وعند أول فرصة، بعد عامين من الاستقلال، أطاح سلفاكير بمشار من السلطة، بعد أن أصدر قراراً رئاسياً عام 2013 بحلّ الحكومة، وتكوين حكومة جديدة في إثرها قامت الحرب الأهلية بعد نحو أربعة أشهر، ليعود ويعمل من جديد على الإطاحة بمشار من موقعه كنائب أول له، والذي ناله عقب اتفاقية السلام، التي وقّعاها معاً في أغسطس/آب من العام الماضي، ضمن وساطة إقليمية ودولية، ليسيطر شبح الحرب على الدولة الجديدة.
وخلال الفترة الفائتة، عجّت الساحة السياسية بقرارات دولية وإقليمية كثيرة، يحمل معظمها مطالبات للحكومة في جوبا بإعادة رياك مشار، الذي لجأ مؤخّراً إلى الخرطوم طلباً للعلاج، إلى منصبه كنائب أول للرئيس الجنوبي.
لكن أيّاً من تلك القرارات، سواء الإقليمية منها أو الدولية، لم توفّر الآليات الكافية لإلزام الحكومة في جوبا بتنفيذ قراراتها، كما أن المعطيات على الأرض لا تؤشر إلى إمكانية تنفيذها، خاصّة بعد أن بدأت دول الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد)، وهي الوسيط الرئيسي في محادثات السلام الجنوبية، بفتح أبوابها لاستقبال بديل مشار الذي عيّنه سلفاكير أخيراً، تعبان دينق، حتى أن بعضها استقبل الرجل رسمياً، كما فعلت الجارة الخرطوم الأسبوع الماضي، الأمر الذي اعتبره مراقبون اعترافاً رسمياً بشرعية الرجل.
وفي هذا السياق، أكّد وزير الإعلام الجنوبي، مايكل مكواي، لـ"العربي الجديد"، أنه، حسب علمه، "لم يصدر أي قرار من الاتحاد الأفريقي، أو مجلس الأمن الأفريقي، لا يعترف بدينق كنائب أول"، وشدد، في الوقت نفسه، على أن جوبا "لا علاقة لها بأمر تعيين دينق، على اعتبار أن المعارضة المسلحة هي من اختارته وقدّمته بديلاً لمشار".
ونصح الوزير الجنوبي مشار بـ"اعتزال السياسية في الفترة المقبلة، والتحضير للانتخابات عام 2018"، داعياً الخرطوم، التي تستضيفه الآن، إلى إقناعة بالخطوة، وأضاف: "نحن، عموماً، لا يعنينا الأمر؛ فإذا رأت المعارضة إعادته نائباً أول؛ فلها ذلك"، مستبعداً، في الوقت نفسه، اتّخاذها تلك الخطوة.
ووفقاً لمصادر، فإن سلفاكير بدا مرتاحاً للتعامل مع نائبه الجديد، تعبان دينق، وهو أمر أبداه لرؤساء دول (إيقاد)، والمنطقة عموماً، كما قاد محاولات لإقناعهم بالخطوة، في محاولة لتخفيف الضغوط بخصوص إعادة مشار، وتأكيد قدرة تعبان على "تحقيق السلام".
ونقلت تقارير إعلامية تسريبات عن اجتماع ضمّ سلفاكير مع تنفيذيين في الحكومة، بثّ فيها تحذيرات من إعادة مشار للسلطة في جوبا، على اعتبار أن الخطوة من شأنها تأجيج الحرب، مشيراً إلى "تطابق الرؤى والمبادئ" بينه وبين دينق، مما يمكّنهما من "تحقيق الاستقرار والسلام" للدولة الوليدة.
وسارعت جوبا، ومجموعة المعارضة بقيادة دينق، نحو تنفيذ بنود الاتفاق بإكمال عملية تعيين نواب البرلمان، وعقد جلساته، وهي خطوة كانت متعثرة لخلافات بين الطرفين أيام مشار، فضلاً عن محاولة طيّ ملف الخلافات مع الخرطوم، مع تقديم بعض التنازلات في المواضيع العالقة بين البلدين، لا سيّما ملف الترتيبات الأمنية، إلى جانب وضع ميزانية بمبلغ مليوني دولار لتنفيذ اتفاقية السلام.
في المقابل، نقلت صحيفة "الإندبيندنتس" الكينية تصريحات للناطق الرسمي باسم (إيقاد)، شوران كوكو، أكد فيها أن المنظّمة لم ترفض تعيين تعبان خليفة لمشار، على اعتبار أن الخطوة حق لمجموعته، وفقاً لاتفاقية السلام.
وبدت المعارضة المسلحة، بقيادة مشار، واثقة من عودة زعيمها إلى منصبه في جوبا، بعد تحقيق شروطه بنشر قوة حفظ سلام تعمل على الفصل بين القوات، وحفظ الأمن، ورأت أن خيارها الثاني العودة إلى مربع الحرب للإطاحة بنظام الرئيس سلفاكير، وأكدت أنها قادرة على تحقيق الخطوة.
ويرى مراقبون أن القوى الدولية والإقليمية تركز كل جهودها في إقناع جوبا بنشر القوة الإقليمية، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، مما يجعل من أمر إعادة مشار خطوة ثانية، كما يعتقدون أنها قد تساند دينق في حال اقتنعت بمقدرته على تحقيق الاستقرار، والتأكد من أن مشار ليس لديه ما يرتكز عليه في تحقيق السلام.
ويرى المحلل السياسي، محجوب محمد صالح، أن المجتمع الدولي "ما زال يتحدث بلسانين؛ أحدهما يشدد على تطبيق اتفاقية السلام، وإعادة مشار إلى منصبه وفقاً لها، والآخر يحرص على خلق علاقات جيدة مع سلفاكير".
ويذكر أن القوى الإقليمية إذا رأت أن رحيل مشار لن يهدد الأمن؛ فستستجيب للأمر، و"في هذه الحالة، قطعاً، سيحاول مشار القيام بضغوط عسكرية، مما قد ينذر بانفجار الوضع برمته".
ويعتقد صالح أن نشر القوة المقرّرة دولياً من شأنه أن يوفّر قوة عسكرية تسمح للمجتمع الدولي والإقليمي بالضغط على الرئيس سلفاكير، كما قد يوفّر إمكانيةً لإعادة مشار إلى منصبه، ويعلّل ذلك بالقول: "من دون تلك القوة؛ ليس لمشار قوة أخرى لفرض قراره على جوبا، وهو ما يجعله يعمل خلف الكواليس بضغوط دبلوماسية للوصول إلى حل للأزمة الراهنة".
في المحصّلة، يمكن القول إن ثمّة سناريوهات عدة تنتظر المشهد الجنوبي، وإن كانت الأطراف المتنازعة ترجّح اندلاع الحرب من جديد، وتعدّ لها في ظل تمترس كل طرف على مواقفه.
إزاء ذلك، يرى مراقبون أن السناريو الأفضل يتمثّل بنجاح المجهودات الدولية، عبر دول الجوار، في إقناع كل من سلفاكير ومشار بالتنحي عن السلطة، وتعيين من يثقون فيهم في مناصبهم، على أن يستعدّا للترشّح لمنصب الرئاسة في الانتخابات العامة، وذلك لاستحالة تعامل الرجلين معاً.