ينشغل الفرنسيون بمتابعة الأزمات التي تطغى على المشهد السياسي في ظل تحديات تواجه الدولة ككل، ويتوقع أن يتطرق إليها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، اليوم الخميس في مؤتمره الصحافي، فضلاً عن أزمات أخرى حزبية تتركز داخل "الاتحاد من أجل حركة شعبية". وتتعلق بشكل أساسي بالخيارات المستقبلية التي اتخذها الحزب، ولا سيما بعد أن حقق اليمين المتطرف فوزاً جديداً في الانتخابات الجزئية التي جرت الأحد الماضي في مدينة دوبس وهي تقليدياً من معاقل اليسار التاريخية.
ويأتي المؤتمر الصحافي للرئيس الفرنسي، اليوم الخميس، بعد مرور قرابة شهر على العمليات الإرهابية التي وقعت في قلب باريس وبدأت باستهداف مجلة "شارلي ايبدو"، ويتوقع أن يتطرق هولاند خلاله إلى سلسلة مواضيع دولية وأوروبية وداخلية.
وتفيد مصادر مقربة من هولاند أنه "يتهيأ للإعلان عن سلسلة مواقف وأنه استخلص العبر من الأحداث المأساوية، لكنه في نفس الوقت لا يمكن له إلا أن يثمن عالياً ردة الفعل الشعبية التي ساهمت في ارتفاع شعبيته، وأيضاً ردة الفعل الدولية ومشاركة ممثلين دوليين قَدِموا إلى "عاصمة العالم"".
وسيتناول هولاند موضوع الحرب على الإرهاب، والأوضاع في العراق وسورية والساحل الأفريقي، فضلاً عن مؤتمر البيئة التي تستضيفه باريس أواخر هذا العام.
أما داخلياً، فمن المتوقع أن يعلن الرئيس الفرنسي عن بعض الإجراءات في مجالات التعليم، ومنها سلسلة من الإصلاحات في المدارس.
موضوع آخر أيضاً سيكون حاضراً، وهو التعايش بين الطوائف والقضايا التي تعانيها الضواحي في فرنسا. والأخير موضوعٌ حسّاس يدرك هولاند أنه ينبغي للسلطات معالجته بشكل أفضل نظراً لأهميته وكونه موضوعاً طارئاً، فضلاً عن أنه لطالما ظل يشكل قنبلة يمكن أن تنفجر في أية لحظة.
ولن يغيب الموضوع الاجتماعي عن المؤتمر الصحافي لهولاند، فموضوع البطالة، التي لم تتوقف معدلاتها عن الارتفاع، وآخرها الشهر الماضي، سيكون مطروحاً بقوة، في ضوء توقعات الفرنسيين المزمنة لحلول جدية للخروج من هذه الأزمة الكارثية.
خلافات الاتحاد من أجل حركة شعبية
في هذه الأثناء، يتطلع الفرنسيون لمعرفة مصير الخلافات داخل اليمين الفرنسي، وتحديداً التقليدي الممثل بحزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الذي يشهد صراعات حادة بين كوادر الحزب وقيادييه، ولا سيما بين كل من نيكولا ساركوزي وآلان جوبيه وفرانسوا فيّون وبرونو لومير. وتندرج الصراعات في إطار المواجهة مع حزب "الجبهة الوطنية". وتعول "الجبهة" كثيراً على الحصول على أصوات ناخبي اليمين التقليدي الذين خابت توقعاتهم من هذه الصراعات الداخلية، مستفيدةً من انقسامات حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية".
وقد بلغت النقاشات الدائرة داخل الحزب ذروتها، الثلاثاء الماضي، أثناء اجتماع المكتب السياسي. وساد الجدل حول الخيارات المستقبلية للحزب، في ظل مخاوف منها الوقوع في فخ التحالف، إمّا مع "الجبهة الوطنية" وإمّا مع الحزب الاشتراكي.
وأظهر اللقاء حالة الانقسامات الحادة بشأن خيارات الحزب والانعكاسات السلبية للغاية الناتجة عن معركة ساركوزي – جوبيه، والتي قد تقضي على الحزب برمته.
وكان ساركوزي قد وصف الأجواء بالخطيرة، محذّراً في الاجتماع من "أن الحزب سينفجر". وهو ما يشير إلى أن لحظات "الوحدة الوطنية" التي أعقبت اعتداءات باريس الأخيرة قد أصبحت في ذمّة الماضي.
وكان موقف كل من رئيس الوزراء الأسبق آلان جوبيه، ومنافس ساركوزي، والوزيرة السابقة ناتالي كوسيسكو موريزي، قد أثارا تساؤلات عقب إعلانهما أنهما سيصوتان للحزب الاشتراكي في الدورة الثانية في الانتخابات البرلمانية الجزئية، والتي سيتنافس فيها مرشحٌ اشتراكي وآخَر من حزب مارين لوبين. وقالت موريزي، التي سبق لها أن أصدرت في السابق كتاباً نقديّاً عن حزب الجبهة الوطنية "سأصوت للحزب الذي يعارض الجبهة الوطنية، التي تشوه صورة فرنسا".
ورأت بعض كوادر الحزب أن "موقف جوبيه، المُعارض بقوة لأطروحات ساركوزي بشأن الدورة الثانية للانتخابات الجزئية في دوبس، الأحد المقبل، من شأنه أن يعمّق الانقسام داخل الحزب الذي يعاني من وضع حرج".
ويؤكد أحد كوادر حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، لـ"العربي الجديد" أن القرار الذي توصل إليه أعضاء الحزب يتمثل في اعتماد استراتيجية بعدم التصويت للجبهة الوطنية أو للحزب الاشتراكي على حد سواء، وذلك ضد رأي نيكولا ساركوزي وآلان جوبيه وناتالي كوسيسكو موريزي، يُظهر أن أعضاء الحزب نجحوا في فرض آرائهم رافضين بذلك "الاختيار بين الجبهة الوطنية والحزب الاشتراكي".
كما يشير مسؤول في الحزب لـ"العربي الجديد" إلى أن "ساركوزي أمضى يوماً صعباً للغاية، الثلاثاء، وأن ما حدث منذ أيام في دوبس شكّل ضربة له، في وقت تشتد فيه المعركة، بالنسبة له، وفي وقت يحاول فيه رئيس الجمهورية السابق لمّ شمل العائلة السياسية".
فضائح السياسيين
إلى ذلك، تصدرت فضائح الساحة السياسية المشهد الفرنسي، ومن بينها البدء بمحاكمة الوزير السابق دومينيك سترواس ـ كان في ظل تفاعلات الاتهامات بالفضائح الجنسية الموجهة إليه، فضلاً عن فضيحة الأمين العام السابق لحزب الاتحاد من أجل "حركة شعبية"، جان فرانسوا كوبيه، المتهم بالفساد والذي اضطر إلى الاستقالة منذ أشهر.