في 30 مايو/أيار عام 1980 في ويستون، ميرسيسايد في إنكلترا ولد ذاك الطفل الذي يُدعى ستيفن . . نشأ وأحب كرة القدم ليصبح فيما بعد روح ملعب الأنفيلد وملهم الفريق الأحمر والقلب النابض لكل أنحاء مدينة ليفربول . . 17 عاما قضاها متيما في حب الأحمر بداية بالقميص رقم 28 ثم بالرقم 17 ثم بالأسطورة رقم 8، مسيرة حافلة بالمحطات الحزينة التي لا يستحقها وبالمواقف العظيمة التي كان هو أبرز أبطالها . . ستيفن جورج جيرارد هو بطل أحد أجمل القصص النبيلة في كرة إنجلترا.
جينات القائد وكأنها منذ الصغر موجودة فيه . . يوجه وينصح كمدرب داخل الملعب ويزرع الثقة ويطمئن النفوس للمشجع خارجه . . هكذا كان ستيفن مايسترو بموهبة ربانية وبقيادة فطرية يعزف أجمل السيمفونيات، سيمفونيات التألق والإبداع ليفرح الأنصار ويُرقص المحبين على أنغامه الساحرة، فكان أهم صناع الفرح في مسيرة الريدز خلال 17 قضاها في خدمة هذا الشعار.
كرة القدم هي لعبة الشعوب ومتنفسهم وهي لأصحاب الأحلام البسيطة الذين هربوا من ضغوط الحياة وهمومها، ولاذوا بهذا الجلد المنفوخ فأحبوها لبساطتها ولأسمى معانيها . . كرة القدم كانت وما زالت تلك اللعبة النبيلة والنموذج السليم لمن أراد أن يفهمها كما يجب رغم كل شوائبها هذه الأيام، فحقا كان ستيفن جيرارد نبيلا في تصرفاته وسليما في أخلاقه ووفيا طيلة مشواره، فكان له هذا التميز وحُق علينا أن نُثني عليه وأن نحزن لخروجه فأمثاله قليل . . فهو يحاول أن يعبر عن أسمى معاني الأخلاق الإنسانية من وفاء وحب وعدم نكران الجميل بصبغة رياضية تصل إلى أبعد الحدود.
كرة القدم تمثل جزءا كبيرا من حياتنا ما بين قراءة واطلاع ومتابعة ومناقشة لأدق تفاصيلها، فإن هناك بعض القصص فيها تكشف لنا عن معاني مختلفة لكرة القدم، تكون محل تقدير واعتزاز ومحبة بعيدة كل البعد عن فوز وخسارة وتتويج ووصافة للاعبين، تمتعوا بشعبية كبيرة فتأثر بأسلوب تعاطيهم لكرة القدم حياة الكثيرين من متابعيها، فكانت لحظات نكساتهم لا تعني لمن تابعهم وأحبهم شيئا لأنهم بنوا لهم أسلوب حياة مختلفا، ونموذجا لكرة القدم متميزا تفردوا به، فعند أفراحهم ستجد المحبين فخورين بهم وعند إخفاقاتهم ستجدهم لا يكترثون لشيء . . ستيفن جيرارد أحد هؤلاء المتفردين المميزين.
قرابة 700 مباراة خاضها بقميص ليفربول الذي لم يعرف في حياته فريقا غيره، 180 هدفا سجلها وخلدتها شباك مدن أوروبا وملاعبها . . مدربون تغيروا للريدز خلال 17 عاما قضاها في أرجاء الأنفيلد، وبقي جيرارد وفيا للقميص ومحترفا بكل ما للكلمة من معنى رغم تعدد مهامه وتغير مراكزه، فلعب في كل مراكز خط الوسط بدون أي خلافات معهم تُذكر حبا للأحمر واحتراما لمهنته فحقا هو من طينة خاصة جدا . . هو رجل النهائيات الإنجليزي الأول بلا منازع، ولأنه لاعب وسط متأخر نتعجب من كونه سجل في نهائي الأبطال وملحمة إسطنبول الشهيرة، ونهائي الاتحاد الأوروبي ونهائي كأس إنجلترا ونهائي الرابطة والهدف التاريخي ضد الغريم يونايتد . . هو بالفعل لاعب أحبه البسطاء واحترمه الكل.
كرة القدم جميلة في كل أحوالها رغم كل شيء، لكنها قاسية في بعض أحكامها وتدير ظهرها لمن يستحق أن تعطيه كل شيء . . في إيطاليا أدارت ظهرها لباجيو ومالديني في كؤوس العالم، وفي البرازيل امتنعت أن تعطي ظاهرتها ذات الأذنين وبطل مقالي هذا لم يتشرف البريميرليغ بحمله له، فكرة القدم لديها مظاليم ظلمتهم أحكامها، ولكن أحكام متابعيها لا تعرف ظلم من أعطى لكرة القدم كل شيء . . فحقا من يعرف كرة قدم جيدا سيقف احتراما إذا ذُكر جيرارد من أمامه وسيحترم كرة القدم كثيرا لأنها أنجبت مثله.