يمثل هذا الحراك الدبلوماسي استدارة واضحة في بوصلة السياسة الخارجية لحكومة الرئيس حسن روحاني نحو الشرق، خصوصا الجيران، محكوما بمعطيات فرضت نفسها بقوة عليها، بعد فشل الاتفاق النووي كأهم ثمار لهذه السياسة خلال ولاية روحاني الأولى في معالجة إشكاليات العلاقات الإيرانية مع الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص. وأخرج هذا الفشل الذي نتج بالأساس عن موقف الغرب، وبالذات واشنطن من الاتفاق، موضوع العلاقات معه من أولوية السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية.
كما أن رأس هرم السلطة في إيران، أي المرشد الإيراني علي خامنئي، الذي لديه نظرة تشاؤمية جدا تجاه الغرب بشكل عام، كان قد دعا الحكومة الإيرانية، في فبراير/شباط 2018، إلى "ضرورة تفضيل الشرق" عند حديثه عن أولويات العلاقات الخارجية الإيرانية.
جولات ظريف
وفي هذا السياق، تأتي جولات وزير الخارجية الإيراني، خلال الأشهر الأخيرة، فبعد ما أنهى، في السابع عشر من الشهر الجاري، جولة شملت كلا من تركمانستان والهند واليابان والصين، أطلق، الخميس الماضي، جولة أخرى كانت باكستان محطتها الأولى، والعراق هو المحطة الثانية. فيما سيبدأ مساعده للشؤون السياسية، عباس عراقجي، الأحد، جولة إقليمية تشمل كلا من عمان والكويت وقطر، لبحث التطورات الأخيرة في المنطقة والعلاقات الثنائية، بحسب وكالات أنباء إيرانية.
ويُستشف من جملة تصريحات أدلى بها ظريف، خلال جولاته الإقليمية الأخيرة، أنها تأتي بدوافع أربعة: الأول، حشد الدعم السياسي لبلاده في مواجهة التصعيد الأميركي. والثاني، البحث عن منافذ اقتصادية لتفادي آثار العقوبات الأميركية "القاسية" وحث الدول على الإبقاء على علاقاتها الاقتصادية مع طهران. والثالث، هو شرح المواقف والسياسات الإيرانية حول التطورات الأخيرة في المنطقة، فيما يتعلق بالأزمة مع الإدارة الأميركية وحلفائها الإقليميين.
أما الدافع الرابع فهو شرح القرارات الإيرانية "المرحلية" التي أعلنت عنها بلاده، لتقليص تعهداتها تجاه الاتفاق النووي على مرحلتين، وحث المجتمع الدولي على "القيام بواجباته" تجاه هذا الاتفاق للحفاظ عليه.
زيارة العراق
وصل ظريف، مساء السبت، إلى العاصمة العراقية بغداد، وسط تصاعد الأزمة مع الولايات المتحدة الأميركية من جهة، والحديث عن وساطة عراقية إلى جانب وساطات أخرى لعمان وسويسرا وقطر من جهة أخرى، تهدف كلها إلى تخفيف حدة الاحتقان والحيلولة دون خروج الأوضاع عن السيطرة.
وبحسب بيان أصدره مكتب رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، فإنه استقبل وزير الخارجية الإيراني، مساء السبت، على مأدبة إفطار.
وأضاف البيان أنه "جرى خلال اللقاء بحث العلاقات بين العراق وإيران، ومتابعة الملفات التي اتفق عليها الطرفان في زيارتي الرئيس روحاني إلى العراق ورئيس مجلس الوزراء إلى إيران".
كما أكد أن اللقاء ناقش "الأوضاع الإقليمية والدولية وكيفية تجنيب البلدين والمنطقة أضرار العقوبات ومخاطر الحرب، مع التأكيد على أهمية الأمن والاستقرار للمنطقة، وكيفية الإبقاء على الاتفاق النووي وكل ما فيه مصلحة البلدين والشعبين وشعوب المنطقة".
وبحسب المصادر الإيرانية، من المقرر أن يلتقي ظريف، اليوم الأحد، بالرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، على أن يلتقي أيضا بنظيره العراقي محمد علي الحكيم، من ثم يعقدان مؤتمرا صحافيا، وفقا لما أورده بيان للخارجية العراقية.
زيارة باكستان
وكان ظريف قد وصل، الخميس الماضي، إلى باكستان، الجارة الشرقية لإيران، في زيارة هي الثالثة له بعد فوز رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في الانتخابات التشريعية خلال يوليو/تموز 2018. واستغرقت زيارة ظريف الأخيرة يومي الخميس والجمعة، التقى خلالها وزير خارجية باكستان شاه محمود قريشي، ورئيس المجلس الوطني أسد قيصر، وقائد الجيش قمر جاويد باجوا.
وانطلق ظريف نحو زيارته إلى باكستان من ميناء جابهار الإيراني الاستراتيجي، جنوب شرقي البلاد، في تأكيد على أن الاقتصاد يتصدر أجندة زيارته هذه، سعيا من الدبلوماسية الإيرانية إلى تفادي العقوبات الأميركية بالقدر المتاح، فضلا عن وجود عناوين أخرى، أمنية وسياسية للزيارة.
وفي السياق، أكد الوزير الإيراني، في تغريدة على "تويتر" بعد ختام زيارته لإسلام آباد، أنه أجرى "مباحثات هامة" مع المسؤولين الباكستانيين الأربعة، معتبرا أن محاورها تمثلت في "الأمن الإقليمي، وربط المراكز الاستراتيجية للبلدين ببعضها، خصوصا ميناءي جابهار (الإيراني) وغوادر (الباكستاني)".
وختم ظريف تغريدته بالقول إن "الجيران في الأولوية"، في تأكيد على ما ذهب إليه التقرير في مطلعه.