بالتزامن مع إتمام ثلاثة أشهر على توقيع اتفاقيات السويد بين الأطراف اليمنية، دخلت الجهود التي تقودها الأمم المتحدة ما يشبه مرحلة الجمود، عقب الإخفاق بتحقيق أي تقدم عملي في محافظة الحديدة غربي البلاد، والتي تعد التفاهمات بشأنها جوهر ما خرجت به محادثات استوكهولم، على الرغم من الجهود المضنية التي بذلتها الأمم المتحدة والرعاة الدوليون لإنقاذ الاتفاق.
وقالت مصادر محلية وأخرى قريبة من القوات الحكومية في الحديدة، لـ"العربي الجديد"، إنه في ضوء تعثر الاتفاق حول خطة إعادة الانتشار في الحديدة، والمقدمة من رئيس فريق المراقبين الدوليين في المدينة الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، تصاعدت الخروقات لوقف إطلاق النار خلال الأيام الماضية. وكان الجانب الحكومي اتهم، أول من أمس الثلاثاء، جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، بقصف مقر الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار. وفي الوقت الذي تسود فيه المخاوف من عودة شبح المعارك بنطاقها الأوسع في الحديدة، فإن النتيجة الملموسة الوحيدة على أرض الواقع تنحصر في خفض التصعيد خلال الشهور الماضية، إذ لم يُسجل وقوع عمليات عسكرية ضخمة. وفي المقابل، فإن القوات التابعة للطرفين عززت مواقعها وآلياتها في الأشهر الأخيرة، على نحو يجعل المدينة مهيأة لجولة من المعارك الضارية، إذا انهار الاتفاق بشكل كامل.
وبالتزامن مع ذكرى توقيع الاتفاق، أصدر سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن المعتمدون لدى اليمن، بياناً، حمل اعترافاً بالعوائق التي تقف أمام الاتفاق. وأعرب السفراء عن قلق بالغ يساورهم "لأن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في استوكهولم في ديسمبر/كانون الأول 2018 لم تنفذ بعد، بما في ذلك إعادة انتشار القوات في الموانئ ومدينة الحديدة، وتبادل الأسرى والمعتقلين، والاتفاق بخصوص تعز". وجددوا دعم دولهم للأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث ورئيس فريقها في الحديدة مايكل لوليسغارد.
وفيما يعد اتفاق الحديدة أبرز ما خرجت به مشاورات السويد في 13 ديسمبر الماضي، فإن العقبة الرئيسية التي برزت أمامه تتمثل بالتفاهم حول تسمية الطرف المسؤول عن إدارة وأمن موانئ مدينة الحديدة، التي يلزم الاتفاق قوات الطرفين بإعادة الانتشار منها إلى مواقع متفق عليها. وتعد خطة لوليسغارد، المقدمة منذ أكثر من أسبوع، أحدث ما توصلت إليه سلسلة اجتماعات وزيارات مكوكية لغريفيث بين صنعاء والرياض وعواصم أخرى في المنطقة، طوال الأشهر الماضية. وتقسم الخطة الحل إلى مرحلتين، تتمثل الأولى بانسحاب قوات الحوثيين من موانئ الحديدة مسافة خمسة كيلومترات في مقابل انسحاب قوات الشرعية كيلومترا واحدا من المدخل الشرقي للمدينة. وعلى الرغم من إعلان الأمم المتحدة أن الطرفين وافقا على البدء بالمرحلة الأولى، إلا أن الخلافات برزت مجدداً بعد اشتراط الجانب الحكومي أن يتم تسليم الموانئ التي ينسحب الحوثيون منها إلى مسؤولي السلطة المحلية والأمن السابقين (قبل تعيينات الجماعة)، وهو ما رفضه الحوثيون، ليدخل اتفاق الحديدة منذ أكثر من أسبوع، مرحلة التهديد غير المسبوق، إذ بدا وكأن لوليسغارد يسير على خطى سلفه الهولندي باتريك كاميرت، الذي استقال بعد شهر من توليه مهمة رئاسة لجنة الرقابة الأممية في الحديدة.
وعملت الدول الراعية للتسوية، بما فيها بريطانيا، على دعم اتفاق السويد، من خلال صدور قرارين دوليين عن مجلس الأمن الدولي، في ديسمبر (القرار 2451) ويناير/كانون الثاني (القرار 2452). وسعى وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت أخيراً إلى إنقاذ الاتفاق، عبر جولة في المنطقة شملت مسقط والرياض وأبو ظبي وعدن، لكنها انتهت دون تقدم يُذكر. وعوضاً عن ذلك، كشف انتقاد الحوثيين ومسؤولين في الشرعية لتصريحات هنت أن الخلاف الجوهري الذي يعرقل اتفاق السويد لا يزال في المربع الأول. وفي السياق، يبزر الحديث عن دور الأمم المتحدة، وعن الإخفاقات والنجاحات في الشهور الأخيرة، إذ تمكنت، بعد ضغوط دولية قوية، من وقف معركة الحديدة، لكنها تعثرت في تحقيق أي تقدم على صعيد تطبيق اتفاق الحديدة، على نحو قد لا يجعل من عودة المعارك إلى المدينة سوى مسألة وقت، ما لم يتم الإعلان عن تحقيق اختراق جوهري في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة.
كما لا يزال اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين والمخفيين قسرياً من الجانبين، بعد مضى أكثر من ثلاثة أشهر، على إعلانه، حبراً على ورق، إذ انحصرت نتائجه بتبادل كشوفات بأسماء الآلاف من المعتقلين والأسرى من الجانبين، ومن ثم تقديم كل طرف ملاحظات على الكشوفات المقدمة من الآخر، إلا أن عملية التبادل لا تزال متعثرة هي الأخرى، وسط اتهامات متبادلة بوضع العراقيل أمام التنفيذ. يذكر أن مشاورات السويد كانت أهم محطة تفاوضية، يُعلن في نهايتها الخروج باتفاق، على عكس جولات المشاورات السابقة التي رعتها الأمم المتحدة منذ تصاعد الحرب في مارس/آذار 2015. ومع ذلك، فإن هذا الانتصار كان مليئاً بالثغرات، إذ لم يتم التوصل إلى اتفاق حول قضايا الخلاف الجوهرية، مثل عدم التحديد الواضح للطرف الذي يجب أن يتسلم أمن وإدارة الحديدة. وانعكس الإحباط السائد حول عدم تنفيذ اتفاقات استوكهولم، على المبعوث الأممي الذي حارب للوصول إلى الاتفاق ومن ثم جهود إنقاذه عبر سلسلة من الزيارات شبه الأسبوعية إلى صنعاء خصوصاً وللرياض وعواصم إقليمية أخرى عموماً، لكن الخيبة بدت واضحة عقب آخر زيارة قام بها إلى صنعاء قبل نحو أسبوعين، والتي انتهت كسابقاتها من الزيارات من دون نتائج ملموسة.