جوفاني باتيستا بيرانيزي... روما قبل ثلاثمئة عام

16 يوليو 2020
(من المعرض)
+ الخط -

ملأت القصص الخيالية المستوحاة من الأساطير الرومانية والمعتقدات المسيحية نقوش جوفاني باتيستا بيرانيزي التي لا تزال مثبتة على جدران كنائس ومبانٍ تاريخية وسجون، لكنها تبدو خارجة عن زمنها بجرأتها وقدرتها على مزج عناصر لم يتصوّر أحد من قبل أنها قد تجتمع في تحفة فنية.

قدّم الفنان والنقّاش الإيطالي (1720 - 1778) نفسه كخبير آثاري متخصّص بأوابد الحضارة الرومانية وإعادة تأهيلها خلال القرن الثامن عشر، حيث امتلك معرفة استثنائية في أسس العمارة والتصميم الداخلي والفنون أهّلته إلى لأن يبتكر نماذج متكاملة للأبنية التي لا تزال أعماله باقية فيها لليوم.

مع عودة "المتحف البريطاني" في لندن لاستقبال زوّاره بداية الشهر الجاري، أُعيد افتتاح معرض "رسومات بيرانيزي.. رؤى العصور القديمة"، الذي يتواصل حتى التاسع من الشهر المقبل بالتزامن مع مرور ثلاثمئة عام على ميلاد الفنان.

جوفاني باتيستا بيرانيزي - القسم الثقافي
من المعرض

يضمّ المعرض حوالي مئتي نقش ورسومات لم تنل حظها من الانتشار مثل باقي أعماله الطباعية، منها لوحة لروما القديمة، وأخرى لمدينة بومبي التي اكتشفت أطلالها في زمنه، وعدد من المعالم الأثرية التي رسمها خلال تجواله الدائم بين أمكنة شكّلت شغفه وفضاء مهنته في آن.

من بين أبرز اللوحات المقدّمة سلسلة "السجون" التي اشتهر برسمه لمتاهاتها في تلك النماذج التي صُمّمت في العصور القديمة، وعنايته الفائقة بإبراز تفاصيل بنائها الأنيقة والجميلة وتوزيع الإضاءة على سلالمها الملتوية وممراتها الطويلة وسراديبها مضفياً عليها بعداً درامياً رومانسياً، في مفارقة مع وظيفتها الأزلية المتمثّلة بسلب حرية الإنسان.

تعامل بيرانيزي مع الفن بوصفه الطريق الأساس لتغيير الذهنيات كما تلخصّ ذلك مقولته "أحتاج إلى إنتاج أفكار رائعة، وأعتقد أنه إذا تم تكليفي بتصميم عالمٍ جديد، سأكون غاضباً بما يكفي للقيام به".

لم يشتهر بيرانيزي مثل فنانين إيطاليين آخرين، غير أن رسوماته المطبوعة على قطع تذكارية يحتفظ بها ملايين الحجّاج والسيّاح والعلماء والفنانين الذين زاروا روما خلال ثلاثة قرون مضت. وقد كان الفنان الإيطاني متفطّناً إلى ما يبحث عنه زوّار روما من تذكارات، فأنجز الكثير من المطبوعات والنماذج الصغيرة وجعل منها مصدر دخل، حيث وضع منها سلاسل عديدة.

جوفاني باتيستا بيرانيزي
من المعرض

ورغم انحياز بيرانيزي المطلق للفن الروماني بسبب تطوّره ودقّته وإتقانه قياساً بالفنون المعاصرة له، إلا أنه تأثر بفنون أخرى تعكسها تصميماته لمدفأة مصرية، أو استعارته لزخارف يونانية في تزيين العديد من الجدران، ولعناصر مستوحاة من حضارات قامت في إيطاليا في عصور ما قبل الرومان.

يشير بيان المعرض إلى دور بيرانيزي كمرّمم أثري حيث قام بإصلاح أجزاء كنيسة دير القديسة ماري في مزرعة فرسان مالطا بالقرب من العاصمة الإيطالية، كما وضع تصميمات لترميم منابر كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني، لكنه لم يتمكّن من تنفيذها، ولديه العديد من الملاحظات والشروحات حول بناء وزخرفة عدد من المواقع الأثرية.

المساهمون