تيجاني محمد باندي لـ"العربي الجديد": إصلاح نظام مجلس الأمن قريباً مستبعد

23 مارس 2020
تنتهي ولاية باندي في سبتمبر المقبل (مارك شيفيلبين/فرانس برس)
+ الخط -


وضع رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، النيجيري تيجاني محمد باندي، نُصب عينيه، أربع أولويات للتركيز عليها، من بين أهداف التنمية المستدامة الـ17، وهي محاربة الفقر وإنهاء الجوع ومحاربة التغير المناخي والشمولية. ولأن رئاسته، التي بدأت في سبتمبر/أيلول الماضي، تستمر لعامٍ واحد، فقد ركّز باندي على خلق أطر للعمل على تنفيذ تلك الأهداف. وواحدة من أبرز المبادرات التي عمل مع دول أخرى على إطلاقها، كانت حول سدّ ثغرات التمويل. وخصّ باندي مراسلة "العربي الجديد" في نيويورك بهذا الحوار المُطول، الذي تحدث فيه عن قراءته للتطورات التي تشهدها الساحة الدولية من تحديات في مجال المناخ والحرب والسلم وانتشار وباء كورونا.


أظهر انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19)، إشكالياتٍ وثغرات في نظام الطوارئ الصحي في عدد من دول العالم، وهذا يشمل دولاً غنية كالولايات المتحدة مثلاً. أي دور ترون أنه يمكن للأمم المتحدة أن تلعبه في أزمة من هذا القبيل؟

دعيني أكون واضحاً، علينا الحديث عن فيروس كورونا من ناحية المعلومات التي تقدمها السلطة المخولة بالحديث عن الموضوع، وهي منظمة الصحة العالمية. وعلينا أن نستمع إلى السلطات الصحية في الدول، سواءً تلك التي تأثرت بانتشار الفيروس أم لا. ما هو واضح أننا نواجه جائحةً عالمية، كما أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس. ولذلك علينا أن نُذكّر الجميع بالعلاقات بين الناس وبين الدول، وأن هناك عدداً من السبل التي يمكن للعدوى أن تنتشر من خلالها. بعض الدول تأثرت أكثر من غيرها على مستوى الصحة والوفيات، ولكن ما هو واضح أنها كلّها تأثرت بالفيروس على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

في ما يخص الأمم المتحدة، فإن انتشار الفيروس أثّر عند الحديث عن الاجتماعات، إذ لم يعد ممكناً عقد عددٍ كبير منها لصعوبة وصول أشخاص إلى مقر المنظمة هنا في نيويورك، أو في مدينة جنيف السويسرية أو غيرها، كما أن طبيعة ونوعية الاجتماعات تغيّرت. فإذا كنت تتوقع أن تحضر 50 دولة اجتماعاً ما، وتتخذ قراراً حوله، فلا يمكن أن تعقد الاجتماع مع 10 دول. ولكن على الرغم من ذلك، فإن العمل في أوقات الطوارئ ليس بجديد على الأمم المتحدة. لذلك سنستمر بعقد الاجتماعات الضرورية جداً، حتى لو تغيّرت الطريقة، أي ليس بشكل شخصي، بل عن بُعد، ويوجد تنسيق كامل ومستمر بين كل منظمات الأمم المتحدة، بما فيها الجمعية العامة والسكرتارية ومجلس الأمن هنا في نيويورك.

بالنسبة إلى مجلس الأمن، فإن حجمه أصغر، 15 دولة عضواً، وهو يبحث عدداً من السبل المتاحة للعمل عن طريق تقنيات الفيديو، بما فيها الاجتماع بشكلٍ شخصي وغيرها من الطرق، للتوصل إلى قرارات إن دعت الحاجة. أما الجمعية العامة، فلا يمكنها العمل أو عقد الاجتماعات بهذه الطريقة بسبب الحجم الكبير للدول الأعضاء (193 دولة)، ولكن إذا دعت الحاجة فيمكن أن نعقد الاجتماعات مع أعداد مخفضة من الوفود، من دون أن تأتي إلى نيويورك، ولكن مع أعضاء من ممثلياتها هنا. وطبعاً نحن نعمل بالتنسيق مع السلطات المحلية في نيويورك. باختصار، الكثير من عمل الأمم المتحدة أصبح أبطأ، ولكن المنظمة مستمرة بالقيام بمهامها، وبطرق أخرى.

* إذا عدنا إلى تأسيس الأمم المتحدة، كان واحداً من الأهداف الرئيسية إحلال السلام والأمن في العالم. إذا نظرنا إلى أكثر من سبعة عقود مرّت على تأسيسها ووضع العالم اليوم من الحروب والنزاعات، فيبدو أننا نسير إلى الخلف أو نبتعد عن تلك الأهداف. ما رأيك؟

لا أتفق معك، نعم يمكننا أن نفعل أكثر مما نقوم به. ولكن القول إن الأوضاع تتراجع في ما يخص الأمن والسلم الدوليين، فهذا غير صحيح. لم تحدث حربٌ عالمية أخرى، لا يوجد نزاع نووي آخر. ولدينا معاهدات ساعدت على التعامل مع أمور متعلقة بالسلاح النووي، وبعضها تم إضعافها، ولكن أياً من هذه الاتفاقيات لم ينهر بشكل كامل. صحيحٌ أن العالم ليس خالياً من الأسلحة النووية، ولكننا نتباحث لنرى كيف يمكن تحقيق ذلك. هناك أطر عمل تمّ الاتفاق عليها تحت مظلة الأمم المتحدة، وهي متفق عليها عموماً، تتعلق باحترام وحدة الأراضي وتقديم مساعدات للدول المحتاجة، وحقوق الإنسان، وهذه مسائل مهمة. وبرأينا إذا قمنا بإلغاء الأمم المتحدة وسلطتها في ما يخص بعض الأعراف، فإن العالم سيكون اليوم مختلفاً، وليس أكثر استقراراً.

* صحيح نحن لسنا في الوضع الذي كان فيه العالم خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة، ولكن يمكننا كذلك القول، خصوصاً إذا نظرنا إلى منطقة الشرق الأوسط مثلاً من سورية إلى اليمن وفلسطين وغيرها، حيث الحروب وملايين اللاجئين، إن العالم لم يتمكن من إحلال الأمن والسلم الدوليين. ليس العالم حيث يجب أن يكون، ألا توافق؟

بلا شك، ولا أحد يشكك بأن الشرق الأوسط منطقة كان من المفترض أن نحرز فيها تقدماً أكثر بخصوص حلّ المشاكل والنزاعات. ولا أعتقد أن أحداً سيجادلك بأن الوضع في الشرق الأوسط ليس في المكان الذي يجب أن يكون فيه. ولكن تحت الظروف الحالية الصعبة (الحروب والنزاعات)، كيف سيكون الوضع عليه، لو لم تكن الأمم المتحدة موجودة؟

* لكن ما هي الخطوات العملية التي ترون أن الأمم المتحدة ومؤسساتها يجب أن تتخذها لكي تقوم بتحقيق تلك الطموحات على أرض الواقع، بما فيها إحلال الأمن والسلم الدوليين أو أهداف التنمية المستدامة أو غيرها؟

من الضروري أن تدعم وتستوعب كل دولة، كما كل منطقة ومنظمة إقليمية، كالاتحادين الأفريقي والأوروبي مثلاً، أن التعاون الدولي واحترام الاتفاقيات والنظام متعدد الأطراف والعمل في إطار القانون الدولي، تخدم الجميع، سواءً كانت الدولة صغيرة أم كبيرة. لا يمكن لأي دولة التعامل مع التحديات بمفردها وكأنها جزيرة. لقد أثبت الوضع الحالي، في ما يخص فيروس كورونا، ذلك، وشكّل تذكيراً مؤلماً بذلك الربط بين الدول والناس. وإذا عدنا إلى اتفاقية التغير المناخي التي تمّ التوصل إليها عام 2015 كما أهداف التنمية المستدامة وأجندة 2030، لقد أظهرت أهمية النظام متعدد الأطراف والإمكانيات المتاحة من خلال التعاون متعدد الأطراف. وإذا أردنا التركيز على أجندة 2030، فإن الكثير من الدول سوف تتمكن من تحقيق التقدّم وبعض الصراعات سوف تختفي، ولهذا فمن الضروري أن يركز المجتمع الدولي، وبشكل ملح، على تحقيق تلك الأهداف.


* كثيرون سيقولون إن انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب شكّل انتكاسة للنظام متعدد الأطراف والتعاون الدولي، خصوصاً في ما يتعلق بالأمم المتحدة وخروجه من منظمات واتفاقيات كاتفاقية باريس للمناخ وغيرها. ولاحظنا أن مفاوضات مدريد، بسبب الأميركيين والصينيين، لم تنجح كما كانت الأمم المتحدة تريد. هل تقوم الدول الصناعية الأخرى بتقديم ما يكفي لمواجهة هذا الفراغ أو الانتكاسات؟

دعيني أقول بداية، وأكون واضحاً، أن لكل دولة الحق بحسب الترتيبات الحالية باتخاذ قراراتها، إذ لا توجد حكومة واحدة تقود العالم. ما لدينا هو أن الحكومات توافق بشكل انفرادي على التعاون. وتقدّم الأمم المتحدة منصة لهذا التعاون. ما تقدّمه الأمم المتحدة في ما يخص وضع المعايير جوهري. لدى الولايات المتحدة، ودول أخرى، تساؤلات حول كيفية عمل النظام متعدد الأطراف. ومن حق الدول أن تطرح أسئلة وتشير إلى ما يقلقها. وفي حالات كثيرة هناك دول تفضّل ألا تقوم أخرى بالتخلي عن اتفاقيات سابقة تفاوضت حولها وتوصلت إلى اتفاقيات بموجبها، وهذا مفهوم. وفي الواقع لم نصل إلى وضع طلبت فيه أي دولة أن تخرج من النظام (الأمم المتحدة). ونحن لا نزال هنا في نيويورك (مقر الأمم المتحدة الرئيسي)، وعلى الرغم من وجود بعض التحديات، إلا أن الترتيبات عموماً بقيت على حالها، حتى لو كانت هناك بعض المنغصات.

في ما يخص اتفاقية باريس، كنا نتمنى أن تُظهر الولايات المتحدة موقفاً قيادياً كما فعلت في ما يخص التوصل لاتفاقية باريس. ومن حق الولايات المتحدة إن كانت لديها شكوك، أن تفعل ذلك. ولكن على الرغم من هذا التغيير، إلا أنه إذا نظرنا إلى ما يحدث على الأرض في الولايات المتحدة الأميركية من حيث المدن والولايات والشركات، فإنها تحاول الالتزام بالاتفاقية وهي ملتزمة بأهمية التغيير المناخي (ومكافحته) على الرغم من قرار الولايات المتحدة (الحكومة الفدرالية) بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ).

كما أن دولاً كبيرة أخرى تغيّر من طرق عملها، سواء كانت الصين أو الهند. وللهند دور قيادي في ما يخص توفير الطاقة الشمسية. كما أن أوروبا تقود في ما يخص التزاماتها بتخفيض الانبعاثات الغازية، وتلعب دوراً ريادياً من ناحية التزامها الزمني. صحيح أننا لم نتوصل في مدريد لما كنا نريد التوصل إليه، ولكن لم نخفق تماماً. وإذا نظرنا لما تقوم به الشركات والمجتمعات، فإن هناك حركة جيدة بهذا الاتجاه. نأمل أن نصل إلى (اجتماعات) غلاسكو عام 2026 بنتائج أفضل. مهما يكن، فإن التقارير العلمية واضحة، وعلى السياسة أن تذهب بهذا الاتجاه، ونأمل أن يكون هناك وضوح وتحرك أكبر.

*لقد شكلتم بداية الشهر فريقاً رفيع المستوى معني بـ"المساءلة المالية والدولية والشفافية والنزاهة" بغية تحقيق أجندة 2030 ومحاربة الفساد. لماذا هذه المبادرة، وما الذي تريدون تحقيقه؟

الأمر لا يتعلق بالفساد فقط، وهو عنصرٌ مهم ومركزي، والمبادرة نرويجية مدعومة من نيجيريا ودول أخرى، تتعلق بتمويل أهداف التنمية. هناك فجوة في ما يخص التمويل. ولكي نسد الهوة، نحتاج إلى شفافية (ومحاربة) الفساد، والتهرب الضريبي، غسيل والأموال وأمور أخرى. والفكرة هي أن نخلق مبادرة تقوي قضية المحاسبة والشفافية، وتوفر دعماً أكبر للدول النامية.

* لكن كيف تطبّق ذلك بشكل واقعي؟
يجب أن تكون هناك قواعد واضحة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك قواعد حول دفع نسبة معينة من الضريبة، فمن الضروري أن يكون واضحاً ما إذا كان الناس يدفعون تلك الضرائب، وما هي طرق الدفع. وإذا كان هناك تمويل لمشاريع في دول تشهد قمعاً، فهل نحن متأكدون أن هناك شفافية كاملة وضمانة أن تلك الأموال تمول المشاريع التي رصدت لها. الدعم لهذه المبادرة موجود في دول الشمال والجنوب. لا أعتقد أن هناك دولة تعارضها من الناحية المبدئية. ولا ندري ما هي التوصيات التي سيطلقها الفريق ولكن واحداً من الأسئلة هو هل هناك ثغرات يمكننا ملاحظتها ومعالجتها كي نحسن الشفافية في ما يخص قضايا التمويل في أجندة 2030.

* النقاشات حول إصلاح نظام مجلس الأمن مستمرة منذ سنوات حول أمور تتعلق بزيادة عدد الدول الأعضاء وتغيير في نظام استخدام الفيتو وغيرها. إلى أين وصلت؟ وما الذي تتمنى رؤيته؟

إذا كنت واقعياً، فلا أعتقد أنه سيتم إنهاء هذه المشاورات والتوصل إلى قرار خلال ولايتي لرئاسة الجمعية العامة (تنتهي في شهر سبتمبر/أيلول المقبل). ما نرغب برؤيته هو أن يكون هناك تقدم وخطوات فعلية ملحوظة بحيث يمكننا القول إننا قمنا بتحقيق تقدم لا يمكن الرجوع عنه، وأنه خلال الرئاسة المقبلة للجمعية العامة يمكن أن نرى أنه تم حل (التوصل لاتفاق) بعض الأمور الصعبة، أو أننا وصلنا إلى أقرب نقطة ممكنة للتوصل لاتفاق. وعلينا أن نقر أن اتفاقاً من هذا القبيل ليس بالسهل، لأنه ينبغي أن نحصل على موافقة أكبر عدد ممكن من الدول، بما فيها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. وطبعاً هذا يظهر التحديات التي تواجهنا، لكن الصعوبات لن توقفنا عن العمل على الموضوع. كما علينا أن نرى أي الاقتراحات ستحصل على الحجم الأكبر من التأييد في ما يخص زيادة عدد الدول الأعضاء (15 حالياً)، وما إذا كانت أي من الدول جديدة العضوية ستحصل على حقّ النقض؟ وسؤال آخر يتعلق بما إذا كان استخدام حق النقض الفيتو سيستمر؟ وإذا استمر، على أي شاكلة؟ وهذه هي الأمور التي يتم الآن التفاوض حولها وهذا نقاش طويل.

---
شغل تيجاني محمد باندي عدداً من المناصب الدبلوماسية رفيعة المستوى، من بينها تمثيل بلاده نيجيريا في الأمم المتحدة في نيويورك قبل توليه منصبه كرئيس للجمعية العامة. كما شغل عدداً من المناصب الأكاديمية المرموقة، بين الأعوام 1980 و2009، كأستاذ مساعد وأستاذ ونائب رئيس جامعة عثمانو دانفوديو في نيجيريا، إضافة إلى عمله كمدير عام للمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية بين الأعوام 2010 و2016. درس في عدد من الجامعات النيجيرية والغربية، من بينها جامعة بوسطن في الولايات المتحدة.