ليست السلطات التشيكية وحدها التي ترفض استقبال اللاجئين على أراضي البلاد، فالشعب في معظمه لا يبدي كثيراً من الترحيب بالمهاجرين، خصوصاً الآتين من دول إسلامية، بتأثير إعلامي واضح
تمتاز العاصمة التشيكية، براغ، التي كانت كذلك عاصمة لتشيكوسلوفاكيا السابقة، بجمالها الأخاذ وعمرانها المذهل، إذ يُجمع كثيرون أنّها المدينة الأوروبية الأجمل، حتى أنّ هتلر لم يدمرها أثناء الحرب العالمية الثانية عند احتلالها، فقد كان لجمالها نصيب من قلبه، وقرر الحفاظ عليها بما تضمه من معابد وأحياء يهودية كان يخطط لجعلها متاحف تاريخية لليهود المنقرضين في مخططه.
حافظت براغ ومعها المدن التشيكية الأساسية على هويتها الجمالية، وآثارها المختلفة بين قصور وقلاع ذهبية. لكن تمسُك حكام البلاد وسكانها بهويتها الأصيلة عزز قيم الانغلاق والعزلة عن بقية الدول الأوروبية وعن العالم بشكل عام، فبالرغم من اكتظاظها بالسياح الذين يقصدونها من شتى أنحاء العالم على مدار العام، إلّا أنّ التشيكيين ما زالوا يرفضون التعامل المنفتح مع الجنسيات المختلفة، وما زالت فكرة اللجوء إلى براغ مرفوضة وغير مقبولة لدى الرأي العام التشيكي.
خصص الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/ أيلول 2015 ضمن مبادرة تسعى لمنع حلول كارثة إنسانية، حصةً من اللاجئين لكلّ دولة أوروبية، بناء على عدد سكانها، ووضعها الاقتصادي والمعيشي. وكانت لجمهورية التشيك حصة متواضعة بلغت 2691 لاجئاً، من أصل 160 ألف لاجئ، يجدر بدول الاتحاد استقبالهم. لكنّ جمهورية التشيك حتى هذا اليوم، لم يمنحوا حق اللجوء إلّا لـ12 شخصاً فقط اختارتهم السلطات اختياراً.
وبينما أثارت هذه السياسة سخط الاتحاد الأوروبي الذي هدد بتنفيذ عقوبات بحق جمهورية التشيك، لم تبدِ السلطات التشيكية أيّ رغبة في التجاوب. بل على العكس من ذلك، صرح الرئيس التشيكي ميلوش زيمان، عدة مرات، بأنّ دولته لن تعرّض مواطنيها لخطر الهجمات الإرهابية المشابهة لما حدث في فرنسا وبريطانيا، والتي سببتها "أيادي الإرهاب الإسلامي" في المنطقة. وانتخب زيمان لدورة رئاسية ثانية في بداية الشهر الجاري، وهو الذي يمثل اليمين المتطرف ويحظى بشعبية كبيرة، لا سيما في الأرياف.
يقول بيتر فيلتشر، المسؤول عن قسم الشرق الأوسط وأفريقيا لدى منظمة موسوعة الهجرة التشيكية: "الشعب التشيكي ليس عنصرياً بطبيعته، لكنّه يخاف مما يجهله، فتجارب التشيكيين الشخصية مع العرب والمسلمين محدودة أو على الأغلب معدومة". يضيف أنّ غالبية الشعب التشيكي لا تفهم حقيقة الظروف التي دفعت بأعداد كبيرة من السوريين لمغادرة بلادهم، فما يتابعونه ضمن نشرات الأخبار المحلية لا يقدم تفاصيل كافية عن حقيقة الحدث، بل ينتقي ما يتناسب مع سياسة الحكومة التشيكية الحالية.
ينقسم الشعب التشيكي حالياً إلى قسمين متناقضين، قسم داعم للحكومة وتوجهاتها الرافضة لاستقبال اللاجئين، وقسم آخر يتميز بالانفتاح والتعاطف مع اللاجئين وحقوقهم الإنسانية، بما يتوافق مع مبادئ الاتحاد الأوروبي. لكن، هناك قسم ثالث يشكل عدداً كبيراً من الشعب التشيكي، وهو يتألف من فئة لا تكترث بالوضع السياسي ولا تشعر بالرغبة في المشاركة بالقرارات الدولية أو المحلية، وهي الفئة التي تهتم بكسب قوتها اليومي، وتأمين احتياجاتها المعيشية. يقول بيتر إنّ هذه الفئة لم تحظَ بالاهتمام الكافي لرفع مستواها التعليمي والمعيشي كي تتمكن من المشاركة في صنع القرار التشيكي المحلي والدولي في ما يخص الانتخابات الرئاسية والسياسات الدولية للبلاد.
مع ذلك، يؤكد أنّ التعاطف مع قضية اللاجئين والانفتاح تجاههم لا يقتصر على فئة المثقفين وحاملي الشهادات العليا، بل إنّ هناك مجموعات من المتطوعين الذين يكرسون حياتهم لمساعدة كلّ من يمرّ في جمهورية التشيك سواء للاستقرار أو العبور إلى دولة أوروبية أخرى، وينتمي هؤلاء إلى مبادرة "هلافاك" نسبة إلى محطة القطار الرئيسية في براغ التي تسمى "هلافني"، حيث كان يقف هؤلاء المتطوعون لاستقبال اللاجئين الآتين عبرها ومساعدتهم وتأمين الدعم العملي والمعنوي لهم.
بشكل عام، يعتقد التشيكيون أنّ القيم الإسلامية لا تتناسب مع المجتمعات الأوروبية، لكنّ القضية الأعمق تبدو في خوفهم الدائم على هويتهم العرقية التي يخشون عليها من الاندماج التام حتى ضمن الاتحاد الأوروبي.