ويقول الوالد (45 عاماً)، الذي يملك معرضاً للأثاث: "ذهب ابني والسائق لإيصال غرفة نوم لأحد الزبائن، وهناك جرى تفتيشهم من قبل أمن السفارة الإسرائيلية قبل دخولهم إلى الشقة الواقعة في محيط السفارة"، مضيفاً "آخر اتصال بيني وبين ابني أخبرني فيه أنه انتهى من تركيب الغرفة. تحدثت مع السائق وأكد الشيء نفسه... وبعدها اتصلت أكثر من مرة من دون رد". بعدها علم زكريا أن إطلاق نار جرى في محيط السفارة، وبعد ساعات من الحادثة تأكد من مقتل ابنه. وبحرقة يقول "لم أشاهد جثته. لم أستطع ذلك. شاهدها ابني الكبير". ومحمد هو الابن الثالث في ترتيب الأبناء الذكور في أسرة زكريا، المتزوج من سيدتين ولديه منهن سبعة أبناء ذكور وثلاث إناث.
ووسط التعتيم الذي يلف القضية، تشير الروايات إلى أن مشاحنة حدثت بين محمد والضابط الإسرائيلي، محورها الأحداث في القدس المحتلة، فيما تروج رواية شبه رسمية إلى أن الخلاف دار حول الأثاث، من دون أن يتبين المبادر إلى إثارة الموضوع، أعقبه تبادل للطعن وإطلاق النار، من دون أن يتبين أيضاً البادئ. كما تعددت الروايات حول مقتل الطبيب، الذين تقول المصادر إنه يؤجر شقته لصالح السفارة الإسرائيلية منذ نحو 10 سنوات. وفيما تقول رواية إنه قتل بعد أن بادر لإنقاذ محمد، تقول أخرى إن الضابط الإسرائيلي قتله حتى لا يكون شاهداً على ما جرى. وقدمت وزارة الخارجية الإسرائيلية، أمس، روايتها بشأن الجريمة، مشيرة، في بيان، إلى أن "عاملاً أردنياً كان ينقل أثاثاً إلى شقة حارس الأمن المقيم في مبنى تابع للسفارة، حاول طعنه بمفك للبراغي في ظهره إثر خلاف نشب بينهما مساء الأحد، وأن "الحارس رد بإطلاق النار فقتل العامل وأصاب عن طريق الخطأ صاحب الشقة، وهو طبيب كان في المكان. وتوفي الطبيب متأثراً بإصابته".
وفي حين أعلن مصدر حكومي أردني أن عمّان طلبت التحقيق مع الضابط الإسرائيلي، مؤكداً أن إسرائيل "لا زالت تدرس الطلب"، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية أشارت إلى أنه "بحكم اتفاق فيينا، فان الحارس يتمتع بالحصانة ضد التحقيق والسجن". وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن الحارس الأمني سيعود إلى إسرائيل. وأضاف أنه "تحدث إلى الحارس الأمني، وأكد له أن إسرائيل لديها الخبرة في التعامل مع مثل هذا الوضع، وأنه سيعود إلى إسرائيل". في هذا الوقت، بقي مصير السائق، الذي كان متواجداً وقت الحادثة خارج الشقة، مجهولاً. ويؤكد زكريا جواوده أن الجهات الأمنية التي التقته أبلغته أن السائق مصاب ومتحفظ عليه لدى الاستخبارات، في وقت لا تتحدث الجهات الرسمية عن هذا الأمر. ويستبعد الوالد أن يكون ابنه قد بادر لإثارة أي خلاف. ويقول "لدى ابني أخلاق ودين، وليس مثل الشباب الذين عليهم أسبقيات، ولا هو يدور على الأحزاب". وأضاف "زوجت شقيقه الأكبر منه (18 سنة) قبل أربعة أشهر. وقبل أيام قال لي محمد بدي (أريد أن) أتزوج مثل أخي، فقلت له حوش (أدخر)، والله لأزوجك. المهم أعرف أنك رجل تتحمل مسؤولية". وفيما سيطر الحزن والغضب على المتواجدين داخل الخيمة، تنقل زميلات صحافيات سمح لهن بالدخول إلى مكان وجود النساء، حالة الصدمة المسيطرة ومشاعر الذهول البادية على والدته وأخواته، وحديثهن المتواصل عن مرحه ومشاكساته واهتمامه الزائد بأناقته، وهو ما يظهر من خلال صورة منشورة على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
وتؤكد مصادر متطابقة أن طلبية الأثاث، التي أرسلت الأحد الماضي إلى الشقة، لم تكن الأولى، موضحة أنه تم نقل طلبيات في السابق، آخرها كان قبل عشرة أيام من الحادثة. وفيما عبر المتابعون عن استيائهم لوجود معاملات تجارية بين القتيلين والسفارة الإسرائيلية، فإن هذا الاستياء لم ينتقص من حجم الغضب على الجريمة. وارتفعت أصوات تضع تلك المعاملات في سياق السياسة التي انتهجتها الدولة الأردنية بعد معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية الموقعة في العام 1994، والرامية لفرض التطبيع على المستوى الشعبي. ويتمسك والد محمد بحقه في معرفة تفاصيل الحادثة، التي يؤكد أن كاميرات المراقبة المنتشرة في جميع مرافق السفارة ومحيطها قد وثقتها. ويقول "بدي أشوف كيف ابني انقتل أو كيف استشهد، إذا استشهد... ما بستلم (لن استلم) جثته إلا لما أشوف الفيديو ... إذا كان شهيد ربنا يتقبله، وإذا مات غدراً، أناشد سيدنا يأخذ حقه من اللي غدروا فيه". ويعبر عن قناعته بأن ما تعرض له ابنه يمكن أن يتعرض له أي مواطن أردني آخر مستقبلاً في حال "لفلفت القضية". وفيما يكرر الوالد مناشداته للملك الأردني، عبد الله الثاني، فإن الحادثة أعادت التذكير بمحاولة اغتيال "الموساد" رئيس المكتب السياسي السابق لحركة "حماس"، خالد مشعل، في العاصمة عمّان عام 1997. وعلى نحو واسع ذكّر المعلقون والمغردون بالموقف الصلب الذي اتخذه الملك الراحل الحسين بن طلال، والذي وضع خلاله حياة مشعل في كفة ومعاهدة السلام في كفة أخرى، وهو تذكير له مغزى واضح، يفرض على الدولة الأردنية تحدياً كبيراً، لا يقتصر على الدفاع عن مواطنيها بل يمتد للدفاع عن هيبتها وسيادتها، في امتحان لا يسهل التكهن بنتيجته، وسط تنازع التفاؤل والتشاؤم بين الأردنيين.