أثار وضع الحكومة المغربية إجراءات تخفيف الحجر الصحي بيد الولاة والعمال (المحافظين) خلال فترة التمديد الثالث للطوارئ الصحية، جدلاً واسعاً في المغرب، وصل إلى حد توجيه اتهامات إلى الحكومة ووزارة الداخلية بـ"تهميش" المسؤولين المنتخبين، ومنح سلطات أوسع لرجالاتها.
وفي الوقت الذي منحت فيه الحكومة المحافظين سلطات واسعة لتقرير رفع الحجر الصحي، من خلال إشرافهم على لجان اليقظة والتتبع، التي ستتولى عملية تقييم الإجراءات الواجب تنفيذها، والشروط اللازم توفرها على مستوى كل إقليم لاتخاذ قرار رفع الحجر الصحي، بدا مثيراً للجدل الاستمرار في تغييب وإبعاد المنتخبين المحليين.
ومنذ صدور مرسوم تمديد حالة الطوارئ الصحية في البلاد، الثلاثاء الماضي، توالت الانتقادات الصادرة عن قوى سياسية في الأغلبية، كما في المعارضة، جراء ما اعتُبر توجهاً لـ"تهميش" دور المسؤولين المنتخبين، ولا سيما في ظل استمرار قرار وزارة الداخلية تعليق انعقاد الدورات العادية لمجالس المناطق والأقاليم والبلديات والجماعات القروية. وهو القرار الذي أثار الكثير من الجدل، حول وجود شبهة خرق الدستور من قِبل "أم الوزارات".
وخلال اليومين الماضيين، برزت انتقادات حادة موجهة إلى الحكومة ووزارة الداخلية، كان من أبرزها تلك التي أطلقها، أول من أمس الخميس، المكتب السياسي للحزب "الاشتراكي الموحد"، الذي عبّر، في بيان، عن امتعاضه "من تمكين سلطات وزارة الداخلية من الانفراد بمسؤولية وصلاحيات تدبير مختلف تداعيات جائحة كورونا، مع هيمنة عقليتها ومقارباتها الأمنية". وأعلن رفضه "استبعاد كل قوى المجتمع، من أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات، في تدبير تداعيات الجائحة، وعدم الأخذ برأيها مقابل انفراد وزارة الداخلية بها". وأبدى الحزب استغرابه الشديد لـ"تنازل رئاسة الحكومة عن صلاحياتها لوزير الداخلية"، مبدياً رفضه "تفويض تدبير تداعيات الجائحة، على مستوى الجهات والأقاليم والعمالات للولاة والعمال بشكل انفرادي، واستبعاد ممثلي الشعب وكل مؤسساته المنتخبة".
وامتد الجدل المثار حول المرسوم إلى داخل الأغلبية الحكومية، بعدما وجه نواب من حزب "العدالة والتنمية"، قائد التحالف الحكومي، سؤالاً إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، حول دور الجماعات المحلية في متابعة الحجر الصحي، مستفسرين عن سبب إقصائها من اللجنة، التي تم استحداثها لتدبير هذا الشأن. وشجب نواب الحزب تغييب الجماعات المحلية من تركيبة هذه اللجنة، و"هو ما لا ينسجم مع المنطق الدستوري والقانوني الذي جاءت به القوانين التنظيمية، وكذا الاختصاصات التي أسندت إلى الجماعات الترابية بمقتضى ذلك"، متسائلين عن الأسباب الكامنة وراء ذلك التغييب من تشكيلة هذه اللجنة، وعن الإجراءات المتخذة من قبل وزارة الداخلية لتدارك هذا الأمر.
وتبقى من أقوى الانتقادات التي طاولت المرسوم داخل الحزب الحاكم، تلك الصادرة عن النائبة أمينة ماء العينين، التي اعتبرت أن قرار وزارة الداخلية "مخجل ومهمش" للمنتخبين المحليين في إدارة الجائحة. ولفتت إلى أن "هذا الإبعاد والتهميش أصبح يتحول إلى اختيار منهجي، تعكسه مراسيم الحكومة، وبلاغات وزاراتها، وعلى رأسها وزارة الداخلية، التي ألغت دورات المجالس، وتسلمت مقاليد التدبير المجالي محل المنتخبين".
وشكلت جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني في مجلس النواب، الغرفة الأولى في البرلمان المغربي، الأربعاء الماضي، مناسبة أخرى لانتقاد تفويض الحكومة تدبير تخفيف الحجر الصحي لوزارة الداخلية، وإبعاد المنتخبين المحليين. واعتبر الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" عبد اللطيف وهبي أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني تخلى عن مهامه الدستورية، بعدما تخلى عن دوره في التنسيق والتفويض بين القطاعات الوزارية، في وقت منح فيه صلاحيات أوسع للولاة والعمال، قابلها تهميش وإقصاء المؤسسات المنتخبة وإبعاد دور مجالس الجهات، ما كشف بشكل جلي فشل الحكومة، وعدم اعتمادها على المقاربة التشاركية لتدبير هذه الأزمة.
وفيما تصدرت وزارة الداخلية الواجهة دون غيرها، سواء في تنفيذ الطوارئ الصحية أو تخفيف قيودها، كان لافتاً خروج العثماني، خلال جلسة المساءلة بمجلس النواب، للدفاع عن هذا التوجه، معتبراً أن القانون يمنح المحافظين حق التدخل وفق الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، باعتبارهم ممثلين للدولة في المناطق، نافياً أن يكون قد تنازل عن صلاحياته الدستورية، أو أن يكون هناك تهميش للمنتخبين في تدبير الجائحة. وفي ظل هذا الجدل، رأت الباحثة في القانون العام شريفة لموير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مواجهة جائحة كورونا تستلزم السرعة والنجاعة، وهو ما يتعارض مع طبيعة الممارسة لدى المجالس المنتخبة، التي تفتقد إلى هذه المعادلة، نظراً لانشغالها بالبعد الانتخابي والنقاشات السياسية، خصوصاً أننا على مشارف سنة انتخابية".
وبحسب الباحثة المغربية، فإن إسناد مهمة تدبير إجراءات الحجر الصحي للمحافظين مرتبط بمهمة الحرص على النظام العام بمفهومه الشامل، وضمان التنسيق في الخطط المركزية، وبجعل لحظة تدبير الجائحة لحظة انخراط وطني، بعيداً عن الحسابات السياسية، وذلك على أساس شرعية الاختصاص والارتكاز على المرسوم المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها. وأشارت لموير إلى أن القانون التنظيمي للجماعات خوّل وزارة الداخلية اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة، بموجب قرار، لحُسن سير المرافق العمومية الجماعية، كما أنه "يمكن للولاة والعمال، حسب الحالة، ممارسة بعض المهام، بتفويض من السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، كما جاء في المادة 112 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية".
ورأت أنه "خلافا لما يروّج له البعض، فإن النصوص القانونية المُنظمة لاختصاصات المجالس الترابية تعطي للحكومة السلطة في ذلك، على اعتبار أن وزارة الداخلية ما زالت، بموجب القوانين الحالية، تهيمن على الجماعات المحلية، بحكم رابطة الوصاية، وهو ما يتجلى في سلطة التأشير على كل القرارات التي تتخذها بعد مداولات تلك المجالس، وتدخل المحافظين، ومن سينوب عنهم، في جداول أعمال دوراتها، من خلال إضافة نقاط أو طلب حذف أخرى. بل إن من حقهم دعوة المجلس إلى عقد دورات استثنائية بجدول أعمال يتم وضعه بالكامل من طرف سلطات الوصاية". ولفتت إلى أن تكليف المحافظين بتدبير إجراءات رفع الحجر الصحي تم في إطار الشرعية والمشروعية.