تتواصل، اليوم الاثنين، الجلسات التمهيدية لطاولة الحوار السياسي الليبي بين ممثلي مجلسي النواب والدولة الليبيين في المملكة المغربية، في وقت ستبدأ بالتوازي جلسات أخرى بين شخصيات ليبية في العاصمة السويسرية جنيف، ضمن مسارات البحث عن حل سياسي للأزمة الليبية بإشراف الأمم المتحدة.
وتوصل الوفدان الممثلان للمجلس الأعلى للدولة ومجلس نواب طبرق إلى توافق حول جدول أعمال الجلسة الثانية التي ستُعقد، اليوم الاثنين، لترشيح شاغلي المناصب السيادية، وتحديداً محافظ البنك المركزي وديوان المحاسبة والمؤسسة الوطنية للنفط وهيئة مكافحة الفساد، قبل أن يرجع الوفدان إلى قواعدهما في طرابلس وطبرق لمناقشة الأسماء المقترحة، بحسب دبلوماسي ليبي رفيع في السفارة الليبية بالمغرب.
جلسة حوارية في جنيف
وكشف الدبلوماسي الليبي في حديث، لـ"العربي الجديد"، النقاب عن استضافة العاصمة السويسرية جلسة حوارية، اليوم الاثنين، بين قادة سياسيين يمثلون مختلف الشرائح والأطياف الليبية و برعاية أممية، لمواصلة الجلسات التي بدأت وتوقفت، في اليوم ذاته، مطلع فبراير/شباط الماضي، بسبب عزوف بعض ممثلي الأطياف الليبية في تلك الآونة عن المشاركة.
وبحسب الدبلوماسي، فإن "الهدف من هذا الحوار في جنيف هو تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطياف الليبية بهدف وضع تصور للمجلس الرئاسي الجديد وحكومة وحدة وطنية"، لكنه نفى أن "يكون لهؤلاء الممثلين صلاحية لاختيار أعضاء المجلس الجديد والحكومة بقدر ما هي جلسة تفاهمات لوضع تصورات بإشراف الأمم المتحدة التي ستنقلها إلى ممثلي مجلسي النواب والدولة خلال الجلسات الرسمية بينهما".
واتفقت معلومات مصادر ليبية من طبرق وطرابلس على أن المحادثات في بوزنيقة المغربية وتلك الجارية في جنيف السويسرية ستسيران بالتوازي لبحث ملف المناصب السيادية وإعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وأن طاولة الحوار الرسمية بين مجلسي النواب والدولة ستُعقد في جنيف بدلاً من ضاحية بوزنيقة المغربية التي تستضيف حالياً جلسات تمهيدية لطاولة الحوار الأساسية.
وبينما رجّحت المصادر أن تنتقل الجلسات من المغرب إلى العاصمة السويسرية نهاية الأسبوع الجاري أو مطلع الأسبوع المقبل، أكّدت أن اجتماع الفرقاء حول طاولة حوار سياسي جديدة متوقف على توصل اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 لخطة واضحة لإخلاء سرت من السلاح والبدء في تطبيقها كبادرة حسن نية من طرفي الصراع (مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وقوات الوفاق)، للقبول بنتائج طاولة الحوار.
المناصب السيادية عراقيل جديدة
لكنّ مراقبين ليبيين لا يرون أن قبول حفتر بحل نزع السلاح هو العرقلة الوحيدة، فقد ظهرت تصريحات عدّة من قادة ليبيين خلال الساعات الماضية تعليقاً على المباحثات الجارية في المغرب بشأن ملف المناصب السيادية، ما يشير إلى أن اختيار الأسماء الشاغلة هذه المناصب، خلال جلسة، اليوم الاثنين، سيثير جدلاً وربما يلقى معارضة من بعض الأطراف، بحسب الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق، في حديث لـ"العربي الجديد".
وفي الوقت الذي شدّد فيه المتحدث الرسمي باسم مجلس نواب طبرق، عبد الله بليحق، في تصريحات صحافية، ليل أمس الأحد، على أن مهام الوفد الممثل لطبرق "الوصول لتفاهمات حول توزيع المناصب السيادية فقط والرجوع بها إلى مجلس النواب والتمهيد لانطلاق الحوار السياسي برعاية بعثة الأمم المتحدة"، طالب عبد الرحمن السويحلي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة ورئيس حزب الاتحاد من أجل الوطن، بـ"تكليف مؤسسة عالمية متخصصة باختيار الأفضل لتولى المناصب الفنية العليا من خلال منافسة شفافة بين أصحاب الكفاءة من الليبيين"، وذلك "لحماية الموارد وتعزيز الرقابة والتصدي للفساد بعيداً عن التسييس ومساومات تحت الطاولة"، بحسب ما جاء على صفحته الرسمية.
وتزامناً مع ذلك لا تزال كتلة نيابية داخل المجلس الأعلى للدولة بطرابلس تعارض "تفرد" رئيس المجلس بقرار ترشيح الوفد الممثل للمجلس في جلسات المغرب، بل هدّد عضو المجلس الأعلى للدولة، بلقاسم قزيط، بالمطالبة بعقد جلسة لسحب الثقة من رئيس المجلس، خالد المشري، في حال تراجع عن قراره.
وحول العلاقة بين جلسات المغرب والجلسة المرتقبة في جنيف يشرح البرق، أنه "المسار السابق ذاته الذي يتضمن ضرورة توحيد المناصب السيادية بتعيين شاغلين جدد متفق عليهم، قبل الذهاب إلى الحديث عن تشكيل مجلس رئاسي جديد بثلاثة رؤوس وحكومة خدمية منفصلة".
وعلى الرغم من التفاؤل الذي أظهره بيان الوفدين الليبيين في المغرب، مساء أمس الأحد، إلا أن الأكاديمي الليبي خليفة الحداد، يرى أن مستجدات الميدان خصوصاً في سرت والجفرة واستمرار الغموض بشأنهما حتى الآن، عائق أمام التوصل إلى تفاهمات لتسوية جديدة.
صمت حفتر والرئاسي
في الوقت الذي لم يصدر عن الأطراف الدولية المعنية بالشأن الليبي أي تعليق حول جلسات المغرب التمهيدية، لا يزال حفتر والمجلس الرئاسي بطرابلس على صمتهما، بينما أجرى رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، زيارة إلى تركيا التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وبحسب بيان المكتب الإعلامي للسراج، أمس، فقد بحث اللقاء بين الرئيسين "مستجدات الأوضاع في ليبيا وآفاق التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين الصديقين"، مؤكداً أن الرئيس التركي "جدّد دعمه لإنجاح مسار التسوية السياسية ليصل الليبيون عبر التوافق إلى مسار دستوري وانتخابات تشريعية ورئاسية".
وأضاف البيان أن أردوغان أكّد دعمه مبادرة السراج بشأن "وقف إطلاق النار، واستئناف إنتاج وتصدير النفط، ونزع السلاح من منطقتي سرت والجفرة، واستئناف مسارات برلين الثلاثة، الأمني العسكري، والاقتصادي، والسياسي"، وهو ما يشير إلى استمرار الخلافات بين طرابلس وطبرق حول شكل الحل السياسي وأن مضمون إعلاني السراج ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، في 21 من أغسطس/آب الماضي، لا يزال يلقي بظلاله على الجهود الحالية.
وأوضح الحداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مجلس نواب طبرق الذي لا يزال قريباً من حفتر يسعى لعدم تسليم سرت ومناطق النفط لخصومه في غرب البلاد بعدة وسائل، منها خلق مجلس رئاسي جديد وحكومة منفصلة، ومنها اقتراح سرت عاصمة جديدة للبلاد والتوقف عند هذه النقطة"، مضيفاً أن "السراج وحلفاءه في طرابلس يدعمون خيار مجلس رئاسي وحكومة جديدين لكنهما مؤقتين ومواصلة الحوار للتوافق حول قاعدة دستورية لبدء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة".
وبحسب الحداد فإن "الوجود الأميركي وراء تسريع خطوات اللقاءات الليبية برعاية الأمم المتحدة، ونجح حتى الآن في إقناع الأطراف الليبية بشأن ملفي المناصب السيادية وملف المجلس الرئاسي والحكومة بعد إخلاء سرت من السلاح لكن الصعوبة تتمثل في قبول معسكر شرق ليبيا، بما فيه حفتر وصالح، بانتخابات رئاسية وبرلمانية سيكون من أهم نواتجها إنهاء شرعية حفتر وقواته، كما خسارة الأطراف الداعمة حفتر ورقة مجلس النواب كطرف سياسي يتحركون من خلاله في الملف الليبي".
كما أشار إلى أن "تراجع الحديث عن الجفرة وأوضاعها العسكرية يعد مؤشراً واضحاً على استمرار وجود روسيا وداعمي حفتر عسكرياً في البلاد، ما يعني استمرار عوامل التشويش لعرقلة أي جهود لا تكون في صالح الأطراف الداعمة لحفتر".