لعله كان رداً على النكبة وما دُعي بـ "ضياع فلسطين" ذلك الجيلُ من الأعلام في مجالاتهم المعرفية والإبداعية؛ جيل مؤسس اتسم -مع سجايا أخرى- بالعصامية والنزعة الموسوعية ودفع العطاء إلى ذروته.
عشرات الأسماء والوجوه، لرجال ونساء شكلوا وجه الثقافة الفلسطينية المعاصرة وكانوا رافداً خلّاقاً في الثقافة العربية والإنسانية، تحضر الآن مع وجه عيسى بُلّاطه، الناقد والكاتب والمترجم عميق الأثر وشديد التواضع قياساً بمساهماته وجهوده المتصلة وفتوّته المتجددة.
عندما ينظر المرء إلى عيسى بُلّاطه أو إلى بعض أبناء وبنات جيله، يشعر بأنه إزاء جيل لا يشيخ ولا يعرف شيئاً اسمه التقاعد، ولا يتوقف عن متابعة الجديد والكتابة عنه.
أخبرني صديق من جيلي بأنه ما كان ليكون نفسه لولا تعرّفه في يفاعته على كمال بُلّاطه، الفنان والناقد والمؤرخ التشكيلي والشقيق الأصغر لعيسى. قال لي: منه تعلّمت الدقة في العمل ومعنى أن يسكب الفنان ذاتيته في ثقافة شعبٍ ومشروعِ تحرُّره.
وأضاف: تعلّمت منه أن أكون مُحرِّراً مُدقّقاً ومراجعاً متشكّكاً لتفاصيل التفاصيل ولهذا تتعب حين تشتغل معي. وأضاف أن شيئاً لم يؤثر فيه مثل مراجعة كتبها عيسى بُلّاطه عن كتاب له صدرت ترجمته بالإنجليزية، فالناقد الذي واكب جبرا والسيّاب، لم يفته أن يواكب شاعراً من أحفادهما، وأن تلك المراجعة لم تكن سوى درس آخر في الدقة.