31 اغسطس 2018
حجج المفلسين
بشير الكبيسي (العراق)
بُعيد انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية تسعينيات القرن العشرين، وقد كان العدو الأول للمعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بدأ الغرب في البحث على عدوٍ جديد، ليبررَ لشعوبه التدخلات السافرة في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى، واعتمد الغرب على سياسة التمويه لإقناع الناس، إذ دأب على بث الخوف والقلق في نفوسهم حتى يكسب تأييدهم.
وجد الغرب ضالته، عقب أحداث 11 سبتمبر الإرهابية في أميركا. فالعدو الجديد الذي سيحرّك آلة الحرب ومؤسسات الإعمار هو الإسلام والمسلمون الإرهابيون، وهذه السياسة اعتمدت كلّ الاعتماد على أطروحات صموئيل هتنغتنون حوّل "صراع الحضارات".
تأكيداً لهذه السياسة الكولونيالية، قرّرت إدارة بوش الابن شنّ حربٍ على أفغانستان والعراق، ومن ثم جاء الرئيس بابارك أوباما، ليتورط في كلٍّ من سورية وليبيا واليمن، وهذا ما يؤكد أنّ الغرب يحارب الإسلام والمسلمين، ولا يُريدُ الخيرَ لهم!
السطور الآنفة الذكر، تشكل "الأحجية" التي يتحفنا بها قوميون في كلِّ يوم، عبَر القنوات الفضائية والإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية والبحوث والدراسات والكتب الخاوية الوفاض، رداً على سؤالٍ يطرحُ دائماً، حوّل الأسباب التي تقف وراء الانحطاط والتخلف والرجعية والفساد والدمار والأمية التي تعاني منها المنطقة؟
نعم الغرب فعل هذا كله، ولكن المغالطة في هذه الحجج إنّ الغرب "العلماني" لا يهمه الإسلام ولا المسلمون، ما يهمه مصالحه، وبمّا أنّ مصالحه تقتضي التوّسع وفتح الأسواق وغزو الأمم المتخلفة، وبما أنّنا متخلفون ورجعيون، وقعت الكولونيالية علينا، ولم تقع على أممٍ خرجت من قوقعة الدول التي تربض خارج التاريخ الحضاري والإنساني.
ثمّة شواهد تعاني منها المنطقة، تضع النقاط على الحروف، وتفنّد أطروحات القوميين، ومَنْ على شاكلتهم، وتبيّن أننا فتحنا الأبواب للدول الرأسمالية التي يُعدُّ فتح الأسواق البدائية، حتى ولو بالـ "قوة" هدفاً رئيسيّاً لها، وهذه المسؤولية نتحملها نحن، ولا بدّ من مواجهتها، والتأكد من أنّ مدينة إفلاطون الفاضلة لا مكان لها في هذا العالم الفوضوي.
تتسم الأمم المتخلفة ببعض السمات المشتركة في كلِّ زمانٍ ومكان، منها: غلبة الزراعة وبدائية أساليبها (حتى هذه السمة لم تعد مصدر قوةٍ لنا على الرغم من توفر المياه!)؛ نقص الغذاء؛ ضعف الصناعة؛ تضخم القطاع التجاري، تدني مستوى الدخل القومي؛ تأخر البنى الاجتماعية؛ التمسّك المتزمت بالدين؛ التأثر بالعادات والتقاليد الرجعية؛ الفساد؛ التفاوت الكبير بين جمهورٍ مدقع الفقر وقلة فاحشة الغنى؛ عدم وجود طبقات متوسطة؛ الاختلاف الكبير في أساليب عيش المدن والريف؛ مستوى الأمية؛ كثرة الولادات؛ كثرة الوفيات.
ألا يعلم القوميون هذه المؤشرات؟ لماذا نضع اللوم على الغرب في وقتٍ فتحنا له الأبواب على مصراعيها؟ أننتظر منه الخير في هذا العالم المشؤوم؟ أننتظر من أحدٍ أن يخرجنا من معاناتنا؟ لماذا نحمّل غيرنا سبب تخلّفنا وهمجيتنا؟ لماذا لا نتحمّل المسؤولية، ونطلق العنان للتغيير والتجديد الحقيقيين؟ ألا نتساءل أين هم المبدعون والمفكرون والمثقفون والعلماء العرب؟ أليس نحن مَنْ وصفناهم بأبشع النعوت؟ كم مِن مصلحٍ أراد الخيرَ لهذه الأمة صُلب أو هُجر أو أُسكت عنوةً ؟ ألا يتحمّل الحكام مسؤولية تخلّف شعوبهم؟ أليسوا هم مشاركون في المؤامرة؟ أليسوا هم الطبقة المستفيدة من الامتيازات الكبيرة؟
الكارثة الأخطر هي الرضى العام على ديماغوجية السلطة من السواد الأعظم، فحين يعيش المرء في عالمٍ ساكن يُعدُّ فيه الظلم والشقاء من المصائب الطبيعية التي لا سبيل إلى تحاشيها، فإنّه يتحمّل هذا الظلم وهذا الشقاء. ولكنه لا يتحملهما هذا التحمّل، حين يتعلّم تعليماً حقيقيّاً، وينشأ ببيئةٍ صالحة تتقبّل الانفتاح وتشجّع على التسامح، وتحفظ الكرامة وتشجع على حرية الرأي والتعبير، في وسع المرء أن يأمل أن يزداد العدل وأن يقل الشقاء.
لا أتوقع في المستقبل المنظور أن تتغيّر هذه الأوضاع المحبطة، ولكن لا أتوقع، في الوقت نفسه، أن يستمرَ الوضع على ما هو عليه، على الأقل إذا ما عقدنا العزم على التغيير الحقيقي، هكذا علمنا التاريخ على مرِّ العصور. علينا أن لا نفقدَ الأمل في رؤية الشمس.
وجد الغرب ضالته، عقب أحداث 11 سبتمبر الإرهابية في أميركا. فالعدو الجديد الذي سيحرّك آلة الحرب ومؤسسات الإعمار هو الإسلام والمسلمون الإرهابيون، وهذه السياسة اعتمدت كلّ الاعتماد على أطروحات صموئيل هتنغتنون حوّل "صراع الحضارات".
تأكيداً لهذه السياسة الكولونيالية، قرّرت إدارة بوش الابن شنّ حربٍ على أفغانستان والعراق، ومن ثم جاء الرئيس بابارك أوباما، ليتورط في كلٍّ من سورية وليبيا واليمن، وهذا ما يؤكد أنّ الغرب يحارب الإسلام والمسلمين، ولا يُريدُ الخيرَ لهم!
السطور الآنفة الذكر، تشكل "الأحجية" التي يتحفنا بها قوميون في كلِّ يوم، عبَر القنوات الفضائية والإذاعات والصحف والمواقع الإلكترونية والبحوث والدراسات والكتب الخاوية الوفاض، رداً على سؤالٍ يطرحُ دائماً، حوّل الأسباب التي تقف وراء الانحطاط والتخلف والرجعية والفساد والدمار والأمية التي تعاني منها المنطقة؟
نعم الغرب فعل هذا كله، ولكن المغالطة في هذه الحجج إنّ الغرب "العلماني" لا يهمه الإسلام ولا المسلمون، ما يهمه مصالحه، وبمّا أنّ مصالحه تقتضي التوّسع وفتح الأسواق وغزو الأمم المتخلفة، وبما أنّنا متخلفون ورجعيون، وقعت الكولونيالية علينا، ولم تقع على أممٍ خرجت من قوقعة الدول التي تربض خارج التاريخ الحضاري والإنساني.
ثمّة شواهد تعاني منها المنطقة، تضع النقاط على الحروف، وتفنّد أطروحات القوميين، ومَنْ على شاكلتهم، وتبيّن أننا فتحنا الأبواب للدول الرأسمالية التي يُعدُّ فتح الأسواق البدائية، حتى ولو بالـ "قوة" هدفاً رئيسيّاً لها، وهذه المسؤولية نتحملها نحن، ولا بدّ من مواجهتها، والتأكد من أنّ مدينة إفلاطون الفاضلة لا مكان لها في هذا العالم الفوضوي.
تتسم الأمم المتخلفة ببعض السمات المشتركة في كلِّ زمانٍ ومكان، منها: غلبة الزراعة وبدائية أساليبها (حتى هذه السمة لم تعد مصدر قوةٍ لنا على الرغم من توفر المياه!)؛ نقص الغذاء؛ ضعف الصناعة؛ تضخم القطاع التجاري، تدني مستوى الدخل القومي؛ تأخر البنى الاجتماعية؛ التمسّك المتزمت بالدين؛ التأثر بالعادات والتقاليد الرجعية؛ الفساد؛ التفاوت الكبير بين جمهورٍ مدقع الفقر وقلة فاحشة الغنى؛ عدم وجود طبقات متوسطة؛ الاختلاف الكبير في أساليب عيش المدن والريف؛ مستوى الأمية؛ كثرة الولادات؛ كثرة الوفيات.
ألا يعلم القوميون هذه المؤشرات؟ لماذا نضع اللوم على الغرب في وقتٍ فتحنا له الأبواب على مصراعيها؟ أننتظر منه الخير في هذا العالم المشؤوم؟ أننتظر من أحدٍ أن يخرجنا من معاناتنا؟ لماذا نحمّل غيرنا سبب تخلّفنا وهمجيتنا؟ لماذا لا نتحمّل المسؤولية، ونطلق العنان للتغيير والتجديد الحقيقيين؟ ألا نتساءل أين هم المبدعون والمفكرون والمثقفون والعلماء العرب؟ أليس نحن مَنْ وصفناهم بأبشع النعوت؟ كم مِن مصلحٍ أراد الخيرَ لهذه الأمة صُلب أو هُجر أو أُسكت عنوةً ؟ ألا يتحمّل الحكام مسؤولية تخلّف شعوبهم؟ أليسوا هم مشاركون في المؤامرة؟ أليسوا هم الطبقة المستفيدة من الامتيازات الكبيرة؟
الكارثة الأخطر هي الرضى العام على ديماغوجية السلطة من السواد الأعظم، فحين يعيش المرء في عالمٍ ساكن يُعدُّ فيه الظلم والشقاء من المصائب الطبيعية التي لا سبيل إلى تحاشيها، فإنّه يتحمّل هذا الظلم وهذا الشقاء. ولكنه لا يتحملهما هذا التحمّل، حين يتعلّم تعليماً حقيقيّاً، وينشأ ببيئةٍ صالحة تتقبّل الانفتاح وتشجّع على التسامح، وتحفظ الكرامة وتشجع على حرية الرأي والتعبير، في وسع المرء أن يأمل أن يزداد العدل وأن يقل الشقاء.
لا أتوقع في المستقبل المنظور أن تتغيّر هذه الأوضاع المحبطة، ولكن لا أتوقع، في الوقت نفسه، أن يستمرَ الوضع على ما هو عليه، على الأقل إذا ما عقدنا العزم على التغيير الحقيقي، هكذا علمنا التاريخ على مرِّ العصور. علينا أن لا نفقدَ الأمل في رؤية الشمس.