في وقت تستقبل كل من ألمانيا والسويد والنمسا أعداداً هائلة من اللاجئين، في ظل موجة اللجوء الكبيرة التي تجتاح أوروبا، تبقى سويسرا الوجهة الأقل جذباً للاجئين عموماً، أكانوا سوريين أم عراقيين أم أفغان. ولم تسجل الكونفيدرالية السويسرية سوى 3899 طلب لجوء إلى أراضيها في أغسطس/آب الماضي، بزيادة ثلاثة طلبات فقط عن شهر يوليو/تموز الماضي، بينهم 401 طلب للاجئين سوريين، فيما شكّل الإريتريون الغالبية بـ 1610 طلبات، ثم الأفغان بـ 461 طلباً.
واستقبلت سويسرا منذ بدء الصراع المسلّح في سورية نحو تسعة آلاف سوري. وكانت قد أعلنت أنها ستستقبل ثلاثة آلاف آخرين في إطار برنامج إعادة التوطين عن طريق الأمم المتحدة على مدار ثلاث سنوات. إلا أن هذه الإجراءات تجري ببطء، بحسب منسقة شؤون اللجوء في منظمة العفو الدولية في سويسرا دينيزة غراف.
تضيف: "أرسلت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة 300 طلب للسلطات السويسرية في إطار برنامج إعادة التوطين، وما زالت السلطات تدرسها، علماً أنها تقبل 30 شخصاً أسبوعياً. هذا الأمر جيد لكن الخطوات المتبعة بطيئة، ما يزيد من معاناة السوريّين على لائحة الانتظار".
وعلى الرغم من أن سياسة الانفتاح التي اتبعتها الحكومة السويسرية حيال السوريّين لدخول البلاد، ومنحهم تأشيرات لأسباب إنسانية، أو تسهيل لمّ الشمل، للمقيمين السوريين في سويسرا، لأقربائهم من ذوي الدرجة الثانية أو الثالثة، إلا أنها ما زالت تتبع إجراءات قاسية في ما يتعلق بمنح حق اللجوء للسوريين. أمر تؤكده غراف، مشيرة إلى أن "أحد أسباب عدم توجه السوريين إلى سويسرا هو صغر حجم الجالية السورية هناك، بالمقارنة مع الجالية السورية في كل من ألمانيا والسويد". أيضاً، تلفت إلى أن قواعد اللجوء صارمة جداً في سويسرا. ففي وقت تقبل ألمانيا والسويد جميع طلبات اللجوء المقدمة من قبل السوريين، لا يقبل في سويسرا سوى 30 إلى 35 في المائة من طلبات اللجوء، بينما يمنح الباقون حق الحماية.
في هذا الإطار، يقول بحر، وهو لاجئ سوري، إنه وصل إلى سويسرا في نهاية عام 2011، وتقدم بطلب لجوء مع زوجته. يضيف: "بعد إجراء المقابلة الأولى، فرزنا إلى كانتون خور شرقي البلاد. وبعد تسعة أشهر، أجريت المقابلة الثانية في محكمة الهجرة في العاصمة بيرن، ولم أتلق أي رد علماً أنه مرت نحو ثلاث سنوات". يتابع: "حياتي أشبه بالجحيم. أعيش وزوجتي في غرفة صغيرة في مجمّع، علماً أن أكثر من 400 شخص يتشاركون المطبخ والمرحاض من دون حد أدنى من الخصوصية. لم أستطع تعلّم اللغة، ولم يكن يسمح لي بالعمل".
يتابع بحر: "فكرت بالهرب والتقدم بطلب لجوء في مكان آخر. لكنني أعرف أنهم سيعيدونني إلى سويسرا بحسب اتفاقيّة دبلن. عانيت من الاكتئاب حتى أنني صرت أتحدث إلى نفسي في الشارع. لم أرتكب أي ذنب حتى أعاقب، ولم أكن أعرف ماذا أفعل إلى أن أوكلت قضيتي إلى محام، لأحصل على حق اللجوء بعد ستة أشهر".
من جهته، يؤكد المحامي المتخصّص في شؤون اللجوء طارق حسان لـ "العربي الجديد" أن "إجراءات اللجوء قاسية جداً في سويسرا، علماً أن القانون السويسري لا يعترف إلا باللجوء السياسي وليس هناك لجوء إنساني". يضيف أن اللاجئ يحصل على ثلاثة أنواع من الإقامات. الأولى، ويرمز إليها "بي سياسي"، يحصل عليها اللاجئ الذي شارك في العمل السياسي في بلاده وتعرض للعنف أو الملاحقة. والثانية هي لجوء "إف سياسي"، ويحصل عليها من شارك بنشاطات سياسية خارج بلاده، وقد يتعرض للملاحقة في حال عاد إليها. أما الأخيرة، والتي يحصل عليها أكثر من سبعين في المائة من السوريين، فهي الحماية المؤقتة ويطلق عليها "إف إنساني"، يحصل عليها مقدم طلب اللجوء الذي لا يستطيع أن يثبت أي نشاط سياسي له، ويصعب إعادته إلى بلاده بسبب العنف أو احتمال تعرضه لانتهاك حقوقه كإنسان، فيمنح حق الإقامة الذي يجدد سنوياً من دون أن يكون له حق لم الشمل. كما أن الدولة لا تساعده في تعلم اللغة أو الاندماج. ويمكن العمل فقط في بعض المهن على غرار تنظيف المطاعم وغيرها، حتى لو كان اللاجئ حاصل على شهادة دكتوراه.
يضيف حسان أنه في حال كان التأخير في البت في قضايا اللجوء أمراً ممنهجاً تسمح به القوانين التي لا تتضمن أي آلية لتسريع الأمر قبل مرور ثلاث سنوات (المدة القانونية القصوى للبت في أي قضية)، إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى أنه لا يمكن فعل أي شيء، علماً أن طلبات السوريين بشكل عام لا تبت قبل هذه المدة.
بدوره، يقول أحمد وهو سوري تقدم بطلب لجوء في سويسرا، لـ "العربي الجديد"، إنه جاء إلى البلاد قبل نحو عام ونصف العام، حين سمحت الحكومة السويسرية للمقيمين السوريين لديها بلم شمل عائلاتهم من الدرجة الثانية والثالثة. حينها، أرسل خاله دعوة إلى عائلة شقيقته (أي والدته) للقدوم إلى سويسرا، ومنح أحمد خلال أيام من وصوله إلى مدينة زيوريخ إقامة من نوع "إف إنساني". يضيف أن الكانتون الذي يجمع حاملي "إف إنساني" في مدينة زيوريخ يتمتع ببعض الميزات، إذ تساعد حكومة الكانتون اللاجئ في الحصول على منزل وتعلم اللغة الألمانية، ولكن لا يحق له لم الشمل إلا في حال تمكن، بعد مرور خمس سنوات على قدومه، من تغيير نوع إقامته.
ويلفت أحمد إلى أنه تزوج بعد إجراء مقابلات في السفارة السويسرية في بيروت، لكنه لا يستطيع اصطحاب زوجته حتى الآن. يقول: "طرقت جميع الأبواب لكن القانون لا يسمح لي".
اقرأ أيضاً: لمّ الشمل معاناة سوريّين لجأوا إلى بريطانيا
إلى ذلك، لا تقتصر معاناة اللاجئين على الحصول على الإقامة. فإجراءات الاندماج والعمل تبدو صعبة للغاية، الأمر الذي يؤكده هشام (طبيب سوري)، في حديث لـ "العربي الجديد". يقول: "على الرغم من أن سويسرا بمثابة جنة على الأرض، لكن يمكن وصفها بالجحيم بالنسبة للاجئين". يضيف أنه أنهى تخصصه في سورية حتى أنه بدأ يعمل قبل اندلاع الثورة، ويضطر إلى الرحيل. وأثناء توجهه إلى السويد، اعتقل من قبل السلطات السويسرية، ما اضطره إلى تقديم طلب لجوء في سويسرا. وبعد أكثر من عامين من الانتظار من دون أن تتاح له أي فرصة لتعلم اللغة أو الاندماج، حصل على حق اللجوء السياسي.
يتابع هشام أن المأساة لم تنته هنا، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي بدأ عدد من أصدقائه العمل في مستشفيات ألمانية بعد نحو عام من وصولهم إليها "لم أحصل على أي عمل على الرغم من تعلمي اللغة الألمانية". ويشرح أن الأولية في سويسرا هي للمتخرجين من جامعات أوروبية. وحين سأل عن مدى احتمال تعديل شهادته، قيل له إنه يجب أن يعمل في مجال اختصاصه في سويسرا لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات ليتمكن من تعديل شهادته. وهذا ما سعى إليه من دون أن ينجح، قائلاً: "لم أجد عملاً في أي مستشفى لأحصل على هذه الخبرة، سوى مساعدة بعض الطلاب، وكأنني ما زلت طالباً في كلية الطب. لكن لا بديل".
ولدى أنور، وهو مهندس مدني سوري، قصة مشابهة. يقول لـ "العربي الجديد": "لدي إقامة من نوع أف إنساني لكنها لا تمنحني حق الدخول إلى الجامعة أو تعديل شهادتي أو العمل. لا أعرف ماذا أفعل بهذه الشهادة والخبرة. شعرت باليأس حتى أنني فكرت بالعودة إلى سورية لأن قدومي إلى سويسرا لم يغير شيئاً. أشعر أنني أعيش من دون مستقبل".
ووصلت معاناة السوريين إلى حد دعا البعض إلى التظاهر في العاصمة بيرن ضد تأخير البت في طلبات اللجوء، وضد منح السوريين "إف إنساني". وبالفعل، تظاهر عدد من السوريين من دون أن يؤدي ذلك إلى أي تغيير في قوانين اللجوء. ونقلت الصحف السويسرية عن قيام أحد السوريين الأكراد بصب البنزين على جسده أمام القصر الاتحادي في بيرن، مهدداً بإحراق نفسه احتجاجاً على وضعه في سويسرا.
وبدأ عدد من الناشطين السوريّين في سويسرا جمع تواقيع المواطنين السويسريين على عريضة ترفض هذا الواقع ومعاناة اللاجئين، بهدف إلغاء لجوء الـ "إف إنساني". ويسعى هؤلاء إلى الحصول على 50 ألف توقيع، ما يضطر البرلمان السويسري إلى مناقشة القضية.
اقرأ أيضاً: الأوروبيون يبحثون حلولاً جماعية لأزمة المهاجرين