حراك هولاند الدبلوماسي... تمنيات صعبة التحقيق

02 سبتمبر 2014
كلام هولاند غير قابل للتنفيذ (آلان جوكارد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
قبل عام تماماً كان الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند، يطلق تهديدات أمام مؤتمر السفراء الفرنسيين بمعاقبة النظام السوري الذي تخطى "الخط الأحمر باستخدامه السلاح الكيماوي". وبعد يومين من ذلك الخطاب تراجعت الولايات المتحدة عن احتمال استخدام القوة في سورية، وعادت البوارج والطائرات الفرنسية المقاتلة التي كانت أصبحت على أهبة الاستعداد.

وإذا كان تراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما، وإحجام بريطانيا عن المشاركة بأي عمل عسكري بعد رفض مجلس اللوردات، قد جعلا هولاند يتخلى عن فكرة القيام منفرداً بعمل ضد النظام السوري إلا أنه لم يتخل عن قناعته بضرورة استخدام القوة.

وها هو الرئيس الفرنسي بعد سنة تماماً، وأمام السفراء نفسهم يكرر القول بضرورة لي ذراع النظام السوري، ويرفض أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد شريكاً في أي عمل ضد الإرهاب عموماً و"الدولة الإسلامية" تحديداً.

هذه المرة لم يقع هولاند في خطأ الالتحاق بالسياسة الأميركية التي تبدو أنها غير مستقرة بعد على قرار نهائي بشأن سورية. فقد استبق هولاند وعن تجربة غياب الرؤية عن الإدارة الأميركية، لكنه لم ينتظر أكثر من 12 ساعة ليأتيه الجواب من نظيره الأميركي بأن واشنطن لا تملك إستراتيجية حتى الآن لمهاجمة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية.

خطاب هولاند أمام سفراء بلاده كان بمثابة خريطة طريق للعمل الدبلوماسي، وربما العسكري من سورية إلى العراق وليبيا وغزة وأوكرانيا ومالي. أراد هولاند التذكير بموقع فرنسا التاريخي المدافعة عن حقوق الإنسان، وعن الحريات والمبادئ الأخلاقية تحت سقف الشرعية الدولية وتحت غطاء الأمم المتحدة.

التوجه نفسه كرره وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، في ختام كلمته أمام مؤتمر السفراء، بتلميحه إلى أن الحرب الأميركية البريطانية على العراق، والأميركية في أفغانستان أسفرتا عن تشتت تنظيم "القاعدة" وانتشاره في دول عدة، وأصبحت سورية مرتعاً للإرهاب. ولم يغفل دور الأسرة الدولية في مواجهة كل هذه الأخطار، بما يعني العودة أيضاً إلى مؤسسات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

ومن المعروف أن الرئيس في فرنسا هو الذي يحدد السياسة الخارجية، وأن وزير الخارجية يتولى التنفيذ. وما قاله هولاند وفابيوس، الذي احتفظ للمناسبة بحقيبته الوزارية في الحكومة الجديدة، يؤكد على حقيقة لا حاجة للتذكير بها: هناك تقدم واضح لخط التطرف، وأوروبا كما المجتمع الدولي ليسا في منأى من خطر هذه الجماعات.

لم يعد هولاند ينتظر من أصدقائه البريطانيين ولا الأميركيين أي إشارة للتحرك، لكنه أراد في خطابه حول السياسة الخارجية الإيحاء باستعادة المبادرة وتحديد خياراته وفقاً لمبادئ ومصالح فرنسا، مع العلم أنه لم يغب عن بال أحد أن هذا الدور تراجع كثيراً في ضوء حدود هامش الدبلوماسية الفرنسية والتي تجاوزتها أزمات المنطقة.

وترتسم في الشرق الأوسط معالم حدود جديدة، غير تلك التي رسمها الفرنسيون والبريطانيون في معاهدة سايكس – بيكو، أو الحدود التي تم رسمها مجدداً وتحديداً في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

وهناك الأزمة في أوكرانيا التي يرى هولاند أن هيبة أوروبا في مواجهة روسيا تتوقف إلى حد بعيد على ما ستؤول إليه الأوضاع في منطقة القرم، فالتدخل العسكري الروسي إذا صح غير مقبول بالنسبة لهولاند ووزير خارجيته، ليحتمي مجدداً بمجلس الأمن الذي لا يمكن أن يقبل بما يحصل.

وفي خضم انشغال الأسرة الدولية بالوضعين العراقي والأراضي الفلسطينية المحتلة، جاء خطاب هولاند أمام السفراء ليضع أولوية تحركه في ليبيا، ربما لأنها المساحة الأوسع المتاحة حالياً أمام فرنسا بعد مالي .

وفي سياق تعدد الأزمات تطرح ليبيا تحدياً جديداً للدبلوماسية الفرنسية "لأن الإرهاب سينتشر في المنطقة إذا لم نفعل شيئاً في ليبيا" كما قال هولاند. فباريس إلى جانب بريطانيا، ربما، هي القوة الأوروبية الوحيدة التي قد تتحرك عسكرياً في مرحلة ما في ليبيا.

وأثار تعامل هولاند مع العدوان على غزة أكثر من سؤال، كونه تجاوز الخطوط الحمراء لسياسة فرنسا الخارجية من خلال انحيازه لإسرائيل، وطريقة معالجته هذا الملف داخلياً أيضاً ومنع التظاهرات المنددة بالعدوان، واعتبار الاتهامات ضد إسرائيل معاداة السامية.

منذ وصوله إلى قصر الأليزيه في مايو/أيار عام 2012 بدأ هولاند يكتشف خبايا السياسة الخارجية التي كان بعيداً عنها، ولم تكن تستهويه من قبل. وها هو اليوم يؤكد أنه على كل الجبهات الساخنة لأن الدستور يجعل من تحديد السياسة الخارجية مضماراً خاصاً بالرئيس، ولأن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.

ارتدى هولاند في النصف الثاني من عهده الذي أطلقه بتشكيل حكومة جديدة ثياب المدافع عن القضايا الكبرى، وعن السلام في العالم فهو القائل "في مواجهة الأمور الطارئة لا بد من التحرك، في محاولة لاسترجاع ما فقدته فرنسا من رصيد دولي وهيبة في التعامل مع الأزمات" .

لكن هذا التحرك الدبلوماسي الذي أكد عليه وصفه بالضروري والطارئ، حين قال "فرنسا تتحرك دائماً في الطليعة". هذه مجرد كلمات اختارها الرئيس الفرنسي في حديثه أمام السفراء لا تستند إلى الواقع لا من قريب أو بعيد، وتبقى أمنيات يصعب تحقيقها فهو لا يملك الإمكانات ولا القدرة ولا الوسائل لتنفيذ أي من هذه العناوين الذي تطرق إليها.

ويعرف سفراء فرنسا في الخارج أن ما سمعوه من هولاند، وما ورد في رسالته أمر غير قابل للتنفيذ في وقت يعاني فيه من شعبية منخفضة وأزمة اقتصادية خانقة لم تشهدها فرنسا من قبل، وبعدما اضطر لإجراء التعديل الحكومي الثاني خلال أشهر، وفي ضوء الانقسامات الحادة السائدة داخل عائلته السياسية "الحزب الاشتراكي" ووسط انقسامات أغلبيته.