رغم تأكيد الحكومة العراقية والبرلمان على ضرورة إعادة جميع النازحين إلى مناطقهم قبل موعد الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تجري في مايو/أيار المقبل، إلا أن بلدات ومدناً عراقية عدة ما تزال مغلقة بوجه سكانها بسبب رفض مليشيات "الحشد" عودتهم.
أبرز تلك البلدات هي بلدة جرف الصخر شمال محافظة بابل (100 كلم جنوب بغداد)، التي حررت من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي نهاية عام 2014، إلا أن المليشيات ترفض عودة السكان إليها، وتستخدم منازلها ومبانيها مقرات لها. ويتهم أعضاء في البرلمان المليشيات المذكورة بأنها حولت البلدة إلى "معتقل كبير خاص بالحشد يحتجزون داخله آلاف المواطنين العراقيين".
مأساة جرف الصخر
يؤكد سكان محليون نزحوا من جرف الصخر عام 2014 أنهم ممنوعون من العودة إلى منازلهم التي تحول كثير منها إلى مقرات عسكرية، وميادين تدريب لفصائل "الحشد الشعبي".
ويقول عمر الجنابي الذي نزح من جرف الصخر قبل أكثر من ثلاثة أعوام، أنه اضطر للسكن في شقة صغيرة في حي أبو دشير جنوب بغداد، بعد تعرضه للمضايقات في مخيمات النازحين.
ويوضح لـ"العربي الجديد" أنه "مضطر لدفع 400 ألف دينار عراقي شهرياً (ما يعادل 320 دولارا أميركيا) بدلاً لإيجار للشقة، فضلا عن متطلبات معيشته التي تفرض عليه مبالغ أخرى.
ويشير إلى أن "النازحين من جرف الصخر وقعوا بين سندان القوات المسلحة التي تمنعهم من العودة إلى مساكنهم، ومطرقة التضييق الذي يتعرضون له في الأماكن التي خصصت لإيواء النازحين"، موضحاً أن جميع السبل تقطعت بوجه سكان جرف الصخر، ولم يبق أمامهم إلا الدعاء.
ويوجه الجنابي انتقاداته للتصريحات التي تتحدث عن قرب عودة النازحين إلى مناطقهم، متوقعاً استمرارها حتى موعد الانتخابات، لكن دون تطبيق لأنها بحسب وصفه "إعلامية فقط".
ويعبّر حمد الجنابي، وهو أحد زعماء القبائل في جرف الصخر، عن أسفه لانتخاب أعضاء في البرلمان خذلوا جماهيرهم في وقت الحاجة، مؤكداً أن "آلاف النازحين من البلدة يعانون البرد القارس، في الوقت الذي يتنعم فيه السياسيون بقصورهم في المنطقة الخضراء".
ويضيف "تسببت الأمطار التي يشهدها العراق منذ يومين بغرق عدد كبير من المراكز المتواضعة التي يقطنها النازحون"، منتقدا في حديث لـ "العربي الجديد"، "صمت الحكومة العراقية والبرلمانيين والجهات المتخصصة عن الإجراءات التعسفية التي تحول دون عودة النازحين".
ويوضح أن "القوات الأمنية المسؤولة عن جرف الصخر تتذرع بعدم تأمين المنطقة، ووجود مخلفات تنظيم "داعش" الإرهابي فيها، التي يقولون إنها تشكل خطراً على السكان في حال عودتهم"، مبيناً أن مأساة النازحين تتفاقم يومياً، ولا يمكن الصمت عنها إلى ما لا نهاية.
وذكرت وسائل إعلام عراقية في وقت سابق، أن القوات الأمنية سمحت بعودة نازحي جرف الصخر إلى منازلهم، الأمر الذي سارع عضو البرلمان العراقي عدنان الجنابي إلى نفيه، مؤكداً أن النازحين لم يعودوا إلى مناطقهم على الرغم من تصويت البرلمان العراقي على قانون الانتخابات، الذي يشترط إعادة النازحين قبل إجرائها.
وقال إن السلطات العراقية تتذرع بوجود عبوات ناسفة وقنابل غير منفجرة، معتبراً أن تلك الأعذار غير صحيحة. وأشار إلى أن وزارة البيئة خصصت فرقاً لرفع القنابل والمخلفات، لكن جهات متنفذة عملت على عرقلة دخول تلك الفرق الفنية إلى جرف الصخر لمزاولة عملها.
معاناة سكان يثرب
يؤكد السياسي العراقي محمد عبد الله، أن منع النازحين من العودة إلى منازلهم أمر مخالف للدستور، الذي منح السكان حق العيش الآمن مهما كانت الظروف. ويعتبر في حديث لـ "العربي الجديد"، "إن المسألة أصبحت سياسية أكثر من كونها أمنية".
ويتابع "ليست جرف الصخر وحدها التي تعاني من مسألة التضييق على النازحين"، مؤكداً أن "بلدة يثرب بمحافظة صلاح الدين (شمالا) تعاني هي الأخرى وإن بوتيرة أقل".
ويشير إلى أن القوات العراقية سمحت لمئات الأسر من العودة إلى يثرب، لكن عدداً كبيراً من باقي الأسر منع من العودة نتيجة خصومات عشائرية ودعاوى كيدية"، مطالباً "المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق بالتدخل لإنهاء الكارثة التي يتعرض لها النازحون".
وينتقد عبد الله في المقابل "قرار السلطات العراقية في بعض المناطق بإرغام النازحين على العودة إلى مناطقهم المحررة قبل تهيئة الظروف المناسبة للعيش فيها"، معرباً عن خشيته من أن يدفع النازحون ثمن الصراعات السياسية.
يشار إلى أن المدن والمناطق التي احتلها تنظيم "داعش" الإرهابي منتصف عام 2014، شهدت نزوح ملايين العراقيين لكن النسبة الأكبر منهم عادت. ولم يتمكن الآلاف غيرهم من العودة حتى اليوم بسبب القيود المفروضة على عودتهم.