فيما يواصل الإعلام المصري، تحريضه المتواصل على كل ما سبق الانقلاب العسكري، في 3 يوليو/تموز من العام الماضي، شاءت الأقدار أن تمتد يد هذا الإعلام، لتعبث بملفات سياسية ما كان لها أن تتطرق إليها خدمةً للنظام المصري الحالي. لكن السحر انقلب على الساحر، فزج بقيادة عليا في المخابرات المصرية، في السجن، وكشف حقائق عدة، لم يكن مقصوداً كشفها.
كان لحكم المحكمة العسكرية الصادر على وكيل جهاز المخابرات العامة السابق، ثروت جودة، بالسجن سنةً، بسبب نشر "أخبار تمس الأمن القومي في حوار صحافي مع صحيفة مصرية"، أثر شديد الدلالة على تعاطي النظام المصري الحالي، مع كل ما يخص النظام السابق بالخير أو الشر.
جودة، تم نقله بالفعل لسجن ليمان طره، بتهمة نشر أخبار تمس الأمن القومي، نشرتها له صحيفة "الوطن المصرية" بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول الماضي، وقال فيها "إن جهاز المخابرات العامة المصرية، لم يعط شيئاً حقيقياً للرئيس المعزول محمد مرسي..."، وأضاف "اللواء رأفت شحاتة يوم تولى مسؤولية الجهاز صلى ركعتين واستغفر الله، لأنه سينسى القَسم الذي حلفه أمام مرسي لأن هذا الحلفان مش بتاعنا".
يذكر أن التحقيق مع جودة أجري منذ أشهر عدة بناءً على مذكرة تقدّمت بها المخابرات العامة المصرية، بعدما وُجِّهت له تهمة الإضرار بالأمن القومي للبلاد من خلال نشر معلومات وأخبار مغلوطة عن القوات المسلحة والمخابرات.
ودار جدل واسع على خلفية الحوار الذي نشرته "الوطن"، واعتبرت الجهات السيادية أن تصريحات وكيل المخابرات السابق "غير مسؤولة". بعدها اضطر جودة، لإصدار بيان اتهم فيه "الوطن"، بـ "عدم مراعاة مصلحة الوطن، في نشر تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين المحررة"، كما قدم اعتذاراً لزملائه وقادة الجيش والمخابرات.
وهو الأمر الذي أغضب الجريدة، ونشرت في اليوم التالي، تكذيباً لبيان جودة، مهددة إياه بنشر التسجيل الصوتي للحوار، إذا لم يعتذر عما ورد بحق الجريدة في بيانه.
ونشرت "الوطن" بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول، "تراجع اللواء ثروت جودة، وكيل جهاز المخابرات السابق، عن حواره مع جريدة "الوطن"، الذي أجرته الزميلة منى مدكور، وأثار جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية والعربية. ونشر جودة على صفحته الخاصة على فيسبوك بياناً يتهم فيه "الوطن"، ورئيس التحرير مجدي الجلاد، والزميلة منى مدكور، بعدم مراعاة مصلحة الوطن في نشر الحوار. ورفضت "الوطن" في ردها الاتهامات الموجهة إليها، مؤكدة أنه "حال عدم اعتذاره عما كتبه ضد الجريدة، فإنها بصدد نشر التسجيل الصوتي كاملاً على البوابة الإلكترونية، تأكيداً لمصداقية الجريدة أمام قرائها".
لم يقف الجدل حول حوار جودة مع "الوطن" عند هذا الحد، بل خرج رئيس جهاز المخابرات خلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، اللواء رأفت شحاتة، ليقول إن ثروت جودة لا يحمل رتبة "لواء" ولم يكن وكيلا للمخابرات، بل خرج من الجهاز برتبة عميد في 2006.
ولكن، بعيداً عن كل ما قيل أو ما سيقال في هذا الشأن، خصوصاً أنه من المتوقع أن يتم الطعن بالحكم في مرحلته المقبلة، يبقى الشعب المصري أمام حقيقة واضحة وهي أن "إحالة المحكمة العسكرية اللواء ثروت جودة للمحاكمة وإصدار حكم عليه بالحبس سنةً، يعني أنها تأكدت من صحة ما جاء في الحوار سواء من خلال التحقيقات أو من خلال الاستماع للتسجيل الصوتي للحوار مع الجريدة"، بحسب الكاتب الصحافي المصري، جمال سلطان.
وأضاف سلطان "ما قاله جودة ليس جديداً، بل سبق أن قاله آخرون في صورة تصريحات مبعثرة، ولكن جودة هو الوحيد الذي كانت تصريحاته خطيرة لأنه جمع كل شتات التصريحات المبعثرة في هذا الشأن، ووضعها في نسق وسياق واحد، يؤكد أن أجهزة الدولة المصرية لم تتعاون مع الرئيس المعزول، محمد مرسي، بل حرصت على تضليله".
وبحسب الكاتب الصحافي، فإن هذه الواقعة، تعد الأولى من نوعها، بل هي أيضاً "فريدة"، أن تحال قيادة عليا برتبة لواء في المخابرات العامة أو أية جهة سيادية إلى المحاكمة على خلفية نشر أخبار للصحافة والإعلام.