تزامنا مع مرور سنة على صدور حكم بسجن الناشط الحقوقي بيرام ولد عبيد، تجدد الحديث في موريتانيا عن العبودية ومخلفاتها، وسط حراك اجتماعي يتزايد خلال السنوات الأخيرة، وخشية البعض من أن يتطور إلى اضطراب مجتمعي، وهو آخر ما تحتاج إليه موريتانيا.
الجانب الرسمي ينفي وجود العبودية، ويتهم المنظمات الحقوقية بأنها مجندة من قوى خارجية لتدمير المجتمع وتقويض وحدته الوطنية، لكنه يعترف بمخلفات العبودية وانعكاساتها، مؤكداً اتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء على آثارها.
من جانبها، تؤكد المنظمات الحقوقية على وجود العبودية في موريتانيا، كاشفة عن حالات وثقتها خلال الأعوام الأخيرة، وكان آخرها ما أعلنته منظمة "نجدة العبيد" قبل أسابيع، ويتعلق بأسرة كانت مستعبدة، تمكنت المنظمة بمعاونة السلطات من تخليصها ونقلها إلى العاصمة.
اقرأ أيضاً: "لحراطين" ضحيّة العبوديّة في موريتانيا
ورغم حرص الدولة الموريتانية منذ استقلالها على سن قوانين مجرّمة للعبودية، وإعلانها عن خطط وبرامج لمحاربة الظاهرة والقضاء على مخلفاتها، إلا أن الناشطين الحقوقيين يشككون بجدية الدولة وقدرتها على محاربتها، مشيرين إلى تدخل الوساطات القبلية للإفراج عن المتهمين بممارسة الاسترقاق، في حالات استطاعت المنظمات المناهضة للعبودية الكشف عنها.
أما مخلفات العبودية مثل الحرمان من التعليم واستغلال القصّر، فإنها تبقى حسب الناشطين مجرد هوامش وتفاصيل صغيرة، أمام خطر تهميش وعزل شريحة واسعة من الشعب الموريتاني، تشير إحصاءات غير رسمية إلى أنها تمثل نحو نصف الشعب الموريتاني البالغ عدده 3.5 ملايين نسمة.
هناك من يردّ بأن ليس كل المنتمين إلى شريحة "لحراطين " مستعبدون، فهناك علاقات مجتمعية وروابط دينية وتاريخية بين شريحة المستعبِدِين سابقا "البيظان" وبين شريحة "لحراطين"، وبأن العديد من الحالات التي يصفها الحقوقيون بأنها حالات عبودية، لا تتجاوز كونها "علاقة عمل" تقوم على استئجار الأبناء للعمل المنزلي أحياناً بأجر معلوم، وأحيانا بأجر غير معلوم يحدده العرف ويقبله الطرفان.
ويشمل الجدل موقف بعض الفقهاء ورجال الدين الذين يبررون العبودية ويضيفون إليها سنداً دينيا، في المقابل تصدر العديد من المؤسسات الشرعية في موريتانيا فتاوى وبيانات تحرم فيها العبودية، وتوضح أنه لا أصل شرعي لاستعباد الناس، وأن ما ورد في الشريعة من أحكام تتعلق بالعبودية معطلة، لأن أسباب الاستعباد "الشرعية" لم تعد متوفرة منذ قرون.
اقرأ أيضاً: صدمة في موريتانيا بعد الكشف عن حالات عبودية جديدة
وتحرص وزارة الشؤون الإسلامية في موريتانيا منذ عدة سنوات على عقد مؤتمرات ورعاية نشاطات متعلقة بهذا الموضوع. كما تبنت الحكومة الموريتانية مطلع عام 2014 "خريطة طريق" للقضاء على "مخلفات العبودية" تشتمل على إصدار قوانين وتشريعات ضد الظاهرة، فضلا عن حملات تحسيس وتوعية. كما صادقت قبل أسابيع على قانون بمرسوم لإنشاء محاكم خاصة بالاستعباد.
أبو بكر ولد المامي وهو ناشط في "ميثاق لحراطين" يقول إن " النضال ضد العبودية خلال العقود الثلاثة الماضية، أوجد ترسانة قانونية مجرّمة للعبودية، لكنها مجرد قوانين في دولة تعطل العدالة بشكل شبه كامل. أما حملات التحسيس فلم تشهدها البلاد منذ الاستقلال، بل إن الدولة وقوى المجتمع التقليدي وعلى رأسها شيوخ القبائل والأئمة والفقهاء ووسائل الإعلام، ظلت تتستر على المجرمين وتدافع عنهم وتحميهم من القانون".
ويصف ولد المامي الحراك الاجتماعي المناهض للعبودية الحالي بأنه "سجال اجتماعي طبيعي تقتضيه حركة التاريخ وتزايد الوعي لدى لحراطين، لكنه قد يؤدي إلى اضطرابات عاجلاً أو آجلاً إذا استمرت الدولة والنخب المستفيدة من الظلم القائم في صمتها إزاء الوضع البائس للعبيد وأبناء العبيد (لحراطين)".
اقرأ أيضاً: القانون الجديد لمحاربة العبوديّة يخلق آمالاً موريتانيّة