وحذّر "التجمع الوطني السوري"، وهو أحد تكتلات "الائتلاف" السوري المعارض، يعتبر ميشال كيلو و"الإخوان المسلمين" من أبرز رموزه، في بيان أمس الأربعاء، من "الانسياق" وراء خطة المبعوث الدولي إلى سورية، ومن التعامل معها بتبسيط وعفوية، داعياً جميع من تلقى الدعوات للمشاركة في المشاورات، لـ"التمسك بمطالب الشعب والثورة في الحل الديمقراطي الذي اعتبرته وثيقة جنيف أساس أي حل دولي عادل ومقبول، شرطه رحيل بشار الأسد وبطانته المجرمة، وإقامة هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات". وأشار البيان إلى أن دي ميستورا "لا يبدو مقتنعاً بأنّ هذه هي مطالب الشعب السوري الحقيقية، وإلا لما دعا إلى مشاورات بلا برنامج أو جدول أعمال، أو غاية معلنة، ولا تنطلق من وثيقة جنيف، وما قررته من آليات ومداخل للحل".
واتهم دي ميستورا بمحاولة إنكار وجود "الائتلاف" كممثل شرعي للشعب السوري تم الاعتراف به رسمياً من قبل 114 دولة، مشككاً في "خطط ونوايا المبعوث الدولي، وفي مواقفه الشخصية من ثورتنا ومؤسساتها". لكنّه أضاف أنّ هذا الموقف من دي ميستورا "لا يعني أن الائتلاف سيقاطع الأمم المتحدة ومؤسساتها".
وكان دي ميستورا قد أعلن مشاركة أكثر من 40 مجموعة بالإضافة للحكومة السورية وعدة دول إقليمية بالإضافة لدول الجوار السوري في مشاورات جنيف، مشيراً إلى وجود عسكريين وسيدات سوريات وقادة دينيين، لافتاً إلى أنه في نهاية يوليو/ تموز هناك عملية تقييم للنتائج التي سنتوصل إليها.
وكان عدد من أعضاء "الائتلاف" قد أعلنوا عن عدم رغبتهم بالمشاركة بمشاورات جنيف، وفي مقدّمتهم رئيس تجمع "الإخوان المسلمين" في "الائتلاف"، فاروق طيفور، الذي قال إن الائتلاف لم يحسم أمره بعد بالذهاب إلى جنيف. وقالت مصادر داخل المعارضة السورية، لـ"العربي الجديد"، إن رئيس الائتلاف الوطني السوري، خالد خوجة، بعث رسالة إلى فريق دي ميستورا أعلمهم فيها أن وفد "الائتلاف" لحضور مشاورات جنيف سيكون 12 شخصاً، وأنّ الوفد سيحضر إلى جنيف في 11 مايو/ أيار الحالي وسيشارك في الجلسات المخصصة له في 12 و13 و14.
بدوره، أوضح نائب رئيس "الائتلاف"، هشام مروة، لـ"العربي الجديد"، أن "دي ميستورا إذا كان جدّياً في تطبيق بيان "جنيف 1" لإحداث تقدّم على مستوى الحل السياسي، فذلك لا يجري وسط الأجواء التي تتم فيها اللقاءات، إذ وجه دعوات لعشرات الأطراف من المعارضة السورية، منها أحزاب ناشئة ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات مختلفة، وكأنه يريد أن يوصل رسالة بأن هؤلاء مستحيل أن يتفقوا على رأي معيّن".
اقرأ أيضاً دي ميستورا: مشاورات جنيف ليست مباحثات سلام
وأضاف المروة: "في مقابل ذلك، يدرك المبعوث الدولي أنّ هناك قرارات دولية تقدم جهة معينة للتفاوض؛ فالائتلاف حصل بتاريخ 12/12/ 2012 على اعتراف أكثر من 100 دولة، كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، إضافة إلى قرار جامعة الدول العربية الصادر في العام 2013، والذي يعتبر "الائتلاف" المحاور الرئيسي والممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري"، مشيراً إلى أنّ "(الائتلاف) حرص على تمثيل مختلف قوى الثورة السورية، وما يزال منفتحاً على مختلف قوى المعارضة، إذ إنّ مفاوضات جنيف السابقة لم تقتصر على (الائتلاف)، بل شاركت فيها مجموعة من مختلف قوى المعارضة السورية".
ولعلّ توجس "الائتلاف" من تلك المشاورات يتشابه مع قلقه من مؤتمري موسكو والقاهرة، اللذان عدّهما محاولة للالتفاف على بيان "جنيف 1"، تحت شعار توحيد المعارضة السورية أو "التشاور مع جميع الأطراف"، إذ حاولت تلك المؤتمرات إحداث ثغرة تسمح للنظام بالتخلّص من تنفيذ بيان جنيف المُلزم بموجب القانون الدولي، وذلك عبر تعويم وجود الطرف الثاني (المعارضة)، وتحويله من طرف واحد من المفترض أنه ممثل بـ"الائتلاف"، إلى أطياف غير محددة.
وتُظهر مراجعة وثيقة جنيف، التي تفترض وجود طرفين مفاوضين لإتمام أيّ حلّ سياسي، أنّ النظام محدّد وواضح، باعتباره الطرف الأول، بينما لم يتمّ تحديد "الطرف الثاني"، الشريك في العملية السياسية، بل حُدّد بصفته لا باسمه.
وعلى الرغم من التطور البارز، المتمثل بصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262/67 في 15 مايو 2013، والذي يرد في الفقرة 26 منه "الترحيب بإنشاء الائتلاف باعتباره يضم المحاورين الذين يمثلون فعلياً تلك القوى اللازمة لعملية الانتقال السياسي، ونقلها من التعريف بالصفة للتعريف بالذات"، إلا أن هذا القرار صادر عن الجمعية العامة، وقراراتها هي مجرد توصيات وليست قرارات ملزمة.
وكان "الائتلاف" قد قاطع مؤتمري موسكو والقاهرة لقناعته أنّها تسعى إلى تفصيل معارضة سياسية على مقاس النظام السوري، وتقديمها كجهة محاورة للنظام في أي عملية سياسية مستقبلية. ولعلّ هذه النقطة هي ما تثير هواجس "الائتلاف" في مشاورات جنيف، وتدفعه نحو المقاطعة، خصوصاً مع ما كشفه مصدر من داخل الائتلاف لـ"العربي الجديد" حول التسريبات التي وصلت إليهم، عن طبيعة المشاورات الثنائية في جنيف، والتي تؤكّد أن المبعوث الدولي إلى سورية يهدف، من خلال المشاورات، إلى إحراج المعارضة السورية، وكشف عدم امتلاكها أي تصور للمرحلة المقبلة، بهدف إجبارها على خفض مستوى المطالب والقبول بالهدن المحلية.
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم نشر اسمه، أن "دي ميستورا سيطرح على المعارضة السورية أسئلة دقيقة ومحرجة حول تصورات المرحلة الانتقالية ومؤسسات الدولة من الجيش والوزارات، بالإضافة إلى الشخصيات المقبولة لديهم من نظام بشار الأسد". وأوضح أن "الأسئلة المحرجة، التي لا تمتلك المعارضة أجوبة عليها، تأتي مرافقة لدعوة دي ميستورا إلى 40 جهة للمشاورات الثنائية في جنيف، معظمها من المعارضة، وهذا ما يوحي بتشرذم المعارضة وعدم وجود جهة حقيقية تمثلها".
لكن في المقابل، فإن الدعوة للمشاورات اليوم ليست موجهة من موسكو أو القاهرة، وإنما من قبل الأمم المتحدة، ما قد يدفع الائتلاف إلى الذهاب والمشاركة في لقاءات جنيف، ولكن تحت بند عدم اتهامه بعرقلة أي مفاوضات سياسية، وليس إدراكاً منه بكون تلك المشاورات حاسمة في الثورة السورية.
وتجدر الإشارة إلى أن المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي مستورا، أكّد خلال مؤتمره الصحافي، الثلاثاء، في العاصمة السويسرية جنيف، أن "اللقاءات انطلقت اليوم، وليس هناك سقف زمني، وهذه العملية ممكن أن تستمر أسابيع، وممكن أن يضاف إليها الكثير من الأطراف، وفي نهاية يوليو/ تموز، هناك عملية تقييم للنتائج التي توصلنا إليها". وشدّد المبعوث الدولي على أنّ مشاورات جنيف "ليست مباحثات سلام، وإنما هي محادثات تسعى إلى فتح نقاش جاد مع مختلف الأطراف المعنية، لإيجاد حل للأزمة السورية".
اقرأ أيضاً: "الائتلاف" إلى جنيف... وعينه على الرياض