كأن زلزالاً هزّ حيّ الشجاعية، شرقي مدينة غزة. بيوت تدمرت على رؤوس ساكنيها، وشهداء في الشوارع بينهم أطفال ونساء، وعوائل بأكملها قتلتها القذائف الإسرائيلية، التي انهمرت بكثافة على الحيّ المكتظ بالسكان ومتلاصق المنازل، مما أدى إلى استشهاد ما لا يقل عن ستين فلسطينياً وإصابة أكثر من 250 آخرين، ورفع عدد الشهداء إلى أكثر من 430 منذ بدء العدوان، وفق إحصائية غير ثابتة.
السكان المدنيون لم يستجيبوا لتهديدات الاحتلال بإخلاء منازلهم القريبة من الحدود الشرقية للقطاع، فأمطرت المدفعية الإسرائيلية منازلهم بقصف عشوائي، طال حتى منتصف الحيّ المنكوب.
أما النازحون، الذين أجبرتهم نيران المدفعية القاتلة على الهروب من منازلهم، فلم يجدوا غير الشوارع، وبعض المنازل، وساحات المستشفيات العامة مكاناً لتجمعهم.
يربط السكان بين ما يسمونه الجنون الإسرائيلي، الذي استهدف الحيّ السكني، وبين الكمين الذي نفذته "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، الذي أوقعت فيه وحدة إسرائيلية مؤللة في فخ نصبته لها، وأجهزت على 14 جندياً وضابطاً من الوحدة في دباباتهم.
وما سبب في ازدياد أعداد الشهداء، إلى جانب كثافة القوة النارية، التي استـُهدف بها الحيّ، منع الاحتلال نقل الجرحى والمصابين، مما أدى إلى استشهاد جرحى بدم بارد. وقال أكثر من مصدر طبي، إن الجيش الإسرائيلي لم يسمح لسيارات الإسعاف بالتقدم إلى المنطقة المستهدفة.
وتمكنت الطواقم الطبية والإعلامية من الدخول لنحو ساعة فقط، ظهر الأحد، إلى الحيّ بعد ابرام هدنة إنسانية لثلاث ساعات بين الاحتلال والمقاومة، توسّط فيها مكتب الصليب الأحمر في غزة، لكن الاحتلال سرعان ما كسر الهدوء وعاد ليقصف المتقدمين لإنقاذ الجرحى وانتشال الشهداء، قبل أن يعود ويعلن عن تمديد الهدنة في محاولة للتغطية على مجازره.
وبدت المشاهد الأولى للمجازر في المنازل مروعة إلى حد لا يمكن وصفه. أسر بأكملها، كان يبدو أنها تتناول طعام السحور، استشهدت وانتشر دمها على الجدران المحيطة بالغرف المستهدفة. وبين الشهداء الذين كانوا على الأرض، وفي منازلهم أطفال ورُضع.
أما الشوارع فبدت وكأن أطناناً من المتفجرات ألقيت عليها. الحجارة تملؤها وبقايا المنازل تعوق عمليات الإسعاف والإنقاذ المحدودة جداً.
الشهداء في الطرقات، وعلى أبواب المنازل والمحال التجارية، كل شيء تغير مكانه، إلا إرادة الناس المكلومين، الذين بقوا صامدين إلى حد لن تسمع منهم، أية شكوى.
وكانت مجزرة الشجاعية قد بدأت بقصف منزل لعائلة الحية، مما أدى إلى استشهاد أسامة وزوجته وطفليه. وهو نجل أحد كبار قادة "حماس"، خليل الحية، الذي قال، في تصريح صحافي عصر الأحد، إن دماء عائلته ودماء شهداء غزة ستكتب انتصاراً على "العدو الصهيوني".
وقال الحية إن "ما نراه اليوم من تجرؤ صهيوني على قصف وتدمير المنازل بشكل عشوائي ومكثف، وقتل النساء والأطفال بداخلها، هو نتيجة الضوء الأخضر، الذي أعطته واشنطن لإسرائيل من خلال تعبيرها عن تفهمها لحاجة إسرائيل إلى حماية مواطنيها، وكذلك الصمت العربي المريب تجاه ما يحدث من مجازر لسكان غزة".
من جهته، وصف المتحدث باسم "حماس"، سامي أبو زهري، ما جرى في حيّ الشجاعية بـ"جريمة حرب"، مشدداً على أنها لن تكسر من إرادة الشعب الفلسطيني. وأكد أن المقاومة ستستمر في تكبيد الاحتلال خسائر كبيرة، ولن تسمح لقواته بأن تطأ أرض غزة.
وتحت ضربات المقاومين على الحدود، لا يزال جيش الاحتلال عاجزاً عن التقدم لمسافات مهمة في غزة.
ومنذ إطلاقه العملية البرية، قبل ثلاثة أيام، تلقت القوات البرية وألوية الاحتلال السبعة التي توغلت على حدود القطاع الشمالية والشرقية، آلاف القذائف والكمائن التي منعتها من التقدم، وأوقعت فيها القتلى والجرحى.
واستشهد عدد من الفلسطينيين في غارات محدودة امتدت على مناطق مختلفة من القطاع، فيما أطلقت المقاومة عدة صواريخ على الأراضي المحتلة انتقاماً لدماء الشهداء.