01 نوفمبر 2024
ثورة مصر وتوابع الزلازل
من المهم أن نؤكد مع تجدّد الحديث عن ثورة مصر، وعن الزلازل الثلاث التي رافقتها وأعقبتها أن هذا الحدث لايزال في حاجةٍ إلى النظر العميق والتحليل الدقيق، ونظرا لأن الكتابات عن الثورة المصرية لا تكافئ هذا الحدث الكبير في حجمه، وفي مآلاته، إلا أن كتاباً، مثل "ثورة مصر" للدكتور عزمي بشارة بجزئيه، إنما يشكل حالة تسجيلية وتوثيقية وتحليلية غير مسبوقة، فتحت هذه الرؤية في ذلك الكتاب مع امتدادها وتنوع قضاياها الباب واسعاً لدراساتٍ معمقةٍ حول تلك الثورة، والبحث في العوامل المختلفة التي جعلت منها واحدةً من الثورات المؤثرة، على الرغم من تلك المآلات التي تمثلت في الثورة المضادة التي استندت إلى عناصر دولة عميقة، تُوجت بانقلابٍ تحول، مع مرور الزمن، إلى نظام الثالث من يوليو، فتبنى سياساتٍ، واتخذ قراراتٍ، وتشكلت كل مواقفه ضمن رؤيةٍ فاشيةٍ، تقوم على قاعدة الدولة البوليسية، كل هذا يشكل مداخل تحليل لمثل هذه الزلازل التي أشرنا إليها في المقال السابق، والتوابع التي رافقتها أو أتت بعدها لتشكل هزاتٍ أساسيةً وآثارا هيكلية، أدت إلى مزيد من الخوف، ومن سياساتٍ واستراتيجياتٍ تتعلق بالتجويع والترويع والتفزيع.
لو تحدّثنا عن توابع زلزال الثورة، فإن أخطر ما فيها كانت تلك الرومانسية التي جعلت عملية التعاطي مع الحالة الثورية على نحوٍ قد يفتقر إلى اعتبار الواقع، وإلى التقدير الصائب لأمورٍ تفاعلت وتراكمت وتشابكت، بعض هذه الرؤى جعلت هؤلاء من شباب الثورة وأهلها يتركون ميادين التأثير، كان ذلك أول خطأ تاريخي لهؤلاء الذين حملوا هم الثورة وأهدافها. إن هيمنة المجلس العسكري على سلطات الدولة كانت، في ذلك الوقت، هي الأمر الخطير الذي فتح الباب واسعا للتحكّم في مجريات الأمور. وبدا المشهد يحمل بعض مؤشرات تشرذم تلك الطاقة الشبابية، وقابليتها للفرقة ترهيبا وترغيبا، فتبدّدت تلك الطاقات الثورية في غير مقام.
كما أن هذه الحالة الرومانسية انفتحت على نخبة تصوّرها بعضهم، بشكل أو بآخر، وكأنها
تتبنى تلك الحالة الثورية، ولم يكن بعض هؤلاء إلا من راكبي موجة الثورة، استطاعوا، بشكل أو بآخر، أن ينحرفوا بمسارها، وأن يجعلوا مساحات الثورة ميدانا لتصفية الحسابات فيما بينهم. كنا نشير إلى هذه النخبة، ونصفها بأنها "النخبة المحنطة" في عدم فاعليتها وفي تقدّم عمرها وتقادم فعلها، إلا أنها، بأفعالها وأدوارها، تحوّلت إلى "النخبة المنحطّة"، حيث نشرت الاستقطاب وفيروساته في ساحات الحياة السياسية والحركة الثورية، وأحدثت قابليات لفرقة مقيمة وانقسام عميق، ومن جملة انحطاطها أنها صدّرت خلافاتها واستقطاباتها إلى قاعدة المجتمع وشبكة علاقاته الاجتماعية، فأصابتها في مقتل، ونالت من تماسك الجماعة الوطنية.
نضيف إلى تلك الرومانسية الزاعقة في عدم تقدير الأمور التي تتعلق بالبيئة الدولية والإقليمية التي انزوت في تأثيرها في الثمانية عشر يوما، إلا أنها انتقلت بعد ذلك إلى حالةٍ من حالات العبث بكل المقدرات الثورية في الثمانية عشر شهرا التي تلتها، ما شكل بيئة مواتية لخروج أطراف الثورة المضادة من دولة عميقة ومن مؤسساتٍ ذات مصالح في النظام القديم، وهؤلاء الذين سمّوا الفلول من جحورهم يعلنون الحرب من كل مكان على الثورة الحقيقية، لتحقيق حالة من الحصار لهذه الثورة، تمهيدا للالتفاف عليها ومحاولة إجهاضها بعد إجهادها.
أما توابع زلزال الانقلاب، فقد توّج لهذه الثورة المضادة، ودشّن سياسات غاية في الخطورة ضمن منظومة انقلابية، حاولت أن توجد لها أرضية جديدة، وتحاول تشويه الثورة الحقيقية وأهدافها، وتحت دعوى حماية الدولة مع جوقة من فريق الدولتية الذين يكرّرون على مسامع الناس أن الدولة ومؤسساتها في خطر، ولم يتفهم هؤلاء أن الخطر الحقيقي لم يكن إلا في سيطرة العسكر على مجمل الحياة المدنية والسياسية، وعلى ساحات المجال العام ومساحاته، وعلى مصادرة الفعل السياسي واغتصابه، وعلى تقويض كل أشكال المقاومة والاحتجاج، كان ذلك كله وفق خطة ممنهجة، تحول ذلك الانقلاب إلى نظام الثالث من يوليو، وتحول ذلك كله إلى حالة فاشية بوليسية، تزرع الخوف في كل مكان، وتصنع حالات الكراهية بين كل مكونات المجتمع والجماعة الوطنية، وبات كل شيء تحت السيطرة، من نظامٍ حاول شرعنة وجوده، فلم يجد إلا بوابتين، بوابة الشفرة الإرهابية، والبوابة الصهيونية التي تتمثل في حماية الكيان الإسرائيلي. بين هذا وذاك، فرض نظام الثالث من يوليو شرعنته، في محاولة لإضفاء حق على غصبه وممارساته الباطشة القائمة على قاعدة الطغيان والاستبداد، بل وصل الأمر إلى حد ممارسات الخيانة التي تمثلت في التفريط في موارد الوطن وحياضه وأرضه، ممثلة في جزيرتي تيران وصنافير، كان أهم مآلات زلزال الانقلاب وتوابعه حالة الخوف التي شاعت وتكميم الأفواه والاعتقالات والمطاردات التي مورست يومياً، حتى صنعت جمهورية الخوف والبلطجة.
وعن توابع الزلزال الثالث التي تمثلت في وضع خطير في محاولة شيطنة تيار الإسلام
السياسي، وفي مقدمته جماعة الإخوان المسلمين، وبرز الأمر في صناعة كراهية متعمدة لكل ما هو إسلامي، تحت دعوات شتى، تعلق ذلك بالمجازر التي حدثت في ميداني رابعة العدوية وأخواتها، وما تبعها من سياسات للترويع والتخويف، ما شكل حالة لاإنسانية "خطيرة"، وبدت بعض تبعات هذا الظلم تمتد حيث تعرّضت القوى المختلفة، مدنية كانت أم إسلامية، لذلك البطش، وكان لذلك كله من التوابع الخطيرة والتي تمثلت في أمرين:
يتعلق الأول بحالة الفرز الإنساني التي زلزلت كثيرا من ركائز المجتمع، ومن هؤلاء الذين ظن ناس كثيرون أنهم ضمن الطاقة الثورية، فإذا بهم ينقلبون عليها، مؤيدين هذا النظام الفاشي، ومبرّرين له كل ما يتعلق بقتله وظلمه واستبداده، وازدياد مساحات طغيانه، فبات هؤلاء جميعا ضمن حالة كراهية متبادلة، وضمن أحوال من التحريض معلنة، تؤكد أن "إنسانية المجتمع" ذاته صارت على المحك، وأصبحت على حافة الخطر وفوهة الخراب والتخريب.
يتعلق الأمر الثاني بإلقاء بعض هؤلاء المسؤولية فيما نحن فيه لا على العسكر، ولكن على الشعب نفسه، وصارت هذه اللعبة التي تتعلق بهجاء الشعب وسبه لعبةً مشتركة بين الاتجاهات كافة التي ساندت نظام الثالث من يوليو من ناحية، وبعض أطراف المعارضة ومقاومة الانقلاب التي تبنت الخطاب نقسه في سباب الشعب من ناحية أخرى، والتأكيد على أن هذا الشعب لم يكن يستحق هذه الثورة أو يستأهلها.
هذان الأمران، وباعتبار التوابع التي أعقبت هذه الزلازل، قدما حالةً من حالات التخويف وخطاب مسكون بروح الانتقام وعمليات التحريض على العنف من النظام الفاشي في مواجهة معارضيه. ومن جهة أخرى، انزلق بعض هؤلاء إلى مواجهة عنف النظام بمحاولات عنف من جانبهم.
هذه هي بعض التوابع للزلازل الثلاث الكبرى التي أحدثت شروخاتٍ في الأبنية، بل وتهديم بعضها، وأسهمت في تكريس بعض الأمراض النفسية الجماعية بين عناصر الجماعة الوطنية، وهو ما أدى إلى حالة الإحباط التي نرى، والجمود والركود الذي شاع، وهو ما حقق على ضعف نظام الثالث من يوليو مكنةً جعلته يخرج، على الرغم من سياسات الفشل، وحالة الضعف التي فيها أقوى من قبل، ولا يزال يتقوّى ويتمدّد في مساحات فرقتنا، ربما يحتاج هذا بعضا من التفصيل في مقال قادم.
لو تحدّثنا عن توابع زلزال الثورة، فإن أخطر ما فيها كانت تلك الرومانسية التي جعلت عملية التعاطي مع الحالة الثورية على نحوٍ قد يفتقر إلى اعتبار الواقع، وإلى التقدير الصائب لأمورٍ تفاعلت وتراكمت وتشابكت، بعض هذه الرؤى جعلت هؤلاء من شباب الثورة وأهلها يتركون ميادين التأثير، كان ذلك أول خطأ تاريخي لهؤلاء الذين حملوا هم الثورة وأهدافها. إن هيمنة المجلس العسكري على سلطات الدولة كانت، في ذلك الوقت، هي الأمر الخطير الذي فتح الباب واسعا للتحكّم في مجريات الأمور. وبدا المشهد يحمل بعض مؤشرات تشرذم تلك الطاقة الشبابية، وقابليتها للفرقة ترهيبا وترغيبا، فتبدّدت تلك الطاقات الثورية في غير مقام.
كما أن هذه الحالة الرومانسية انفتحت على نخبة تصوّرها بعضهم، بشكل أو بآخر، وكأنها
نضيف إلى تلك الرومانسية الزاعقة في عدم تقدير الأمور التي تتعلق بالبيئة الدولية والإقليمية التي انزوت في تأثيرها في الثمانية عشر يوما، إلا أنها انتقلت بعد ذلك إلى حالةٍ من حالات العبث بكل المقدرات الثورية في الثمانية عشر شهرا التي تلتها، ما شكل بيئة مواتية لخروج أطراف الثورة المضادة من دولة عميقة ومن مؤسساتٍ ذات مصالح في النظام القديم، وهؤلاء الذين سمّوا الفلول من جحورهم يعلنون الحرب من كل مكان على الثورة الحقيقية، لتحقيق حالة من الحصار لهذه الثورة، تمهيدا للالتفاف عليها ومحاولة إجهاضها بعد إجهادها.
أما توابع زلزال الانقلاب، فقد توّج لهذه الثورة المضادة، ودشّن سياسات غاية في الخطورة ضمن منظومة انقلابية، حاولت أن توجد لها أرضية جديدة، وتحاول تشويه الثورة الحقيقية وأهدافها، وتحت دعوى حماية الدولة مع جوقة من فريق الدولتية الذين يكرّرون على مسامع الناس أن الدولة ومؤسساتها في خطر، ولم يتفهم هؤلاء أن الخطر الحقيقي لم يكن إلا في سيطرة العسكر على مجمل الحياة المدنية والسياسية، وعلى ساحات المجال العام ومساحاته، وعلى مصادرة الفعل السياسي واغتصابه، وعلى تقويض كل أشكال المقاومة والاحتجاج، كان ذلك كله وفق خطة ممنهجة، تحول ذلك الانقلاب إلى نظام الثالث من يوليو، وتحول ذلك كله إلى حالة فاشية بوليسية، تزرع الخوف في كل مكان، وتصنع حالات الكراهية بين كل مكونات المجتمع والجماعة الوطنية، وبات كل شيء تحت السيطرة، من نظامٍ حاول شرعنة وجوده، فلم يجد إلا بوابتين، بوابة الشفرة الإرهابية، والبوابة الصهيونية التي تتمثل في حماية الكيان الإسرائيلي. بين هذا وذاك، فرض نظام الثالث من يوليو شرعنته، في محاولة لإضفاء حق على غصبه وممارساته الباطشة القائمة على قاعدة الطغيان والاستبداد، بل وصل الأمر إلى حد ممارسات الخيانة التي تمثلت في التفريط في موارد الوطن وحياضه وأرضه، ممثلة في جزيرتي تيران وصنافير، كان أهم مآلات زلزال الانقلاب وتوابعه حالة الخوف التي شاعت وتكميم الأفواه والاعتقالات والمطاردات التي مورست يومياً، حتى صنعت جمهورية الخوف والبلطجة.
وعن توابع الزلزال الثالث التي تمثلت في وضع خطير في محاولة شيطنة تيار الإسلام
يتعلق الأول بحالة الفرز الإنساني التي زلزلت كثيرا من ركائز المجتمع، ومن هؤلاء الذين ظن ناس كثيرون أنهم ضمن الطاقة الثورية، فإذا بهم ينقلبون عليها، مؤيدين هذا النظام الفاشي، ومبرّرين له كل ما يتعلق بقتله وظلمه واستبداده، وازدياد مساحات طغيانه، فبات هؤلاء جميعا ضمن حالة كراهية متبادلة، وضمن أحوال من التحريض معلنة، تؤكد أن "إنسانية المجتمع" ذاته صارت على المحك، وأصبحت على حافة الخطر وفوهة الخراب والتخريب.
يتعلق الأمر الثاني بإلقاء بعض هؤلاء المسؤولية فيما نحن فيه لا على العسكر، ولكن على الشعب نفسه، وصارت هذه اللعبة التي تتعلق بهجاء الشعب وسبه لعبةً مشتركة بين الاتجاهات كافة التي ساندت نظام الثالث من يوليو من ناحية، وبعض أطراف المعارضة ومقاومة الانقلاب التي تبنت الخطاب نقسه في سباب الشعب من ناحية أخرى، والتأكيد على أن هذا الشعب لم يكن يستحق هذه الثورة أو يستأهلها.
هذان الأمران، وباعتبار التوابع التي أعقبت هذه الزلازل، قدما حالةً من حالات التخويف وخطاب مسكون بروح الانتقام وعمليات التحريض على العنف من النظام الفاشي في مواجهة معارضيه. ومن جهة أخرى، انزلق بعض هؤلاء إلى مواجهة عنف النظام بمحاولات عنف من جانبهم.
هذه هي بعض التوابع للزلازل الثلاث الكبرى التي أحدثت شروخاتٍ في الأبنية، بل وتهديم بعضها، وأسهمت في تكريس بعض الأمراض النفسية الجماعية بين عناصر الجماعة الوطنية، وهو ما أدى إلى حالة الإحباط التي نرى، والجمود والركود الذي شاع، وهو ما حقق على ضعف نظام الثالث من يوليو مكنةً جعلته يخرج، على الرغم من سياسات الفشل، وحالة الضعف التي فيها أقوى من قبل، ولا يزال يتقوّى ويتمدّد في مساحات فرقتنا، ربما يحتاج هذا بعضا من التفصيل في مقال قادم.