11 أكتوبر 2024
ثقافة سياسية "للصمت" في الجزائر
ارتفعت أصوات منتسبين لأحزاب ما تعرف بالموالاة في الجزائر، لانتقاد قرارات بعض الوزراء، والتعليق على أحداث سياسية تشهدها البلاد، وهو ما لم يرق للمسؤولين على تلك الأحزاب، باعتبار أن الثقافة السياسية السائدة هي الموالاة المبنية على الولاء التام، من دون فضاء ما للتعبير عن المواقف. ويأتي هذا الموقف الغاضب من مسؤولي تلك الأحزاب، على خلفية انتقاد عضو في الحزب الحاكم ومنتخب في الغرفة السفلى للبرلمان (مجلس الأمة)، لتسيير وزيرة التربية، نورية بن غبريط، للإضراب الذي شهده قطاعها فترة طويلة، أدّت، وفق تقديرات الوزارة نفسها، إلى تأخّر الدراسة لمختلف الأطوار (الابتدائي، المتوسط ـ الإعدادي والثانوي) أكثر من عشرة أسابيع. ويطرح هذا الموقف من عضو الحزب المنتقد، ومن رد فعل قيادته في "جبهة التحرير"، بإحالته على مجلس التأديب، إشكالية الثقافة السياسية السائدة لدى الأحزاب عموما، ولدى الأحزاب المعروفة بـ"الموالاة" خصوصا؟
بالعودة إلى الممارسة السياسية الحزبية في الجزائر، يلاحظ غياب ثقافة سياسية للتعبير، أو لاتخاذ مواقف يمكن وصفها مستقلة عن مواقف القيادة بخصوص الرؤية، الإدراك أو القرارات المتخذة من تلك القيادة، باعتبار أن الممارسة الحزبية انطلقت في زمن الاستعمار الفرنسي (حزب نجم شمال أفريقيا، حزب الشعب الجزائري، ثم حزب جبهة التحرير الوطني، عينة) بقيادات كارزمية (مصالي الحاج وقادة ثورة التحرير بالنسبة للحزبين الآخرين). لم يكن للاختلاف أن يبرز، خصوصا أن المواقف والقرارات كانت للرد على سياسات المستعمر الذي عرف في اللغة السياسية بــ "العدو". وبالتالي، كانت حرية التعبير في حدود ضيقـــة والولاء للقضية الوطنية وللهدف الأسمى، الاستقلال، شكّلا مانعين لأية انتقادات للقيادة، وهو ما تولّدت عنه "ثقافة سياسية" محدّدة المعالم لسياق خاص، انتهى بالاستقلال.
بعد الاستقلال، وبالنظر إلى النهج السياسي الذي اتبعته الجزائر، منع التعدد الحزبي ودخلت
البلاد عصر الحزب الواحد، حزب جبهة التحرير الوطني الذي كان يشمل نخبة من مختلف التيارات السياسية، ولكن بأيديولوجية جديدة، منطلقها الولاء التام لسياسة القيادة، دونما فضاء أو هامش للانتقاد، وهو ما قاد إلى تغييب كلي للحياة الحزبية في البلاد، إلا في أطر سرية (التياران الإسلاموي واليساري) وبقاء نشاط بعض الأحزاب، ولكن في الخارج، على غرار حزب جبهة القوى الاشتراكية، بزعامة المرحوم، حسين آيت أحمد، من فرنسا ثم من سويسرا.
ساهم التغيير الذي حدث في أعقاب مظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 1988 في تعديل الدستور الجزائري في بداية 1989 ليسمح، مرة أخرى، بالتعدّدية الحزبية، وهو ما أدّى إلى بروز عشرات الأحزاب، منها الكبيرة (جبهة القوى الاشتراكية، الجبهة الاسلامية للإنقاذ "المحظورة"، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية)، وما عرفت بـــ"الأحزاب المجهرية"، أي التي لم يكن لها أية قواعد تمثيلية في الانتخابات أو جماهيريا.
يلاحظ على تلك التعددية الحزبية الجديدة انقسامها إلى ثلاثة تيارات من الناحية الأيديولوجية: محافظة- وطنية، إسلاموية ويسارية وبقياداتٍ بعضها يمكن وصفة بالكاريزمي، على غرار: عبد الحميد مهري، حسين آيت أحمد، عباسي مدني، محفوظ نحناح، أحمد بن بللا، سعيد سعدي. وقد ساهمت الانتخابات المحلية (1990) ثم التشريعية (1991) في فرز الساحة السياسية إلى فريقين، الوطني - القومي والديمقراطي في مواجهة تيار إسلاموي بقيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحظورة) الفائزة بالمحليات، ثم التشريعيات التي تم إلغاؤها (نهاية 1991 وبداية 1992)، لتدخل البلاد أتون حرب أهلية نحو عشر سنوات، منع فيها، تقريبا، النشاط السياسي الحزبي، بالنظر إلى الحالة الأمنية.
وقبل انتهاء تلك "العشرية السوداء"، عمد النظام إلى إيجاد حزبٍ عرف بأنه الحزب الإداري، وهو "التّجمع الوطني الديمقراطي" في 1997، ليفوز، فور الإعلان عن إنشائه، بالتشريعيات التي ما زالت محلّ جدال، لما شابها من عمليات تزوير، أكّدها تقرير للجنة تحقيق برلمانية (لم ينشر) ليولد، على أثرها، تيار سياسي جديد عرف بــــــــ"التحالف الرئاسي" الذي ساهم في إنجاح التوجه السياسي لفترة ما بعد العشرية السوداء على خطين متوازيين، هما "سياسة الوئام الوطني" التي أوقفت الصراع الدموي في الجزائر، وانتخاب الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، رئيسا للبلاد في 1999، في عهدته الأولى.
يعد بروز هذا "التحالف الرئاسي" عودة إلى ثقافة الصمت نفسها، إذ ينافح الجميع عن توجه سياسي واحد، هو خليط أيديولوجي "قومي- وطني- إسلاموي"، وبشعار "برنامج الرئيس"، ويمنع أي ظهور لتيار سياسي آخر، ليولد مسمّى "الموالاة" (التحالف الرئاسي وأحزاب مجهرية ومصلحية تدور في فلكها أو تتبنّى، حينا، توجهاتها) و"المعارضة" (كتلة الأحزاب التي عرفت حركات تصحيحية - انقلابات داخلية - إضافة إلى تيارات سياسية، تكوّنت على هامش المعارضات القديمة، بعضها إسلاموي وبعضها يساري). ويمكن تسمية تلك المعارضة بالمعارضة "التّلفزية"، أي التي لا تبرز إلا من خلال شاشات القنوات الوطنية أو الأجنبية، بخطاب ينتقد التسيير السياسي، وينافح لميلاد "جمهورية ثانية" في الجزائر.
لا يمكن فهم الإشكالية التي تحدّثت عنها أولى سطور المقالة، إلا بمعرفة سياق تحرّك ذلك التحالف، وعلى كل المستويات لضمان منظومة تعبيرية واحدة، من دون هامش للانتقاد، ورفضا لمبدأ "الرأي الآخر"، وهو المعنى الوحيد الذي يحمله مسمّى "الموالاة"، كخطّ سياسي، و"الولاء التام"، كمضمون لخطاب سياسي، ذي توجه واحد يوصف بأنه "ديماغوجي"، أي التبريري للأوضاع والقرارات، مهما كان مضمونها أو تداعياتها.
في هذا الإطار، جاء انتقاد عضو الحزب الحاكم الوزيرة بن غبريط، على خلفية التسيير الذي كاد أن يعصف بالقطاع التربوي برمّته، وهو الانتقاد الذي رفضته قيادته، كما رفض، من قبل، حديث برلماني من الحزب، عن العهدة الخامسة للرئيس الحالي من دون استشارة تلك القيادة، ما يدل على أن ثمة نيّة لتفعيل عصا الطاعة، من خلال "مجلس التأديب"، لمن تسوّل له نفسه الخروج عن قواعد الولاء التّام.
يهدف قرار الحزب العتيد إلى تكريس الثقافة السياسية للصمت والولاء التام للخط السياسي المرسوم من القيادة، وهو الخط نفسه الذي تشترك فيه، للمفارقة، كل الأحزاب، سواء المنضوية تحت مسمّى "الموالاة"، أو التي تنتمي، سياسيا، إلى التيار الآخر المسمّى "المعارضة"، باعتبار أن التيارين يرفضان الانتقــــاد والرأي الآخر، إضافة إلى أنهما يشتركان في ظاهرة العهدات مدى الحياة لنخبها، ما فرّغ الحياة السياسية الحزبية من مبدأ التداول داخل هذه الأحزاب، وتغييبه، تماما، من الحياة السياسية للبلاد تبعا لذلك. وينعكس على ذلك التكريس ويجعل الثقافة السياسية بمضمون فارغ، أو ممعن في الرّداءة إلى درجة نراها ممثلة، بصفة يومية، في الخطاب الحزبي، وتتحدث عنه وسائل التواصل الاجتماعي، باعتباره خطابا يطغى عليه الرأي والتعليق المجانبان للصواب، تماما.
يرتكز تفعيل "مجلس التأديب"، داخل الحزب العتيد، على أبعاد نية المعارضة لأي موقف،
الآن، لأنّ المنطلق هو إمكانية بروز تيار معارض للقيادة، مستقبلا، وخصوصا أن الرهانات السياسية للعام المقبل 2019، (الانتخابات الرئاسية) تقتضي توافقا مبنيا على "الولاء التّام" وعدم احتمال ظهور أي بادرة لرفض التّوافق الآتي للموقف السياسي للحزب، خصوصا أن "التحالف الرئاسي" شهد، على خلفية التشريعيات السابقة، تصدّعا بخروج "حركة مجتمع السلم" من الكتلة، لتبقى مرتكزة على الحزب الحاكم وحزب رئيس الحكومة الحالي، أحمد أويحيى.
وترتكز الحياة السياسية على نسق المراجعة المتواصلة للمواقف والآراء من خلال جدلية الرّأي/ الرّأي الآخر، وهو ما يكرّس ثقافة التداول داخل الأحزاب، ويؤدّي الى تبنّي برامج انتخابية تنافسية، ومن ثم إلى تداول السلطة، وتكريس الثقافة السياسية الديمقراطية في البلاد، وهو ما نراه غائبا/ مغيّبا، بتكريس مبدأ الولاء التام ورفض فتح هوامش للانتقاد، بالنظر إلى تبرير يرفع دائما، وهو الخوف على أمن البلاد أو رهانات السياسة الداخلية من قرارات وأجندات انتخابية، تعود بالنفع على الموالاة بإعادة إنتاج المكيانيزمات نفسها، التسييرية للسياسة العامة وللحياة الحزبية.
التركيز على آلية العقاب، من خلال تفعيل مجلس التأديب، ليس هو الحل لمنع الانتقاد، أو لغلق هوامش التعبير عن الرأي داخل الحزب الحاكم، أو منظومة الأحزاب الأخرى، بل الحل في تكريس ثقافة سياسية، قوامها التداول داخل الأحزاب، وعلى السلطة. ولا يمكن لذلك أن يتم إلاّ، على سبيل المثال، بإيجاد ميكانيزم "الانتخابات الأوّلية" التي نراها مكرّسة في الأنظمة الديمقراطية، سواء لتغيير قيادات الأحزاب أو لاختيار المرشحين للانتخابات، ويكون ذلك منطلقا لفرض منطق الجدلية التي أتينا عليها: الرّأي والرّأي الآخر.
بالعودة إلى الممارسة السياسية الحزبية في الجزائر، يلاحظ غياب ثقافة سياسية للتعبير، أو لاتخاذ مواقف يمكن وصفها مستقلة عن مواقف القيادة بخصوص الرؤية، الإدراك أو القرارات المتخذة من تلك القيادة، باعتبار أن الممارسة الحزبية انطلقت في زمن الاستعمار الفرنسي (حزب نجم شمال أفريقيا، حزب الشعب الجزائري، ثم حزب جبهة التحرير الوطني، عينة) بقيادات كارزمية (مصالي الحاج وقادة ثورة التحرير بالنسبة للحزبين الآخرين). لم يكن للاختلاف أن يبرز، خصوصا أن المواقف والقرارات كانت للرد على سياسات المستعمر الذي عرف في اللغة السياسية بــ "العدو". وبالتالي، كانت حرية التعبير في حدود ضيقـــة والولاء للقضية الوطنية وللهدف الأسمى، الاستقلال، شكّلا مانعين لأية انتقادات للقيادة، وهو ما تولّدت عنه "ثقافة سياسية" محدّدة المعالم لسياق خاص، انتهى بالاستقلال.
بعد الاستقلال، وبالنظر إلى النهج السياسي الذي اتبعته الجزائر، منع التعدد الحزبي ودخلت
ساهم التغيير الذي حدث في أعقاب مظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 1988 في تعديل الدستور الجزائري في بداية 1989 ليسمح، مرة أخرى، بالتعدّدية الحزبية، وهو ما أدّى إلى بروز عشرات الأحزاب، منها الكبيرة (جبهة القوى الاشتراكية، الجبهة الاسلامية للإنقاذ "المحظورة"، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية)، وما عرفت بـــ"الأحزاب المجهرية"، أي التي لم يكن لها أية قواعد تمثيلية في الانتخابات أو جماهيريا.
يلاحظ على تلك التعددية الحزبية الجديدة انقسامها إلى ثلاثة تيارات من الناحية الأيديولوجية: محافظة- وطنية، إسلاموية ويسارية وبقياداتٍ بعضها يمكن وصفة بالكاريزمي، على غرار: عبد الحميد مهري، حسين آيت أحمد، عباسي مدني، محفوظ نحناح، أحمد بن بللا، سعيد سعدي. وقد ساهمت الانتخابات المحلية (1990) ثم التشريعية (1991) في فرز الساحة السياسية إلى فريقين، الوطني - القومي والديمقراطي في مواجهة تيار إسلاموي بقيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحظورة) الفائزة بالمحليات، ثم التشريعيات التي تم إلغاؤها (نهاية 1991 وبداية 1992)، لتدخل البلاد أتون حرب أهلية نحو عشر سنوات، منع فيها، تقريبا، النشاط السياسي الحزبي، بالنظر إلى الحالة الأمنية.
وقبل انتهاء تلك "العشرية السوداء"، عمد النظام إلى إيجاد حزبٍ عرف بأنه الحزب الإداري، وهو "التّجمع الوطني الديمقراطي" في 1997، ليفوز، فور الإعلان عن إنشائه، بالتشريعيات التي ما زالت محلّ جدال، لما شابها من عمليات تزوير، أكّدها تقرير للجنة تحقيق برلمانية (لم ينشر) ليولد، على أثرها، تيار سياسي جديد عرف بــــــــ"التحالف الرئاسي" الذي ساهم في إنجاح التوجه السياسي لفترة ما بعد العشرية السوداء على خطين متوازيين، هما "سياسة الوئام الوطني" التي أوقفت الصراع الدموي في الجزائر، وانتخاب الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، رئيسا للبلاد في 1999، في عهدته الأولى.
يعد بروز هذا "التحالف الرئاسي" عودة إلى ثقافة الصمت نفسها، إذ ينافح الجميع عن توجه سياسي واحد، هو خليط أيديولوجي "قومي- وطني- إسلاموي"، وبشعار "برنامج الرئيس"، ويمنع أي ظهور لتيار سياسي آخر، ليولد مسمّى "الموالاة" (التحالف الرئاسي وأحزاب مجهرية ومصلحية تدور في فلكها أو تتبنّى، حينا، توجهاتها) و"المعارضة" (كتلة الأحزاب التي عرفت حركات تصحيحية - انقلابات داخلية - إضافة إلى تيارات سياسية، تكوّنت على هامش المعارضات القديمة، بعضها إسلاموي وبعضها يساري). ويمكن تسمية تلك المعارضة بالمعارضة "التّلفزية"، أي التي لا تبرز إلا من خلال شاشات القنوات الوطنية أو الأجنبية، بخطاب ينتقد التسيير السياسي، وينافح لميلاد "جمهورية ثانية" في الجزائر.
لا يمكن فهم الإشكالية التي تحدّثت عنها أولى سطور المقالة، إلا بمعرفة سياق تحرّك ذلك التحالف، وعلى كل المستويات لضمان منظومة تعبيرية واحدة، من دون هامش للانتقاد، ورفضا لمبدأ "الرأي الآخر"، وهو المعنى الوحيد الذي يحمله مسمّى "الموالاة"، كخطّ سياسي، و"الولاء التام"، كمضمون لخطاب سياسي، ذي توجه واحد يوصف بأنه "ديماغوجي"، أي التبريري للأوضاع والقرارات، مهما كان مضمونها أو تداعياتها.
في هذا الإطار، جاء انتقاد عضو الحزب الحاكم الوزيرة بن غبريط، على خلفية التسيير الذي كاد أن يعصف بالقطاع التربوي برمّته، وهو الانتقاد الذي رفضته قيادته، كما رفض، من قبل، حديث برلماني من الحزب، عن العهدة الخامسة للرئيس الحالي من دون استشارة تلك القيادة، ما يدل على أن ثمة نيّة لتفعيل عصا الطاعة، من خلال "مجلس التأديب"، لمن تسوّل له نفسه الخروج عن قواعد الولاء التّام.
يهدف قرار الحزب العتيد إلى تكريس الثقافة السياسية للصمت والولاء التام للخط السياسي المرسوم من القيادة، وهو الخط نفسه الذي تشترك فيه، للمفارقة، كل الأحزاب، سواء المنضوية تحت مسمّى "الموالاة"، أو التي تنتمي، سياسيا، إلى التيار الآخر المسمّى "المعارضة"، باعتبار أن التيارين يرفضان الانتقــــاد والرأي الآخر، إضافة إلى أنهما يشتركان في ظاهرة العهدات مدى الحياة لنخبها، ما فرّغ الحياة السياسية الحزبية من مبدأ التداول داخل هذه الأحزاب، وتغييبه، تماما، من الحياة السياسية للبلاد تبعا لذلك. وينعكس على ذلك التكريس ويجعل الثقافة السياسية بمضمون فارغ، أو ممعن في الرّداءة إلى درجة نراها ممثلة، بصفة يومية، في الخطاب الحزبي، وتتحدث عنه وسائل التواصل الاجتماعي، باعتباره خطابا يطغى عليه الرأي والتعليق المجانبان للصواب، تماما.
يرتكز تفعيل "مجلس التأديب"، داخل الحزب العتيد، على أبعاد نية المعارضة لأي موقف،
وترتكز الحياة السياسية على نسق المراجعة المتواصلة للمواقف والآراء من خلال جدلية الرّأي/ الرّأي الآخر، وهو ما يكرّس ثقافة التداول داخل الأحزاب، ويؤدّي الى تبنّي برامج انتخابية تنافسية، ومن ثم إلى تداول السلطة، وتكريس الثقافة السياسية الديمقراطية في البلاد، وهو ما نراه غائبا/ مغيّبا، بتكريس مبدأ الولاء التام ورفض فتح هوامش للانتقاد، بالنظر إلى تبرير يرفع دائما، وهو الخوف على أمن البلاد أو رهانات السياسة الداخلية من قرارات وأجندات انتخابية، تعود بالنفع على الموالاة بإعادة إنتاج المكيانيزمات نفسها، التسييرية للسياسة العامة وللحياة الحزبية.
التركيز على آلية العقاب، من خلال تفعيل مجلس التأديب، ليس هو الحل لمنع الانتقاد، أو لغلق هوامش التعبير عن الرأي داخل الحزب الحاكم، أو منظومة الأحزاب الأخرى، بل الحل في تكريس ثقافة سياسية، قوامها التداول داخل الأحزاب، وعلى السلطة. ولا يمكن لذلك أن يتم إلاّ، على سبيل المثال، بإيجاد ميكانيزم "الانتخابات الأوّلية" التي نراها مكرّسة في الأنظمة الديمقراطية، سواء لتغيير قيادات الأحزاب أو لاختيار المرشحين للانتخابات، ويكون ذلك منطلقا لفرض منطق الجدلية التي أتينا عليها: الرّأي والرّأي الآخر.