30 أكتوبر 2024
حراك الجزائريين.. آن للعقل أن يقرّر المستقبل
ما زال الحوار بين المتظاهرين والسلطة في الجزائر حوار طرشان، وما زالت المسافة بينهما بعيدة، حيث يغرّد كل منهما في وادٍ، في حين أن الوضع حساس، ويحتاج، بعد قرابة خمسة أسابيع من التظاهر، إلى نقاط تقاطع متوفرة، ولكنها تحتاج إلى معطيين حيويين، في أية مفاوضات، أو إدارة أزمة سياسية، إلى تنازلات وتسويات، وهما الثقة والقبول بالتسويات، لأن السياسة فن الممكن، وأن أيّ أزمة/ صراع منتهاه إلى الحل (بل حلول، وفق ما قاله قائد الأركان الجزائري).
هناك ملاحظات أساسية يمكن الحديث عنها، كونها منطلقات تؤسّس للحوار وتؤطّره، وصولا إلى قبول الأطراف بما تنتهي إليه المفاوضات. وأولى هذه الملاحظات وجوب توفّر ضمانات قبول الأطراف بوسيلة المفاوضات/ الحوار، ميكانيزمات التنازلات والتسويات، لأن ذلك كله أساس إدارة أي شد وجذب داخل إطار العائلة الواحدة والمنافحة عن مصالحها، وهي، هنا، الجزائر.
وقد برزت إلى الأفق، منذ أيّام، وما زالت تبرز، أسماء شخصيّات لها من رصيد نظافة اليد، الكفاءة، المصداقية، عدم الانخراط في الفعل السياسي المنتقد، حاليا، والقدرة على فرض قواعد ثقة وأساسيات تسوية/ تنازل على مختلف الفرقاء والفاعلين، ومن هذه الشخصيات من هو جاهز للإشراف في هذه العملية التفاوضية، ومنها من تجاوز الجاهزية، وأصدر بيانا ينظر إليه على أنه ميثاق انطلاق عملية حوارية، منطلقا من الثقة، الأساسيات والثوابت التي على أساسها يتم الحفاظ على استقرار الجزائر، ويحدث التغيير الجذري.
وقد تكون النّقطة الخاصّة بالمخاطر (المخاوف) المحدقة بالحراك، أساسياته، مطالبه ومنتهاه، على المستويين، الداخلي والخارجي، إضافة إلى مختلف أبعاده، الاقتصادية، الاجتماعية،
الاستراتيجية، الأمنية والسياسية، نقطة حيوية، يتحدث بشأنها العارفون (الكفاءات) بتلك الشؤون، قصد فتح أعين الجميع على مخارج، تحول دون تلك المخاطر، أو تحدّ من حجمها، وصولا إلى تحقيق التغيير من دون التضحية بتلك الأساسيات.
لماذا الحديث عن المخاطر في زمن مفصلي انتظرناه منذ عقود، بل منذ الاستقلال؟ تكمن الإجابة في حساسية الإشكالات التي تضمنتها بعض المبادرات التي برزت، من هنا وهناك، لحل الأزمة، والتي برزت، من خلالها، ما حاولت التظاهرات تلافيه، منذ انطلاقها في 22 فبراير/شباط الماضي، وهي تلك المتصلة بالفيدرالية، بمشروع المجتمع، من دون الأخذ في الحسبان فسيفساء التركيبة الأيديولوجية للبلاد، إضافة إلى طبيعة الشخصيات التي سيكون على عاتقها قيادة الجزائر في المرحلة المقبلة.
يجب الاعتراف، من ناحية أخرى، بأن الجوار الإقليمي مهتمّ بما يجري في الجزائر، بالنظر إلى موقع البلاد الجيوسياسي، ارتباطاتها الاقتصادية، خصوصا في مجال الطاقة، وأيضا بسبب الحالة الحساسة للإقليم المغاربي - الساحلي وأزماته، خصوصا الأمنية منها.
على هذا، العقل مدعو إلى أن يكون القائد للمرحلة المقبلة، استكمالا لنهج السلمية والحضارية التي اتسمت به الهبّة الشعبية إلى الآن، والتي على الجميع البناء عليها، لإيجاد مخارج وحلول، منها العاجلة ومنها الآجلة، والعودة بالبلاد إلى سكّة مشروع البداية: بناء الجمهورية الثانية.
العجيب، في الجزائر، أن الجميع معترفٌ بوجود أزمة سياسية، ومتّفق على أن ثمّة إرادة للخروج منها، بل هناك اتّفاق حتى على الميكانيزمات والآليات. وتبقى، هنا، إرادة الجلوس للتفاوض بشأن إعمال تلك الميكانيزمات والآليات. لكن، وبما أنّ النّظام هو الإشكالية، فإن مرافقته تكون فقط بالرجوع. وقد تحدّث عن ذلك قائد الأركان، في خطابه يوم 26 مارس/آذار الجاري، عن غطاء الدستور، مع التأكيد، هنا، أنّ لنص المادة 102 قراءتين، حرفية وروحية.
إعمال المادة 102 من الدستور، بإعلان شغور منصب الرئاسة، هو الحل الأنسب، ولكن ليس بالقراءة الحرفية للمادة، لأنّ ذلك يوحي بأن النظام سيكون مرافقا للمرحلة الانتقالية، بل قائدا لها، وهو المرفوض شعبيا، من خلال الحراك، ومن المعارضة، بعد أن أصدرت نقاطها السبع لمعارضة خريطة الرئاسة. أمّا القراءة الأخرى للمادة الدستورية، والتي تستدعي روح نصّها، فإنّها تترك الوقت الكافي (قرابة الشهر قبل نهاية عهدة الرئيس الحالي في 27 إبريل/نيسان المقبل) للتفاوض بشأن ميكانيزمات، آليات، والنّخب التي عليها قيادة المرحلة المفصلية المقبلة، والتي ستلي رحيل النظام القائم.
وقد يكون مفيدا، هنا، الإشارة إلى التفسير العلمي لشعار "ترحلوا قاع" (ترحلون جميعا)،
والذي يشير إلى مقاربة سوسيولوجية، أي فتح الباب، واسعا، أمام تجديد النخب ودورانها، فيما تشير المقاربة السياسية إلى تمثيلية أكبر، وبتوازن لكل فئات الجزائريين. وقد يكون هذا التفسير باب القراءة لروح المادة 102 من الدستور، والتي يطالب بها الجزائريون منذ بدء الحراك في 22 فبراير/شباط الماضي، أي "رحيل النظام" برموزه، آلياته وميكانيزمات عمله، والتي أثبتت فشلها في تسيير الشأن العام منذ الاستقلال.
يمكن لكلّ ما تمّ ذكره إذا تجسّد على أرض الواقع، رفع صورة الجزائر عاليةً، كونها دولة مؤسّسات، ودولة تحترم القانون، إضافة إلى تشكيل ذلك برمّته منطلق مشروع تبوؤ المكانة الإقليمية اللائقة ببلدٍ في حجم الجزائر. وقد تحدّثت نظريات الانتقال الديمقراطي، بالنسبة للموجة الثالثة، عن مقارباتٍ، منها المتحدث عنها هنا، وهي الاتفاق بين النظام والنخب التي أنتجها الحراك، وتزخر بها المعارضة والنخب النظيفة وذات الكفاءة الموجودة داخل مؤسسات الدولة الجزائرية، على الانتقال السلس للسلطة. ومن خلال آليات وميكانيزمات، يتم الاتفاق بشأنها بعد إعمال المادة 102 من الدستور، إذ ينادي الجميع بأعلى صوته إلى الاحتكام لدولة القانون، وفي مقدمها الدستور الموجود حاليا، على الرغم من نقائصه، والتي ستعمل المرحلة الانتقالية على تعديلها، لتصبح نقاط قوة في إطار عملية التغيير وبناء الجمهورية الثانية.
هناك مجال رحب للحراك، يمكن أن يستغلّه، وهو تلك المبادرات التي تبرز، والتي على الجميع البناء عليها، لتشكيل أرضية لملفات تفاوضية قادمة، على أن تكون بثوابت تضبطها تلك الشخصيات التي تكون الضامن، من خلال عاملي الثقة والمصداقية، لمخارج الأزمة وتسيير المرحلة الانتقالية، بداية، ثم المرور إلى مرحلة تصوّر جزائر المستقبل المنظور، المتوسط والبعيد.
استطاع الحراك، إلى الآن، الاجتماع على الشعارات الجامعة، وتحت راية واحدة، هي العلَم الوطني، قصد تحقيق هدف واحد، هو تغيير النظام، في إطار من السّلمية والحضارية، رافقته مؤسسات الأمن في ذلك، ما يدلّ على أن البلاد تملك حلولا للأزمة، وليس حلا واحدا، بعد الاتّفاق، طبعا، على التطبيق الفعلي للمادة 102، وبالقراءة الروحية لنصّها. مع محاذير أن الكلّ يجب أن يتم تحت العين الحارسة للمبادئ والثوابت الوطنية، بضمان تلك الشخصيات ذات الرصيد الكبير من الثقة والمصداقية، وهم كثيرون ينتظرون النداء للتلبية.
الحذر ثم الحذر من إيلاء الأهمية لمواقع التواصل الاجتماعية، ونذر الشؤم التي تحاول تفريق ما جمعته الجُمُع الأربع. فالجزائر تعيش، منذ "بيان أول نوفمبر" في 1954، برصيد ثوابت حرّرت الأرض، وتريد، الآن، استكمال مشروع تحرير الإنسان، الإنسان الجديد، لعلّه الجيل الرقمي الذي سيمرّر له المشعل، في انتظار أن يرينا همته في العمل، وكفاءته في الأداء، من أجل جزائر تجمع ولا تفرّق، وتزدهر بكل أبنائها.
إنه المستقبل المنشود لاستقرار البلاد، وهي مرحلة العقل، بعد إفلات المارد من عقاله، مارد التغيير الذي سيعمل العقل على إرجاعه إلى القمقم، وترك الكفاءات ورجالات ونساء الجزائر تبني الجمهورية الثانية، وإنّ غدا لناظره لقريب، قريب جدا.
هناك ملاحظات أساسية يمكن الحديث عنها، كونها منطلقات تؤسّس للحوار وتؤطّره، وصولا إلى قبول الأطراف بما تنتهي إليه المفاوضات. وأولى هذه الملاحظات وجوب توفّر ضمانات قبول الأطراف بوسيلة المفاوضات/ الحوار، ميكانيزمات التنازلات والتسويات، لأن ذلك كله أساس إدارة أي شد وجذب داخل إطار العائلة الواحدة والمنافحة عن مصالحها، وهي، هنا، الجزائر.
وقد برزت إلى الأفق، منذ أيّام، وما زالت تبرز، أسماء شخصيّات لها من رصيد نظافة اليد، الكفاءة، المصداقية، عدم الانخراط في الفعل السياسي المنتقد، حاليا، والقدرة على فرض قواعد ثقة وأساسيات تسوية/ تنازل على مختلف الفرقاء والفاعلين، ومن هذه الشخصيات من هو جاهز للإشراف في هذه العملية التفاوضية، ومنها من تجاوز الجاهزية، وأصدر بيانا ينظر إليه على أنه ميثاق انطلاق عملية حوارية، منطلقا من الثقة، الأساسيات والثوابت التي على أساسها يتم الحفاظ على استقرار الجزائر، ويحدث التغيير الجذري.
وقد تكون النّقطة الخاصّة بالمخاطر (المخاوف) المحدقة بالحراك، أساسياته، مطالبه ومنتهاه، على المستويين، الداخلي والخارجي، إضافة إلى مختلف أبعاده، الاقتصادية، الاجتماعية،
لماذا الحديث عن المخاطر في زمن مفصلي انتظرناه منذ عقود، بل منذ الاستقلال؟ تكمن الإجابة في حساسية الإشكالات التي تضمنتها بعض المبادرات التي برزت، من هنا وهناك، لحل الأزمة، والتي برزت، من خلالها، ما حاولت التظاهرات تلافيه، منذ انطلاقها في 22 فبراير/شباط الماضي، وهي تلك المتصلة بالفيدرالية، بمشروع المجتمع، من دون الأخذ في الحسبان فسيفساء التركيبة الأيديولوجية للبلاد، إضافة إلى طبيعة الشخصيات التي سيكون على عاتقها قيادة الجزائر في المرحلة المقبلة.
يجب الاعتراف، من ناحية أخرى، بأن الجوار الإقليمي مهتمّ بما يجري في الجزائر، بالنظر إلى موقع البلاد الجيوسياسي، ارتباطاتها الاقتصادية، خصوصا في مجال الطاقة، وأيضا بسبب الحالة الحساسة للإقليم المغاربي - الساحلي وأزماته، خصوصا الأمنية منها.
على هذا، العقل مدعو إلى أن يكون القائد للمرحلة المقبلة، استكمالا لنهج السلمية والحضارية التي اتسمت به الهبّة الشعبية إلى الآن، والتي على الجميع البناء عليها، لإيجاد مخارج وحلول، منها العاجلة ومنها الآجلة، والعودة بالبلاد إلى سكّة مشروع البداية: بناء الجمهورية الثانية.
العجيب، في الجزائر، أن الجميع معترفٌ بوجود أزمة سياسية، ومتّفق على أن ثمّة إرادة للخروج منها، بل هناك اتّفاق حتى على الميكانيزمات والآليات. وتبقى، هنا، إرادة الجلوس للتفاوض بشأن إعمال تلك الميكانيزمات والآليات. لكن، وبما أنّ النّظام هو الإشكالية، فإن مرافقته تكون فقط بالرجوع. وقد تحدّث عن ذلك قائد الأركان، في خطابه يوم 26 مارس/آذار الجاري، عن غطاء الدستور، مع التأكيد، هنا، أنّ لنص المادة 102 قراءتين، حرفية وروحية.
إعمال المادة 102 من الدستور، بإعلان شغور منصب الرئاسة، هو الحل الأنسب، ولكن ليس بالقراءة الحرفية للمادة، لأنّ ذلك يوحي بأن النظام سيكون مرافقا للمرحلة الانتقالية، بل قائدا لها، وهو المرفوض شعبيا، من خلال الحراك، ومن المعارضة، بعد أن أصدرت نقاطها السبع لمعارضة خريطة الرئاسة. أمّا القراءة الأخرى للمادة الدستورية، والتي تستدعي روح نصّها، فإنّها تترك الوقت الكافي (قرابة الشهر قبل نهاية عهدة الرئيس الحالي في 27 إبريل/نيسان المقبل) للتفاوض بشأن ميكانيزمات، آليات، والنّخب التي عليها قيادة المرحلة المفصلية المقبلة، والتي ستلي رحيل النظام القائم.
وقد يكون مفيدا، هنا، الإشارة إلى التفسير العلمي لشعار "ترحلوا قاع" (ترحلون جميعا)،
يمكن لكلّ ما تمّ ذكره إذا تجسّد على أرض الواقع، رفع صورة الجزائر عاليةً، كونها دولة مؤسّسات، ودولة تحترم القانون، إضافة إلى تشكيل ذلك برمّته منطلق مشروع تبوؤ المكانة الإقليمية اللائقة ببلدٍ في حجم الجزائر. وقد تحدّثت نظريات الانتقال الديمقراطي، بالنسبة للموجة الثالثة، عن مقارباتٍ، منها المتحدث عنها هنا، وهي الاتفاق بين النظام والنخب التي أنتجها الحراك، وتزخر بها المعارضة والنخب النظيفة وذات الكفاءة الموجودة داخل مؤسسات الدولة الجزائرية، على الانتقال السلس للسلطة. ومن خلال آليات وميكانيزمات، يتم الاتفاق بشأنها بعد إعمال المادة 102 من الدستور، إذ ينادي الجميع بأعلى صوته إلى الاحتكام لدولة القانون، وفي مقدمها الدستور الموجود حاليا، على الرغم من نقائصه، والتي ستعمل المرحلة الانتقالية على تعديلها، لتصبح نقاط قوة في إطار عملية التغيير وبناء الجمهورية الثانية.
هناك مجال رحب للحراك، يمكن أن يستغلّه، وهو تلك المبادرات التي تبرز، والتي على الجميع البناء عليها، لتشكيل أرضية لملفات تفاوضية قادمة، على أن تكون بثوابت تضبطها تلك الشخصيات التي تكون الضامن، من خلال عاملي الثقة والمصداقية، لمخارج الأزمة وتسيير المرحلة الانتقالية، بداية، ثم المرور إلى مرحلة تصوّر جزائر المستقبل المنظور، المتوسط والبعيد.
استطاع الحراك، إلى الآن، الاجتماع على الشعارات الجامعة، وتحت راية واحدة، هي العلَم الوطني، قصد تحقيق هدف واحد، هو تغيير النظام، في إطار من السّلمية والحضارية، رافقته مؤسسات الأمن في ذلك، ما يدلّ على أن البلاد تملك حلولا للأزمة، وليس حلا واحدا، بعد الاتّفاق، طبعا، على التطبيق الفعلي للمادة 102، وبالقراءة الروحية لنصّها. مع محاذير أن الكلّ يجب أن يتم تحت العين الحارسة للمبادئ والثوابت الوطنية، بضمان تلك الشخصيات ذات الرصيد الكبير من الثقة والمصداقية، وهم كثيرون ينتظرون النداء للتلبية.
الحذر ثم الحذر من إيلاء الأهمية لمواقع التواصل الاجتماعية، ونذر الشؤم التي تحاول تفريق ما جمعته الجُمُع الأربع. فالجزائر تعيش، منذ "بيان أول نوفمبر" في 1954، برصيد ثوابت حرّرت الأرض، وتريد، الآن، استكمال مشروع تحرير الإنسان، الإنسان الجديد، لعلّه الجيل الرقمي الذي سيمرّر له المشعل، في انتظار أن يرينا همته في العمل، وكفاءته في الأداء، من أجل جزائر تجمع ولا تفرّق، وتزدهر بكل أبنائها.
إنه المستقبل المنشود لاستقرار البلاد، وهي مرحلة العقل، بعد إفلات المارد من عقاله، مارد التغيير الذي سيعمل العقل على إرجاعه إلى القمقم، وترك الكفاءات ورجالات ونساء الجزائر تبني الجمهورية الثانية، وإنّ غدا لناظره لقريب، قريب جدا.