير مسؤول، لكن في الوقت الحالي يقدم الجناح الشاب مستوى استثنائيا في إنكلترا، ويستثمر المنتخب البرازيلي هذه الحالة جيدا، لينتقل التألق سريعا إلى التصفيات الحالية.
كوتينهو ليس المثال الوحيد، فلاعب الوسط باولينيو عاد أيضا إلى السيلساو، وقرر المدير الفني الاعتماد على ريناتو أوغستو، رغم أنه يشارك مع فريق بكين الصيني، أي أن معيار الاختيار لم يعد مرتبطا على شهرة النجم أوروبيا أو عالميا، ليدرك كل اللاعبين أنهم في مرمى القيادة الفنية إذا تألقوا مع فرقهم في أي دوري بالعالم.
طريقة اللعب
يلعب المدرب تيتي بطريقة لعب 4-3-3، بتواجد لاعب ارتكاز دفاعي صريح هو فرناندينيو، بعد تطور مستواه كثيرا مع المدرب غوارديولا في سيتي، رفقة ثنائي الريشة على اليمين واليسار، ريناتو أوغستو هو اللاعب الذي يربط لاعب الارتكاز بالجناح، بينما دخل باولينو الأجواء أمام فنزويلا، ليصبح خط الوسط بمثابة المثلث المقلوب.
وبينما يتحسن الدفاع بعض الشيء بثنائية ميراندا وماركينهوس، رفقة الظهيرين ألفيش ولويس، فإن الهجوم يضرب بقوة بعد المعادلة الجديدة بقيادة نيمار، القائد يلعب دورا محوريا في التشكيلة، بقدرته على ملء الفراغات في وبين الخطوط، وقيامه بدور التسعة ونصف، أي اللاعب الذي يسجل الأهداف ويصنعها في نفس الوقت لزملائه.
لكن كل شيء تحسن بعد دخول الصاعد غابرييل خيسوس في الصورة، مهاجم السيتي المنتظر في يناير هو سلاح تيتي الجديد، بسبب جرأته أمام المرمى ونجاعته في القيام بمهام اللاعب رقم 9، هذا المركز المنسي في هذا البلد منذ فترة ليست بالقصيرة، ليُكمل كوتينهو المنظومة بتحوله من الجناح الهجومي إلى منطقة الوسط، وقلبه الخطة إلى 4-4-2 في الحالة الدفاعية، مما يعني زوايا تمرير أقل أمام الفريق المنافس.
أثبت تيتي في هذه الأيام أن المدرب المخضرم يستطيع إنقاذ المنتخبات الكبيرة، حتى وإن غاب الحل الفردي في بعض الأحيان، لينتقل الضغط إلى الأرجنتين، بسبب استمرار نفس المشاكل بعد إصابة ميسي، فهل يسير باوزا على خطى خصمه البرازيلي، أم يستمر السقوط حتى روسيا 2018؟