وقال مسؤول عراقي يُعرف بقربه من عبد المهدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأخير أوعز لثلاثة مسؤولين في حكومته للتحرّك في وساطة لإيقاف التصعيد الأميركي ــ الإيراني لخطورته المباشرة على البلاد أمنياً"، موضحاً أنّ المسؤولين هم وزير الخارجية محمد علي الحكيم، ورئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، ومستشار الأمن الوطني رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، المعروف بقربه من طهران.
ووفقاً للمسؤول نفسه، فإنّ "الأميركيين والإيرانيين على حدّ سواء فهموا أنّ العراق يرغب أن يكون حلقة وصل بينهما في الوقت الحالي، لتقريب وجهات النظر، ومنع وصول رسائل خاطئة لكلا الطرفين، خصوصاً أنّ هناك طرفا ثالثا يحاول جر المنطقة إلى الحرب"، على حد وصفه. وأكّد أنه "تمّ التواصل بشكل فعلي مع مسؤولين أميركيين وإيرانيين بهذا الصدد، كما تم عقد لقاءات مع سفراء دول غربية وأوروبية عدة، أبرزها بريطانيا وفرنسا، لإطلاعهم على الحراك الحالي من قبل العراقيين".
ولفت المسؤول إلى أنّ "إيران رحبت بمسألة توسّط العراق لحلّ مشكلتها مع الولايات المتحدة، وتعتقد أنها لن تجد جاراً أكثر ثقة منه"، معتبراً أنّ "زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو المفاجئة إلى بغداد الأسبوع الماضي، فتحت باب الوساطة العراقية كونها أدخلت البلاد في الأزمة الحالية بشكل أو بآخر".
من جهته أكّد مسؤول عراقي آخر صحّة هذه المعلومات، لكنه قال إنّ "العراق لم يلمس أي حماسة من الولايات المتحدة بالوقت الحالي، غير أنها أوصلت تحذيرات لإيران ولمن تسميهم أذرعها في العراق"، مضيفاً أنّ "الوساطة ليست محاولة من بغداد لأداء دور إقليمي، بل لتجنيب العراق سيناريو قد يكون أسوأ من اجتياح داعش للبلاد عام 2014، في حال تم توجيه ضربة لإيران".
واعتبر المسؤول نفسه أنّ إعلان سلطنة عمان عن إعادة افتتاح سفارتها في بغداد "قد يكون لأجل توحيد الجهود بعد أن علمت بالمساعي العراقية للتهدئة، وهو ما تسعى إليه مسقط حالياً ضمن محور عقلاء المنطقة"، على حد تعبيره. وأعلنت سلطنة عمان الأحد الماضي، أنها ستعيد فتح سفارتها في بغداد بعد نحو ثلاثة عقود من إغلاقها، إبان الغزو العراقي للكويت عام 1990، بحسب ما جاء في بيان لوكالة الأنباء العمانية الحكومية. وهو ما رحبت به بغداد على لسان وزير خارجيتها محمد الحكيم، الذي اعتبر أنّ الخطوة "تؤشر على تطوّر إيجابي في الحضور العربي، مما يساهم في تعزيز العمل المشترك".
ولفت المسؤول نفسه الذي تحدث مع "العربي الجديد" إلى أن وزير الخارجية العراقي "لديه تخويل من رئيس الحكومة للقيام بمهمة الوساطة، فيما الإيرانيون ليس لديهم أي شروط سوى العودة إلى الاتفاق النووي السابق". وكانت وزارة الخارجية العراقية أعلنت في بيانين متتاليين، أمس، عن إجراء الحكيم اتصالين هاتفيين، الأوّل مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، والثاني مع وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية عادل الجبير.
وقالت الوزارة في البيان الأوّل إنّ "الحكيم أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، وبحث الجانبان العلاقات الثنائية، وسبل تطويرها بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين"، مضيفةً أنّ "الجانبين بحثا أيضاً آخر التطورات الإقليمية والدولية التي تحظى باهتمام بلديهما". وفي وقت لاحق، أصدرت وزارة الخارجية بياناً آخر، قالت فيه إنّ "الحكيم أجرى اتصالاً آخر مع وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية عادل الجبير"، وأضافت أنّ "الجانبين بحثا خلال الاتصال آفاق الارتقاء بالعلاقات الثنائيَّة إلى ما يلبّي مصالح الشعبين الشقيقين"، موضحةً أنه "علاوة على ذلك ناقش الجانبان آخر التطورات بالمنطقة، وسبل الحفاظ على الأمن والاستقرار".
في موازاة ذلك، قال فالح الفياض، مستشار الأمن الوطني وأحد الشخصيات الثلاثة الذين تصدروا حراك الوساطة، في تصريح لوكالة أنباء إيرانية، أخيراً، إنّ "الحكومة العراقية كانت واضحة منذ الأيام الأولى لأزمة العقوبات، بأنها ضدها، ولن نكون جزءاً منها أبداً، بل نحن ملتزمون بالتعامل مع إيران، وبتعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية والاجتماعية". وفي ما يتعلق بزيارة بومبيو إلى بغداد، اعتبر الفياض أنّ "الأميركيين قلقون من احتمال ردود فعل إيرانية، وجاءوا إلى بغداد لكي يطمئنوا إلى عدم نيتهم القيام بعمل عسكري".
من جهته، قال عضو التيار الصدري والنائب السابق حاكم الزاملي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الصراع بين إيران وأميركا لا يشملهما فقط، وإنما يشمل المنطقة برمتها، وقد يحرق الجميع إذا تحوّل إلى مناوشات عسكرية"، موضحاً أنّ "الولايات المتحدة تمتلك قواعد ووجودا واضحا وسفارة كبيرة في العراق، أما الإيرانيون، فهم متواجدون أيضاً في العراق وسورية ولبنان ومناطق أخرى مثل اليمن، وأي رصاصة تُطلق من أحد الطرفين، ستحوّل المنطقة إلى ساحة لمآسي ضخمة".
وتابع الزاملي أنّ "الوضع الحالي يتطلّب وجود قوة عراقية مؤثرة، للضغط على الأميركيين وإبعاد العراق عن الحرب"، مضيفاً أنه "إلى حدّ الآن لا توجد هذه القوة". وأكّد أنه "لا بدّ من وجود دور عربي أيضاً لإبعاد أي ضربة أميركية للمصالح الإيرانية في المنطقة، لأنّ ذلك سيكون قاسياً على كل البلدان التي فيها مصالح لطهران، فضلاً عن أنّ الأخيرة ستستخدم كل وجودها في العراق وفصائلها الموالية لها في المنطقة، وأسلحتهم، لضرب المصالح الأميركية في البلدان العربية ودول الخليج". ولفت إلى أنّ "المخاطر حقيقة وليست مجازية، لأن واشنطن تحدثت بمصطلحات حربية، منها الهدنة والتفاوض، ناهيك عن تهديدها بالبارجات والمعدات الثقيلة، وتعزيز وجودها في المياه والبحار الإقليمية".
بدوره، رأى الباحث العراقي واثق الهاشمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الولايات المتحدة تتخوّف من وساطة العراق بسبب الولاءات المتعددة للخارج"، مؤكداً أنه "إذا تمكّنت بغداد من إقناع واشنطن بأنها لا توالي أحداً، فسيكون الحوار بين إيران والولايات المتحدة برعاية عراقية، أمراً ليس مستحيلاً". وأشار الهاشمي إلى أنّ "إيران صامتة حالياً وهي تراقب جهود العراق للتوسّط، ومرحّبة بهذه الخطوات، وأكبر دليل على ذلك أنها خفّفت من حدة تصريحات الجماعات الموالية لها داخل العراق، لأنها تعبت كثيراً من الحصار". ولفت إلى أنه مع ذلك، "الولايات المتحدة تريد أن تجرّ إيران لمفاوضات، ولكن بشروط أميركية، بينما طهران متخوفة من أن تكون الشروط قاسية. لذلك هي تنتظر ما سيُقدمه العراق أو دول أخرى تريد لعب الوساطة من تأثيرات على الجانب الأميركي، من خلال الاجتماعات السرية، وتلقّي وتوصيل الرسائل".