08 نوفمبر 2024
جمهورية الخوف
لم يعد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، يبذل أي جهد لإخفاء الطابع الديكتاتوري لحكمه. حتى نبرته الرومانسية التي كان يخاطب بها المصريين، في محاولةٍ للعب على عواطفهم، ما عاد يلجأ إليها، واستبدلها بالتهديد والوعيد لكل من تسوّل له نفسه التفكير بالاقتراب من كرسي الحكم، سواء ديمقراطياً عبر الانتخابات الرئاسية الصورية المرتقبة، أو ثورياً عبر تحركات احتجاجية مشابهة لتلك التي دفعت الرئيس الأسبق، حسني مبارك، إلى التنحّي، أو التي مهدت للانقلاب العسكري الذي جاء بالسيسي إلى الحكم.
حتى أن السيسي لم يعد يخفي نظرته إلى ثورة 25 يناير، فهو إذا كان سابقاً مضطراً إلى إحيائها أو تمجيدها، فهو اليوم ينظر إليها باعتبارها فوضى. هذا ما عبر عنه في حديثٍ قبل أسابيع، حين حذر كل من يفكر بتكرار ما حدث "قبل سبع أو ثماني سنوات". وما عاد مهتماً لتاريخ اندلاع الثورة، فالمهم بالنسبة له هو المحصلة التي وصلت إليها، وأدت به، في غفلة من الزمن وبتواطؤ عربي ودولي، إلى حكم مصر الذي لن يتخلى عنه بسهولة، مدعوماً أيضاً بتواطؤ عربي ودولي.
لا يرى الرئيس المصري اليوم حاجةً لأي نوع من الزينة الديمقراطية، كالانتخابات أو الأحزاب أو حرية العمل السياسي. أساساً هو ليس مطالباً بها، فكل القوى الخارجية صامتة إزاء ما يقوم به، وهي أطلقت يده لتكميم الأفواه واعتقال المعارضين، أو حتى من قد يكون هناك شك باحتمال تحولهم إلى معارضين في المستقبل. هو يتصرّف وفق إيحاءات الرياح الآتية من الخارج، وهي اليوم تقول له: احكم مصر بدون حسيب ولا رقيب.
وعلى هذا الأساس، أنشأ السيسي جمهورية الخوف، والتي تفوقت على التي كانت قائمة في عهد مبارك، وربما تتشابه مع الجمهورية الأولى التي جاءت بعد انقلاب عام 1952، مع فارق في الإجراءات الموازية التي كانت تقام في ذلك الحين للتغطية على ولادة الحكم العسكري، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية. فإذا كان مجلس قيادة الثورة في ذلك الحين عمد إلى توزيع الأراضي وأمم الشركات وعمّم مجانية التعليم، فإن السيسي لا يرى أن هناك أي داع لإضفاء بعض التمويه على حكمه، فالوعود كافية، حتى لو كانت ترجمتها على أرض الواقع مزيداً من الفقر والانهيار الاقتصادي والبطالة والقمع.
اعتقال المرشح الرئاسي السابق، رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، كان آخر إعلان للسيسي عن أن جمهورية الخوف التي أنشأها لا تحتمل أي رأي آخر، وأن الضوء الأخضر المعطى للرئيس المصري لا يمكن أن تقطعه اعتراضاتٌ من هنا أو تصريحاتٌ من هناك. ومرة أخرى، بعد توقيف أبو الفتوح الآتي من جولة خارجية، لم تصدر أي تعليقات دوليةٍ تبدي قلقاً على وضع الحريات في مصر، أو حتى وضع البلاد بشكل عام، فالصمت الدولي يبدو موافقةً واضحةً على كل الإجراءات القمعية التي يقوم بها النظام الحاكم.
يؤشر هذا الواقع إلى أن اعتقالات السيسي ليست نابعةً من خوف على مستقبل حكمه، بل هو تكريس لمسارٍ قد يطول، وصورة تعطى لمن قد تسول له نفسه الاعتراض على أي إجراء يقوم به النظام في قادم الأيام، وهو لا شك مقبل على كثير منها، تصب في خدمة الأجندات الغربية الصامتة، والتي ترى أن ما يقوم به ضرورة لتفادي أي توتراتٍ ناجمةٍ عن القرارات اللاحقة، والتي قد تكون مرتبطةً بشكل أساسي بـ "صفقة القرن".
هي صفقة إذن بين السيسي والأنظمة الغربية، خلاصتها: "دعوني أبني جمهوريتي، وخذوا ما يدهش العالم". والدهشة قد تكون لا تزال في بدايتها.
حتى أن السيسي لم يعد يخفي نظرته إلى ثورة 25 يناير، فهو إذا كان سابقاً مضطراً إلى إحيائها أو تمجيدها، فهو اليوم ينظر إليها باعتبارها فوضى. هذا ما عبر عنه في حديثٍ قبل أسابيع، حين حذر كل من يفكر بتكرار ما حدث "قبل سبع أو ثماني سنوات". وما عاد مهتماً لتاريخ اندلاع الثورة، فالمهم بالنسبة له هو المحصلة التي وصلت إليها، وأدت به، في غفلة من الزمن وبتواطؤ عربي ودولي، إلى حكم مصر الذي لن يتخلى عنه بسهولة، مدعوماً أيضاً بتواطؤ عربي ودولي.
لا يرى الرئيس المصري اليوم حاجةً لأي نوع من الزينة الديمقراطية، كالانتخابات أو الأحزاب أو حرية العمل السياسي. أساساً هو ليس مطالباً بها، فكل القوى الخارجية صامتة إزاء ما يقوم به، وهي أطلقت يده لتكميم الأفواه واعتقال المعارضين، أو حتى من قد يكون هناك شك باحتمال تحولهم إلى معارضين في المستقبل. هو يتصرّف وفق إيحاءات الرياح الآتية من الخارج، وهي اليوم تقول له: احكم مصر بدون حسيب ولا رقيب.
وعلى هذا الأساس، أنشأ السيسي جمهورية الخوف، والتي تفوقت على التي كانت قائمة في عهد مبارك، وربما تتشابه مع الجمهورية الأولى التي جاءت بعد انقلاب عام 1952، مع فارق في الإجراءات الموازية التي كانت تقام في ذلك الحين للتغطية على ولادة الحكم العسكري، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية. فإذا كان مجلس قيادة الثورة في ذلك الحين عمد إلى توزيع الأراضي وأمم الشركات وعمّم مجانية التعليم، فإن السيسي لا يرى أن هناك أي داع لإضفاء بعض التمويه على حكمه، فالوعود كافية، حتى لو كانت ترجمتها على أرض الواقع مزيداً من الفقر والانهيار الاقتصادي والبطالة والقمع.
اعتقال المرشح الرئاسي السابق، رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، كان آخر إعلان للسيسي عن أن جمهورية الخوف التي أنشأها لا تحتمل أي رأي آخر، وأن الضوء الأخضر المعطى للرئيس المصري لا يمكن أن تقطعه اعتراضاتٌ من هنا أو تصريحاتٌ من هناك. ومرة أخرى، بعد توقيف أبو الفتوح الآتي من جولة خارجية، لم تصدر أي تعليقات دوليةٍ تبدي قلقاً على وضع الحريات في مصر، أو حتى وضع البلاد بشكل عام، فالصمت الدولي يبدو موافقةً واضحةً على كل الإجراءات القمعية التي يقوم بها النظام الحاكم.
يؤشر هذا الواقع إلى أن اعتقالات السيسي ليست نابعةً من خوف على مستقبل حكمه، بل هو تكريس لمسارٍ قد يطول، وصورة تعطى لمن قد تسول له نفسه الاعتراض على أي إجراء يقوم به النظام في قادم الأيام، وهو لا شك مقبل على كثير منها، تصب في خدمة الأجندات الغربية الصامتة، والتي ترى أن ما يقوم به ضرورة لتفادي أي توتراتٍ ناجمةٍ عن القرارات اللاحقة، والتي قد تكون مرتبطةً بشكل أساسي بـ "صفقة القرن".
هي صفقة إذن بين السيسي والأنظمة الغربية، خلاصتها: "دعوني أبني جمهوريتي، وخذوا ما يدهش العالم". والدهشة قد تكون لا تزال في بدايتها.