يبدو أن التحالف العربي، والذي تقوده السعودية والإمارات، لا يمر بأفضل مراحله في جنوب اليمن، بل يعيش حالة من الارتباك، بعد أن ظهر كما لو أنه يؤسس لانقلاب انفصالي في عدن، بموازاة الانقلاب الذي شهدته العاصمة صنعاء عام 2014، وعلى إثره أعلن التحالف تدخله العسكري لحماية "الشرعية".
وظهر الارتباك جلياً خلال الأيام الماضية، مع المهرجان الجماهيري الذي شهدته مدينة عدن أول من أمس، وقبل ذلك عودة رئيس ما يُسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، عيدروس الزبيدي، إلى عدن، على الرغم من اتهامه، ببيان حكومي، بأنه مقرب من إيران ويمارس دوراً رديفاً لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين). ومن المعروف يمنياً، أن ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، جرى تأسيسه في مايو/ أيار الماضي، بدعم وإشراف من الإمارات، والتي تتولى واجهة التحالف في جنوب اليمن، ويصفها البعض بـ"الدولة المحتلة"، وقد وضعت على رأس المجلس اثنين من أبرز رجالها في جنوب اليمن، هما محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، بالإضافة إلى وزير الدولة المُقال، هاني بن بريك، وهو قيادي سلفي مثير للجدل ونافذ على "قوات الحزام الأمني" التي تأسست بإشراف الإمارات، وتعتبر بعض التقارير، أنها قوة تابعة إلى أبوظبي في حقيقة الأمر.
وأواخر الشهر الماضي، أصدر الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، قرارات تضمنت إقالة ثلاثة محافظين، من أعضاء "المجلس الانتقالي"، في خُطوة، استهدفت بشكل واضح المجلس الانقلابي الذي دعمت أبوظبي تأسيسه، وقد سمحت الأخيرة، عقب هذه القرارات، لعيدروس الزبيدي، بالعودة إلى عدن وتفعيل نشاط المجلس، بعد أن تجمد لأقل من شهرين، بسبب مغادرة الزبيدي إلى خارج البلاد. وكان لافتاً أن أبوظبي لم تدعم التمرد على القرارات الأخيرة التي استهدفت حلفاءها، كما فعلت مطلع مايو/ أيار الماضي، الأمر الذي عزز الأنباء أن الرياض دعمت القرارات الأخيرة.
من زاوية أخرى، وخلال الفعالية التي شهدتها عدن يوم الجمعة، وصفت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، ما جرى بأنه عكس ارتباكاً غير مسبوق لحلفاء أبوظبي، إذ إن "المجلس الانتقالي"، والذي أعلن عن نفسه في مايو/ أيار الماضي لـ"إدارة وتمثيل الجنوب"، تراجع خطوات إلى الوراء. فبعد أن تعرض إلى ضربة كبيرة، عبر القرارات التي أبعدت محافظي المحافظات الشرقية (شبوة، وحضرموت، وسقطرى)، بدا في التظاهرة عاجزاً عن اتخاذ خطوات كانت بعض البيانات تتحدث عن أنها ستتم كرد على قرارات الشرعية. ولعل أبرز ما حملته تصريحات الزبيدي، خلال التظاهرة، الإعلان عن حظر جماعات وصفها بـ"الإرهابية"، وحدد على رأسها جماعة الإخوان المسلمين (في إشارة إلى حزب الإصلاح)، بالإضافة إلى تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وجماعة الحوثيين، في خطوة تعكس تحوّل المجلس، والذي قال إنه يؤسس لـ"دولة جنوبية فيدرالية"، إلى منفِذ لأولويات أبوظبي وسياساتها في المناطق الجنوبية في اليمن.
وعلاوة على ذلك، يعكس الإعلان عن "حظر جماعات" حالة من التخبط والفوضى، فبأي صفة يُعلن عن تصنيف جماعات إرهابية من قبل المجلس الانقلابي الذي أسسته أبوظبي، في حين أن المجلس لم يحدد طبيعته بشكل حاسم. إذ إنه ووفقاً لما سُمي بـ"إعلان عدن التاريخي"، يُخول المجلس "إدارة الجنوب"، أي أنه سلطة انقلابية في عدن، بموازاة السلطة الانقلابية التابعة للحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح في صنعاء. ومع ذلك، يبدو أن أبوظبي، وفي محاولة لإبعاد الحرج عن التحالف، تحاول إيجاد حالة من التطبيع بين وجود مجلس حلفائها، والذي يتخذ من الشرعية خصماً، وبين وجود الحكومة الشرعية ذاتها، والتي يتخذها التحالف غطاءً لتدخله في اليمن، بحيث يُظهر "المجلس" اعترافاً بالشرعية ويحملها المسؤولية عن انهيار الخدمات، لكنه، في الوقت ذاته، يُعرف نفسه بأنه يمثل "الجنوب" ومفوض لإدارته، ويصدر إعلانات على غرار حظر "الإخوان"، بما يعني أن "المجلس الانقلابي" في عدن، يعترف بالشرعية شكلاً ويسعى لفرض ذاته في الأمر الواقع كسلطة.
الجدير بالذكر، أن الارتباك الحاصل في مناطق جنوب اليمن، يأتي في الوقت الذي وقف فيه التحالف أمام ردود فعل يمنية واسعة، تضع علامات استفهام حول ما يجري جنوباً، وما إذا كان التحالف يدعم الانفصال أو تشكيل سلطة انقلابية في عدن، على غرار انقلاب صنعاء، والذي قال إنه تدخل لمواجهته بغرض إعادة "الشرعية". ومن تلك التساؤلات، ما كتبه وزير الثقافة اليمني الأسبق، خالد الرويشان، منذ أيام، على صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك"، ومنها "ماذا تريد الإمارات يا فخامة الرئيس (مخاطباً هادي)؟ ماذا تريد بالضبط؟ ولماذا تصمت السعودية تجاه تصرفاتها غير المسؤولة؟ وقبل ذلك لماذا تصمت أنت؟". وتساءل أيضاً "ماذا يحدث في عدن؟، يجب ألّا ينسى أحد أنه لا شرعية للتحالف من دون شرعية الرئيس هادي".