09 نوفمبر 2024
جنون لبنان وجنوننا
لا يُمكنك أن تحيا في لبنان من دون أن تُدرك أنك مسكون بالجنون، وأن الجنون جزء من خريطة "لبنانوية"، لا بدّ منها في يومياتنا التفصيلية. وإذا أدركت واقع الجنون، فليس بالضرورة أن تفهمه في يوم أو شهر أو سنة، وقد لا تفهمه إطلاقاً. في لبنان، مثلاً، يُمكن أن تُجهّز نفسك لحربٍ دينية مسيحية ـ إسلامية مطلع الأسبوع، وأن تنتابك الهواجس بأن هناك شريكا ـ عدوّا يتأهب لنَحرِكَ و"اقتلاعكَ" من الجذور. وفي اليوم التالي، تبدو الأمور وكأنك في زمن آخر، أو بلدٍ آخر. لا العدو ـ الشريك نَحَرَكَ ولا الحرب الدينية وقعت. بل على العكس، من هاجموا وهُوجموا بدوا وكأنهم وُلدوا في اليوم التالي لحروبهم الكلامية، يضحكون كالأصدقاء. هم أصدقاء أساساً. نعلم ذلك، وهم يعلمون أننا نعلم، لكنه جنون لبنان، والأجوبة لا تجد مكانها في أي سؤال من هذا النوع.
في لبنان، يُمكن أن يتناقش فريقان سياسيان متناقضان (تيار المستقبل وحزب الله)، علناً، ويعقدان عشرات الجلسات الحوارية، في أجواءٍ من "الأخوة والمحبة"، لكنهما لا يتورّعان عن مهاجمة بعضهما حين يبتعدان، واتهام كل منهما الآخر بالتبعية للسعودية (حزب الله للمستقبل) وإيران (المستقبل لحزب الله). كأن زمن معركة ستالينغراد وحصارها توقف عندهما منذ أكثر من نصف قرن.
في لبنان أيضاً، يُمكن أن يجتمع المجلس النيابي، منتصف الأسبوع، ويقرّ قوانين، معظمها مهمة هذه المرة، لكن المجلس عينه لا يستطيع انتخاب رئيس جمهورية جديد، على الرغم من مرور أكثر من سنة وسبعة أشهر على شغور كرسي الرئاسة. بعض القوانين "أهمّ" من انتخاب الرئيس. مع العلم أن المجلس إياه سبق أن عقد جلسة "بالغة الأهمية"، قضت بالتمديد له أربع سنوات، وتأجيل موعد الانتخابات النيابية حتى عام 2017. الانتخابات الجديدة قد تتأجل بدورها، مع التلويح باحتمال تأجيل الانتخابات البلدية أيضاً، المقررة العام المقبل.
هو نفسه لبنان الذي لم يعرف كيفية معالجة نفاياته المتراكمة منذ أكثر من 4 أشهر، ويستدعي أساطيل من السياسيين، ليقرّر ملاحقة مطلوب في قرية بعيدة نسبياً عن العاصمة بيروت. هو نفسه اللبنان الذي لا يبحث فيه مسؤولوه، إذا التقوا، سوى عن مكانٍ للهروب إليه، بدلاً من الصمود في البلاد. أصلاً مصطلح "الصمود" بات مبتذلاً أيضاً.
ولا يكتمل الجنون سوى حين يعلم بعض السياسيين المحليين أن انفجاراً وقع، فيباشرون اتصالاتهم، في مشهد مثير للغضب، لمحاولة استمالة ناخبين، ربما لم يولدوا بعد، بحكم تأجيل المجلس انتخابات عام 2013. يعلم السياسيون أن المرحلة المقبلة في بيروت ستكون خارج إراداتهم جميعاً. الرسائل التفجيرية في الأيام الأخيرة، من عرسال إلى الضاحية الجنوبية، مع تعطيل عبوة ناسفة وتوقيف انتحاري، "عفوية" أو "مصادفة"، بل "فعل تراكمي" يهدف إلى تعديل قواعد اللعبة في الداخل اللبناني، كما يحصل في بعض دول الجوار.
ولا تأتي التعديلات الجديدة في البلاد بمعزل عن لقاءات فيينا التي تُستكمل اليوم السبت، والتي تسير وفقاً للمسار الميداني للعمليات العسكرية في سورية، وتحديداً في الشمال. تلك المعارك، يراهن عليها النظام لبسط سيطرته على الأجزاء من سورية، بغية فرض "الحلّ الروسي"، واستبعاد حلّ "المنطقة الآمنة". وهو الهدف الأساسي من فكّ حصار مطار كويرس العسكري، والهجوم على مطار تفتناز العسكري في ريف إدلب.
يقول الكاتب الإيرلندي برناردشو "إذا أعاد التاريخ نفسه فسيظهر عجز الإنسان عن التعلم من التجارب". هكذا حالة الأمم، وهكذا حالة لبنان. لم نتعلّم قط أننا قادرون على تشكيل واقع يُمكن صياغته، بل أردنا الانسياق بالموجات السلطوية. وهذه القصص هي ما منعت البلاد وأهلها من التقدّم، وهي ما سهّلت عمل مظلّة الفساد.
في لبنان، يُمكن أن يتناقش فريقان سياسيان متناقضان (تيار المستقبل وحزب الله)، علناً، ويعقدان عشرات الجلسات الحوارية، في أجواءٍ من "الأخوة والمحبة"، لكنهما لا يتورّعان عن مهاجمة بعضهما حين يبتعدان، واتهام كل منهما الآخر بالتبعية للسعودية (حزب الله للمستقبل) وإيران (المستقبل لحزب الله). كأن زمن معركة ستالينغراد وحصارها توقف عندهما منذ أكثر من نصف قرن.
في لبنان أيضاً، يُمكن أن يجتمع المجلس النيابي، منتصف الأسبوع، ويقرّ قوانين، معظمها مهمة هذه المرة، لكن المجلس عينه لا يستطيع انتخاب رئيس جمهورية جديد، على الرغم من مرور أكثر من سنة وسبعة أشهر على شغور كرسي الرئاسة. بعض القوانين "أهمّ" من انتخاب الرئيس. مع العلم أن المجلس إياه سبق أن عقد جلسة "بالغة الأهمية"، قضت بالتمديد له أربع سنوات، وتأجيل موعد الانتخابات النيابية حتى عام 2017. الانتخابات الجديدة قد تتأجل بدورها، مع التلويح باحتمال تأجيل الانتخابات البلدية أيضاً، المقررة العام المقبل.
هو نفسه لبنان الذي لم يعرف كيفية معالجة نفاياته المتراكمة منذ أكثر من 4 أشهر، ويستدعي أساطيل من السياسيين، ليقرّر ملاحقة مطلوب في قرية بعيدة نسبياً عن العاصمة بيروت. هو نفسه اللبنان الذي لا يبحث فيه مسؤولوه، إذا التقوا، سوى عن مكانٍ للهروب إليه، بدلاً من الصمود في البلاد. أصلاً مصطلح "الصمود" بات مبتذلاً أيضاً.
ولا يكتمل الجنون سوى حين يعلم بعض السياسيين المحليين أن انفجاراً وقع، فيباشرون اتصالاتهم، في مشهد مثير للغضب، لمحاولة استمالة ناخبين، ربما لم يولدوا بعد، بحكم تأجيل المجلس انتخابات عام 2013. يعلم السياسيون أن المرحلة المقبلة في بيروت ستكون خارج إراداتهم جميعاً. الرسائل التفجيرية في الأيام الأخيرة، من عرسال إلى الضاحية الجنوبية، مع تعطيل عبوة ناسفة وتوقيف انتحاري، "عفوية" أو "مصادفة"، بل "فعل تراكمي" يهدف إلى تعديل قواعد اللعبة في الداخل اللبناني، كما يحصل في بعض دول الجوار.
ولا تأتي التعديلات الجديدة في البلاد بمعزل عن لقاءات فيينا التي تُستكمل اليوم السبت، والتي تسير وفقاً للمسار الميداني للعمليات العسكرية في سورية، وتحديداً في الشمال. تلك المعارك، يراهن عليها النظام لبسط سيطرته على الأجزاء من سورية، بغية فرض "الحلّ الروسي"، واستبعاد حلّ "المنطقة الآمنة". وهو الهدف الأساسي من فكّ حصار مطار كويرس العسكري، والهجوم على مطار تفتناز العسكري في ريف إدلب.
يقول الكاتب الإيرلندي برناردشو "إذا أعاد التاريخ نفسه فسيظهر عجز الإنسان عن التعلم من التجارب". هكذا حالة الأمم، وهكذا حالة لبنان. لم نتعلّم قط أننا قادرون على تشكيل واقع يُمكن صياغته، بل أردنا الانسياق بالموجات السلطوية. وهذه القصص هي ما منعت البلاد وأهلها من التقدّم، وهي ما سهّلت عمل مظلّة الفساد.