كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي يفكر في إطلاق مبادرة سياسية جديدة، تتمثل في تكوين جبهة حزبية جديدة، لن تكون حركة النهضة طرفاً فيها. وكان السبسي عقد، في الأسبوعين الأخيرين، سلسلة من اللقاءات مع قيادات ونواب من مختلف الأحزاب السياسية، من خارج الائتلاف الحكومي، بينها من حزب مشروع تونس والاتحاد الوطني الحر والجبهة الشعبية، ومستقلين، وأغلبها من العناصر المنتقدة لأحزابها في الفترة الأخيرة، كما التقى أيضاً نواباً من نداء تونس، على خلفية الأزمة الخانقة التي يشهدها هذا الحزب حالياً.
وبحسب التصريحات الرسمية، فقد تمحورت هذه اللقاءات حول الوضع السياسي، وضرورة العمل على المحافظة على التوازن ودعم حكومة يوسف الشاهد. وتحدثت اغلب التقارير عن جبهة سياسية محورها حزب نداء تونس، تكون قاطرة دعم سياسي ونيابي لحكومة الشاهد ورئاسة الجمهورية. ولئن كان العنوان الأكبر لهذه اللقاءات هو دعم حكومة الشاهد، لطمأنة أو تنويم بقية الاحزاب، وعدم إحداث إرباك للساحة السياسية حالياً، فإن الحقيقة، بحسب هذه المصادر، هي أن السبسي يفكر جدياً في جبهة سياسية جديدة، تدعم حكومة الشاهد اليوم، وتستعد للانتخابات غداً. وإذا ما صدقت هذه الأخبار، فهي تقود إلى الاستنتاج بأن السبسي لا يزال متخوفاً من حليفه الرئاسي، حركة النهضة، وبدأ يستعد منذ الآن للمنافسة المقبلة، في الانتخابات المحلية.
وتكشف هذه المصادر أن السبسي بات مقتنعاً بأن حزبه نداء تونس حالياً هو حزب مريض، يصعب أن يتعافى، وقد يتلاشى أو يتفتت مع الصراعات التي تنخره من الداخل، وتطاول كافة مؤسسات الحكم من الخارج، ما يعني أنه ليس جاهزاً كما ينبغي للمنافسة الانتخابية، في مقابل حركة النهضة التي حافظت على تماسكها، وتعمل على تجديد خطابها السياسي، وتأهيل مؤسساتها الداخلية، وأصبحت الحزب الأكثري في البرلمان، الذي لا يمكن تغيير شيء بدونه، وهو ما يؤهلها نظرياً لكسب المنافسة في الانتخابات المحلية، مع كل ما يعنيه هذا من تغيير للمشهد السياسي في تونس.
لكن انزعاج السبسي من النهضة يتأتّى أيضاً من تغيّر خطاب النهضة، التي أصبحت ترفض أن تكون مجرد ديكور في الحكومة، وترفض المشاركة الرمزية، تحت ضغط من قواعدها وكثير من قياداتها الوسطى، ما يعني أنها ترغب في لعب دور بارز في إدارة الحكم، وعدم الاقتصار على تقاسم الأعباء فقط، وأن شهيتها للحكم آخذة في التصاعد، ما يستوجب من منافسيها استباق الأحداث والاستعداد للانتخابات المقبلة منذ الآن. وتؤكد ذات المصادر أن الانتخابات المقصودة ليست المحلية فقط، وإنما التشريعية والرئاسية في 2019، والتي يراهن فيها السبسي على الشاهد، إذا نجح في اختبار الحكومة، وعلى جبهة سياسية تستعيد خطاب الحداثة في مواجهة النهضة، في التشريعية، وربما تستعيد أيضاً ذات الاستقطاب الذي سبق انتخابات 2014.
وتشير المصادر إلى أن قيادات النهضة قد تكون على علم بهذا الأمر، وقد لا تعارضه، لأسباب مفهومة، أولها أن بعض الأحزاب ترفض مشاركة النهضة في ائتلاف داعم للحكومة، وهو ما دفع السبسي إلى التفكير في جبهة داعمة بجناحين، أول تمثله آلياً النهضة الداعمة والمشاركة في الحكومة، وثان يجمع بعض الأحزاب والشخصيات الاعتبارية، يعمل على إعداده للاستحقاقات المقبلة. غير أن هذه المبادرة ليست باليسر الذي قد يتصوره البعض، إنما تطرح جملة من العواقب أمام السبسي، وأمام النهضة أيضاً. فالأحزاب والشخصيات التي تحدث معها السبسي، أو يبحث عنها في ما تبقى من الساحة، سبق لها أن اكتوت بنار "الاتحاد من أجل تونس" الذي أسسه السبسي في 2013 وضم كل هذا الطيف من الأحزاب بغاية إسقاط الترويكا، ثم تنكر لها ودخل انتخابات 2014 وحيداً، ثم أردف ذلك بالتحالف مع الغريم الأكبر، النهضة. وسيكون على السبسي أن يتسلح بكل قوى الإقناع بعدم تكرار ما حصل سابقاً، لحشد قوى مؤثرة في الساحة يمكنها منافسة النهضة.
أما على مستوى النهضة، فإن هذه المبادرة تدعوها إلى التفكير أيضاً في جبهة انتخابية، لكنها غير ممكنة وغير متاحة موضوعياً، لذلك عليها أن تجمع وتعوّل على كل قواها الداخلية استعداداً للمنافسة، لكنها تشكو أيضاً منذ مؤتمرها الأخير من جملة من الصراعات التي باتت واضحة أمام الجميع، وإذا استمرت هذه الخلافات فقد لا تمكنها مواجهة أحزاب وشخصيات تنتظر ثأرها الانتخابي منذ 2014.