كان إعلان الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، تأجيل المفاوضات إلى الـ25 من الشهر الحالي، بمثابة "ساعة الصفر" للطيران الروسي، الذي بدأ حملة "متوحشة" على ريف حلب الشمالي (شمال البلاد)، أبرز مناطق المعارضة المسلّحة، أدت إلى تشريد معظم أهله. وصلت أعداد النازحين إلى نحو 150 ألفاً عند معبر باب السلامة وأعزاز الحدوديتين مع تركيا، بالإضافة إلى الآلاف الذين نزحوا باتجاه محافظة إدلب وريف حلب الغربي بعدما تقطعت بهم السبل، وباتوا في حال تصفها جمعيات إغاثية بـ"الصادمة". كما تقدّمت مليشيات طائفية إيرانية وأخرى منضوية تحت ما يسمى بـ"قوات سورية الديمقراطية"، لقضم ما تستطيع من جغرافيا هذا الريف تحت غطاء "غير مسبوق" للطيران الروسي، أدى إلى هدم بلدات كاملة، وفصل ريف حلب الشمالي عن كل من ريفه الشرقي ومحافظة إدلب.
ولم يخفف بدء دخول مساعدات إنسانية لمناطق سورية تحاصرها قوات النظام والمليشيات التابعة لها، إثر زيارة دي ميستورا لدمشق منذ أيام، من سوداوية المشهد السوري، خصوصاً في ظل تصريحات متلاحقة من أعمدة النظام أنّ لا حل في سورية إلا وفق مشيئته التي تُبقي بشار الأسد على رأس السلطة. ويدفع الدعم الروسي ـ الإيراني النظام السوري إلى مزيد من التصلّب، كما أعطاه تردد الموقف الدولي وربما عجزه فرصاً أخرى للمناورة التي تدفع باتجاه طرح سيناريوهات "مؤلمة" للسوريين.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر خاصة، أن "الهيئة العليا للتفاوض" المعارضة ستعقد يومَي الأحد والإثنين المقبلين اجتماعات في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض للخروج بموقف حيال المشاركة في الجولة المقبلة من مفاوضات جنيف 3. وهو ما يشير إليه نائب رئيس وفد المعارضة المفاوض، جورج صبرا، رداً عن سؤال "العربي الجديد" حول المشاركة في ظل المعطيات العسكرية والسياسية الجديدة، مكتفياً بالقول: "لم نتخذ القرار بعد. وفي الأيام القليلة المقبلة يتم ذلك". ويضيف صبرا: "ليس هناك ما يشجع أو يبرر الذهاب إلى جنيف، لكن التشاور مع الحلفاء مهم جداً".
من جانبه، يؤكد المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للتفاوض، رياض نعسان آغا، لـ"العربي الجديد"، أن اجتماعات الرياض، الأسبوع المقبل، ستتمخض عن قرار بالمشاركة أو عدمها، مضيفاً أنّ "الوضع صعب، ونحن في انتظار مستجدات". ويعتبر نعسان آغا دخول مساعدات إنسانية لمناطق سورية محاصرة من قبل قوات النظام ومليشياته، خلال اليومين الأخيرين، "أفضل من لا شيء، لكنها لا تفي بالغرض".
اقرأ أيضاً: نازحو الشمال السوري يتجاوزون الـ150 ألفاً: مأساة متفاقمة
ويلفت نعسان آغا إلى أنّ المعارضة في حال قررت العودة إلى طاولة التفاوض في مدينة جنيف في الوقت المقرّر، ستظل متمسكة بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي صدر في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، والذي نص على بدء محادثات سلام بين المعارضة السورية والنظام لتحقيق عملية انتقال سياسي.
من جانبه، لم يستبعد عضو "الائتلاف السوري المعارض"، عقاب يحيى، ذهاب المعارضة إلى التفاوض مرة ثانية في إطار جنيف 3، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "ضغوط تمارس عليها في هذا الاتجاه". ويرفض عقاب فكرة أن التفاوض مضيعة للوقت، قائلاً "هناك الجانب الإنساني، يجب التمسك بتطبيقه"، موضحاً أن "الائتلاف لم يبلور موقفاً من المشاركة أو عدمها بعد".
في المقابل، يرى معارضون سوريون مستقلون أن الذهاب إلى جنيف مرة أخرى مع استمرار القصف الجوي من قبل الطيران الروسي ومقاتلات النظام "غير مجد، ومجرد مضيعة للوقت لا أكثر". ويعتبر الأكاديمي، المعارض السوري المستقل، محمود حمزة، أنّ أمام المعارضة مهمة "عاجلة جداً"، وهي "ترتيب البيت الداخلي السوري للمعارضة السياسية والعسكرية، والاستعداد لمرحلة مصيرية قد تؤدي لتقسيم سورية". ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنّه يجب التركيز على العمل الدولي، والتحدث مع العالم بلغة المصالح وليس العواطف. فاللاعبون يبحثون عن مصالحهم، ونحن نستعطف العالم، ولا حياة لمن ننادي"، على حدّ تعبيره.
ويدعو الأكاديمي المقيم في العاصمة الروسية موسكو كلاً من "الائتلاف السوري المعارض، وهيئة التفاوض، وتشكيلات المعارضة السياسية والمسلحة، والقوى الوطنية إلى توحيد كلمتها، وقطع الأمل مع الغرب، وتشجيع الأشقاء والأصدقاء في المنطقة على مساعدتنا. لكن ليس عبر إدخال قوات برية سعودية تركية، بل بتزويدنا بالسلاح النوعي. فتحرير سورية مهمة السوريين وحدهم". ويطالب حمزة بـ"فتح باب التطوع للشباب السوري للدفاع عن بلادهم ووحدتها وحريتها، وإعادة كل الضباط المنشقين، وتسليمهم قيادة الجيش الوطني، لخوض معركة التحرير".
اقرأ أيضاً: "التايمز": حلب مدينة أشباح يحاصرها التجويع