يحضر الفنان الفوتوغرافي جعفر عاقيل (1966) في الخريطة الفنية المغربية كأحد المساهمين في بلورة اقتراحات بصرية جديدة. وهو إلى ذلك، باحث مجتهد في حقل الصورة. وإلى جانب عمله أستاذاً باحثاً في "المعهد العالي للإعلام والتواصل" في الرباط، عزّز مسيرته الفوتوغرافية بما يلزم من خبرة واستقصاء، ساعياً إلى اقتناص مظاهر المفارِق والغرائبي في حياة الناس اليومية.
في معرضه "الدار البيضاء ـ باريس: تجوالات" الذي قدّمه في "المركز الثقافي الفرنسي" أخيراً، يرصد عاقيل بعض فضاءات مدينة الدار البيضاء التي عاش فيها والده طفولته قبل أن يشدّ الرحال إلى باريس. تندرج أعمال هذه المجموعة ضمن توليفة فوتوغرافية تنسج حياة واحدة بين عالمي المدينتين المختلفين.
وحول أعماله المعروضة، يقول الفنان: "إن ما يشدني بقوة هي تلك المفارقات التي أصادفها في تجوالاتي المتعددة، فأحاول التقاط صور لأمكنة أو أمكنة للصور، ثم إعادة بنائها قطعة قطعة، تارة من خلال مشاهد حقيقية، وتارةً عبر مشاهد أقلّ واقعية تنتمي لمعيش يوميّ مهجّن".
وبالتالي، تقوم فكرة المعرض على مبدأ المقارنة؛ مقارنة بين فضاءين وثقافتين، داخل مشهدٍ واحد تركن إليه لحظات مكثفة عفوية وحميمية.
بمعنى آخر، يدعونا عاقيل إلى سفر افتراضي ومتخيّل يتيح، في لحظة معينة وعبر صور ثابتة، إمكانية قراءة مظاهر حياة الآخر الفرنسي في علاقته بالأنا المغربية. ومن ثمّ قراءة ما ينتج عن هذا التقابل من تماهٍ ومقارنة ترتفع مع المتلقي من مجرد التمثّل البسيط الذي توحي به الصور المقترحة، إلى نوع من البحث عن المحاكاة وتعقّب أوجه الشبه أو الاختلاف بين حركات الناس وانشغالاتهم اليومية.
في قراءته لأعمال الفنان، يتوقف الكاتب المغربي حسن نجمي عند جزئية تسند موضوعات صور هذا المعرض وتقابلاتها، وهي الجزئية التي تسترجع بعض اعترافات الفنان بشأن علاقته بوالده، أو تحكي تفاصيل سيرة الأب في الدار البيضاء، ثم في باريس.
وفي هذا الإطار، يشير نجمي إلى أن عاقيل يعطي الانطباع، من خلال ما اقتنصته آلته الفوتوغرافية، بأنه يحاول أن يحزر ما هي الفضاءات التي عبرها والده أو عاش فيها، وما هي الأزمات الملازمة لهذا المعيش.
كأن عاقيل يقدّم في هذا المعرض حزمة ذكريات غير منفصلة عن لحظتها الراهنة، محاولاً إيجاد صلة وصل بين الماضي والحاضر، بما يعطي لصوره امتداداً في الزمن، ويجعلها توحي للمتمعّن فيها بقراءة مغايرة لتفاصيلها الظاهرة.