غادر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو واشنطن في جولة عربية خليجية لمدة أسبوع، تزامنت مع زيارة مهندس السياسة الخارجية مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى إسرائيل وتركيا.
تحرك جاء في أعقاب ما بدا أنه تراجع من جانب الرئيس دونالد ترامب عن قرار الانسحاب المستعجل من سورية، بعد تدخل قيادات من الكونغرس ومن بين كبار معاونيه وإقناعه بالعدول عن الخطوة التي أثارت موجة اعتراضات عارمة وتسببت باستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، والمبعوث الخاص بريت ماكغورك.
لكن يبدو أن عدول ترامب مؤقت، بانتظار ما ستسفر عنه لقاءات بولتون وبومبيو بشأن "بناء تحالفاتنا مع شركائنا في المنطقة"، وفق ما قال هذا الأخير قبل مغادرته واشنطن.
وبدا من كلام الوزير، الذي كان الأوضح حتى الآن بشأن موضوع الانسحاب، أن الإدارة تقوم بتحركها الراهن لوضع ترتيبات إقليمية تضمن نوعاً من الاستمرارية للحالة القائمة في مناطق وجود القوات الأميركية، بعد انسحابها.
لم يفصح الوزير عن طبيعة هذه الترتيبات التي قد تكون ذات طابع عسكري أمني معين، إلا أنه أكد أن جولته "ليست فقط للتطمين"، بل للعمل على "تغييرالتكتيك" في سياق اعتزام الإدارة "سحب قواتنا من سورية بدون التخلي عن مهمتنا".
الكلام نفسه ردده بولتون في إسرائيل، مؤكداً تمسك واشنطن بأهدافها الثلاثة من وجودها في سورية: "اقتلاع داعش، وإخراج القوات الإيرانية، ومواصلة السعي لحل سياسي". لكنه لم يربط تحقيق ذلك ببقاء القوات الأميركية في سورية، كما سبق وشدد عليه في سبتمبر/ أيلول الماضي عندما ربط ذلك بـ"عودة القوات الإيرانية في المنطقة إلى داخل حدود بلادها"، وليس فقط مغادرة سورية.
الآن تغيرت النغمة، وبالرغم من نبرته المتشددة تجاه إيران وضرورة "تعزيز التحالف ضدها في المنطقة"، إلا أن بولتون فصل بين السعي لتحقيق هذا الغرض وبين أهمية وجود القوات الأميركية في سورية، كما سبق له أن قال أكثر من مرة.
الآن يجري التركيز على "البحث في تفاصيل الانسحاب وملابساته". أقر بأن "التحضيرات بدأت لمغادرة القوات الأميركية من شمال شرقي سورية". ويقال إن العملية يلزمها حوالي أربعة أشهر، ليس فقط لوجستياً، بل أيضاً لترتيب الساحة بحيث لا يتكرر السيناريو العراقي، بصورة أو بأخرى.
جزء من هذا الجانب يتعلق بضمان "الحماية للحليف الكردي". مسألة توقفت عندها جهات أميركية من مختلف المواقع، ومنها داخل الإدارة، مثل جون بولتون الذي يلتقي اليوم الثلاثاء الرئيسَ التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة.
ولفت الوزير بومبيو أمس الإثنين إلى أن "الأتراك تعهدوا للرئيس ترامب بعدم المسّ بمن قاتلوا إلى جانبنا بعد رحيلنا من سورية". وقال إن "بولتون يذهب إلى تركيا لبحث كيفية تفعيل هذا الموضوع بعد الانسحاب"، ولوحظ أنه لم يذكر الأكراد بالاسم. إهمال قد يعزز مخاوف جهات أميركية تحذر من تعرضهم لـ"مجزرة" بعد الانسحاب.
الرئيس ترامب حرص على أن يأتي تراجعه عن التنفيذ الفوري لقراره بصيغة ملتبسة. زعم أنه لم يأمر بـ"الانسحاب السريع"، مع أنه كان قد شدد في الإعلان عن قراره الشهر الماضي على وجوب "عودة القوات الآن". لكن تمديد الشهر اقتضته اعتبارات إجرائية ولوجستية وسياسية، على ما بدا من كلام بومبيو، وحتى بولتون الذي بدا وكأنه "ناقض" الرئيس، أو أنه نجح في إقناعه بـ"التراجع كلياً" عن قرار الانسحاب، لكن ما ورد على لسان وزير الخارجية أوضح العكس، فمسألة الانسحاب صارت مسألة وقت محدد، في ظل تراجع شكلي وحراك مريب. فلو كان الرئيس ترامب في وارد البقاء في سورية لما اصطدم معه الوزير جايمس ماتيس وغادر الإدارة.