بعد مائة عام من مفاوضات سايكس/بيكو، وتقسيم الوطن العربي في العراق وبلاد الشام بين الإمبراطوريتين المستعمرتين، المملكة المتحدة وفرنسا، نرى أنفسنا نعود إلى تلك المرحلة من جديد. وثبت علينا القول إن الذين لا يتعلمون من دروس التاريخ يُحكم عليهم أن يعيشوه ثانية.
هل هنالك حرب طاحنة باردة في العالم يجري بموجبها تقسيم البلدان المفككة إلى مناطق نفوذ لخدمة القوى الكبرى الحالية؟ هكذا تبدو الأمور من منظور عالمنا العربي، على الأقل في نظر الذين يعيشون في دول صغيرة.
يقول الاقتصاديون إن كبر حجم المؤسسة يجعل من الصعب تركها لتفلس، وذلك لأن كلفة ذلك الحدث أكبر ضرراً من كلفة دعمها ومنحها فرصة للاستمرار. أما المؤسسات الصغيرة، فإن وقوعها أسهل، وكلفتها أقل.
وهذا ما حدث تماماً عندما تبنت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، "رزمة الإنقاذ الاقتصادي" عام 2008 بكلفة تقارب 800 مليار دولار، ذهبت معظمها إلى البنوك والشركات المالية الكبرى التي كانت على حافة الإفلاس، أما كثير من الشركات الصغيرة فقد غرقت من دون أن يتذكّرها أحد.
يقابل هذه الحالة الاقتصادية لدى الدول العظمى حالة سياسية، حيث تكثر المطامع، وتوضع الاستراتيجيات، ويكبر التنافس الدامي وتزداد حدته، وتتعقد المفاوضات إلى حين الوصول إلى اتفاقات. ويذكرنا عنوان مايلزكوبلاند الشهير (لعبة الأمم) بما يجري في منطقتنا حالياً.
هنالك صراع واضح بين أنصار اللونين، الأخضر والأسود، كما يقول الأمير الحسن بن طلال، في محاضرةٍ له حول مستقبل "منظومة الطاقة والمياه". يرمز الأخضر إلى البيئة وتحديد انبعاث الغازات الضارة. ويرمز الأسود إلى النفط والطاقة النووية. وانتصار أي فريق يعني أن ترليونات من الدولارات ستدخل جيبه.
قد ينعكس تراجع الدور المحوري للنفط في اقتصاد العالم، كسلعة استراتيجية وكمصدر ضخم للأموال، على مكانة الدول المصدرة هذه المادة. ولذلك، تراها تسارع إلى وضع الخطط البديلة لتنويع اقتصاداتها، وتبني صناعاتٍ يكون النفط فيها مادة أولية، بدلاً من أن يكون سلعة طاقة.
أما الدول التي تركّز على الطاقة المتجددة، كالشمس والرياح والحرارة الأرضية والماء، فهي تأمل أن تنجز تقدماً علمياً تكنولوجياً، يمكّنها من الهيمنة على مصادر الطاقة المتجددة، وإن لم تتوفر لديها بقدرٍ كافٍ إن وجدت طريقةً لتخزين الطاقة المتجددة، وتنظيم التيار الكهربائي، وتحقيق استقراره واستدامته، فإن هؤلاء قد ينتصرون، ويحققون لأنفسهم مكانة دولية.
اقــرأ أيضاً
والإرهاب الذي يتولد من بين صفوف الأمة العربية والأقطار الإسلامية، يُستفاد منه في تفتيت قدراتها وهدر أموالها وفرصها وقتل أبنائها وتشتيت جموعها، تفقد مع الوقت دورها، ويصبح الاستغناء عنها أمراً سهلاً وقليل الكلفة.
إذا اجتمعت المصالح الاقتصادية الكبرى، وتحالفت مع حالة التشتت والإرباك، يصبح تقاسم المناطق والشعوب وخيراتهما أمراً متاحاً، وهذا هو حالنا في الوقت الراهن.
إن صورة الطاقة ومصادرها لم تحسم بعد. فما يزال للنفط والغاز قيمة كبرى، مصدرين أساسيين للطاقة. ولا يمكن لأحد أن يتخيل إمكانية الاستغناء عنهما بشكل كبير قبل مرور ربع قرن. لذلك، تشكل اكتشافات النفط والغاز في البحر المتوسط عاملاً أساسياً في الصراع في المنطقة.
لا مانع من أن يكون لدى روسيا في تدخلها لحسم النزاع لصالح الرئاسة السورية الحالية أهداف ثانوية أخرى، مثل قتل الشيشان المشاركين مع جبهة النصرة و"داعش"، أو ضمان استرداد قروضها المستحقة على سورية، أو الحصول على ميناء في البحر المتوسط. ولكن الطاقة المختزنة تحت أعماق البحر أمر مهم جداً لها.
والولايات المتحدة التي حققت إنجازاً نفطياً كبيراً عبر "الفراكنغ"، أو تحطيم الصخور تحت الأرض لتجميع النفط والغاز الموجود في أماكن متعددة أو عن طريق استغلال الصخر الزيتي، وصلت إلى ما نسميه الاعتماد الذاتي. وهي تملك الطاقة النووية. ولذلك، تضاءل اهتمامها بالنفط. ولكن، ليس إلى الحد الذي تسمح له فيه بالتحول لصالح الصين، أو حتى أوروبا.
أما ألمانيا والدول الأوروبية الكبرى المستوردة للنفط والغاز، والصين معها، فهي تسعى إلى تحقيق أمنها في الطاقة عن طريق تطوير الطاقة المتجددة. وتسعى الصين كذلك إلى تأمين مصادرها النفطية من الاستثمارات التي ضختها في هذا القطاع في بعض الدول الأفريقية واللاتينية والآسيوية.
وتريد الدول العربية التي سلمت من نتائج الربيع العربي والأحداث المروعة التي أعقبته أن تبني لنفسها دوراً. وجاءت زيارة ملك السعودية، سلمان بن عبدالعزيز، مصر لدعم التواصل الفعلي والإنساني والمعنوي بين البلدين، وما حصل نتيجة الزيارة التاريخية تبادل منافع، فالسعودية تقدم المال والمشاريع وفرص العمل لمصر المتعثرة اقتصادياً، والسعودية تجد في مصر حليفاً هي بحاجة إليه. واتفاق الاثنين قد يوغر صدر بعضهم عليهما، لكنه يجعلهما أعز منالاً وأصعب على الآخرين أن يحطموهما.
وماذا عن باقي دول الخليج؟
وجدت سلطنة عمان لها دوراً بالبقاء خارج الصراع في الجزيرة العربية، وخارج التنافس السعودي الإيراني، وفي اليمن تحديداً. وحافظت دولة الإمارات على علاقاتها مع إيران كما فعلت الكويت، ووقفت ضد جماعة الإخوان المسلمين، وساندت التحالف بقيادة السعودية بكل ما تستطيع. وفعلت البحرين الشيء نفسه في ظل الصراع السني الشيعي الكامن حالياً.
تشهد السنوات المقبلة تحديات، وما تزال نتائج الحلول السلمية في العراق وسورية مفتوحة على احتمالات كثيرة. وهذا بحث يطول.
اقــرأ أيضاً
هل هنالك حرب طاحنة باردة في العالم يجري بموجبها تقسيم البلدان المفككة إلى مناطق نفوذ لخدمة القوى الكبرى الحالية؟ هكذا تبدو الأمور من منظور عالمنا العربي، على الأقل في نظر الذين يعيشون في دول صغيرة.
يقول الاقتصاديون إن كبر حجم المؤسسة يجعل من الصعب تركها لتفلس، وذلك لأن كلفة ذلك الحدث أكبر ضرراً من كلفة دعمها ومنحها فرصة للاستمرار. أما المؤسسات الصغيرة، فإن وقوعها أسهل، وكلفتها أقل.
وهذا ما حدث تماماً عندما تبنت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، "رزمة الإنقاذ الاقتصادي" عام 2008 بكلفة تقارب 800 مليار دولار، ذهبت معظمها إلى البنوك والشركات المالية الكبرى التي كانت على حافة الإفلاس، أما كثير من الشركات الصغيرة فقد غرقت من دون أن يتذكّرها أحد.
يقابل هذه الحالة الاقتصادية لدى الدول العظمى حالة سياسية، حيث تكثر المطامع، وتوضع الاستراتيجيات، ويكبر التنافس الدامي وتزداد حدته، وتتعقد المفاوضات إلى حين الوصول إلى اتفاقات. ويذكرنا عنوان مايلزكوبلاند الشهير (لعبة الأمم) بما يجري في منطقتنا حالياً.
هنالك صراع واضح بين أنصار اللونين، الأخضر والأسود، كما يقول الأمير الحسن بن طلال، في محاضرةٍ له حول مستقبل "منظومة الطاقة والمياه". يرمز الأخضر إلى البيئة وتحديد انبعاث الغازات الضارة. ويرمز الأسود إلى النفط والطاقة النووية. وانتصار أي فريق يعني أن ترليونات من الدولارات ستدخل جيبه.
قد ينعكس تراجع الدور المحوري للنفط في اقتصاد العالم، كسلعة استراتيجية وكمصدر ضخم للأموال، على مكانة الدول المصدرة هذه المادة. ولذلك، تراها تسارع إلى وضع الخطط البديلة لتنويع اقتصاداتها، وتبني صناعاتٍ يكون النفط فيها مادة أولية، بدلاً من أن يكون سلعة طاقة.
أما الدول التي تركّز على الطاقة المتجددة، كالشمس والرياح والحرارة الأرضية والماء، فهي تأمل أن تنجز تقدماً علمياً تكنولوجياً، يمكّنها من الهيمنة على مصادر الطاقة المتجددة، وإن لم تتوفر لديها بقدرٍ كافٍ إن وجدت طريقةً لتخزين الطاقة المتجددة، وتنظيم التيار الكهربائي، وتحقيق استقراره واستدامته، فإن هؤلاء قد ينتصرون، ويحققون لأنفسهم مكانة دولية.
والإرهاب الذي يتولد من بين صفوف الأمة العربية والأقطار الإسلامية، يُستفاد منه في تفتيت قدراتها وهدر أموالها وفرصها وقتل أبنائها وتشتيت جموعها، تفقد مع الوقت دورها، ويصبح الاستغناء عنها أمراً سهلاً وقليل الكلفة.
إذا اجتمعت المصالح الاقتصادية الكبرى، وتحالفت مع حالة التشتت والإرباك، يصبح تقاسم المناطق والشعوب وخيراتهما أمراً متاحاً، وهذا هو حالنا في الوقت الراهن.
إن صورة الطاقة ومصادرها لم تحسم بعد. فما يزال للنفط والغاز قيمة كبرى، مصدرين أساسيين للطاقة. ولا يمكن لأحد أن يتخيل إمكانية الاستغناء عنهما بشكل كبير قبل مرور ربع قرن. لذلك، تشكل اكتشافات النفط والغاز في البحر المتوسط عاملاً أساسياً في الصراع في المنطقة.
لا مانع من أن يكون لدى روسيا في تدخلها لحسم النزاع لصالح الرئاسة السورية الحالية أهداف ثانوية أخرى، مثل قتل الشيشان المشاركين مع جبهة النصرة و"داعش"، أو ضمان استرداد قروضها المستحقة على سورية، أو الحصول على ميناء في البحر المتوسط. ولكن الطاقة المختزنة تحت أعماق البحر أمر مهم جداً لها.
والولايات المتحدة التي حققت إنجازاً نفطياً كبيراً عبر "الفراكنغ"، أو تحطيم الصخور تحت الأرض لتجميع النفط والغاز الموجود في أماكن متعددة أو عن طريق استغلال الصخر الزيتي، وصلت إلى ما نسميه الاعتماد الذاتي. وهي تملك الطاقة النووية. ولذلك، تضاءل اهتمامها بالنفط. ولكن، ليس إلى الحد الذي تسمح له فيه بالتحول لصالح الصين، أو حتى أوروبا.
أما ألمانيا والدول الأوروبية الكبرى المستوردة للنفط والغاز، والصين معها، فهي تسعى إلى تحقيق أمنها في الطاقة عن طريق تطوير الطاقة المتجددة. وتسعى الصين كذلك إلى تأمين مصادرها النفطية من الاستثمارات التي ضختها في هذا القطاع في بعض الدول الأفريقية واللاتينية والآسيوية.
وتريد الدول العربية التي سلمت من نتائج الربيع العربي والأحداث المروعة التي أعقبته أن تبني لنفسها دوراً. وجاءت زيارة ملك السعودية، سلمان بن عبدالعزيز، مصر لدعم التواصل الفعلي والإنساني والمعنوي بين البلدين، وما حصل نتيجة الزيارة التاريخية تبادل منافع، فالسعودية تقدم المال والمشاريع وفرص العمل لمصر المتعثرة اقتصادياً، والسعودية تجد في مصر حليفاً هي بحاجة إليه. واتفاق الاثنين قد يوغر صدر بعضهم عليهما، لكنه يجعلهما أعز منالاً وأصعب على الآخرين أن يحطموهما.
وماذا عن باقي دول الخليج؟
وجدت سلطنة عمان لها دوراً بالبقاء خارج الصراع في الجزيرة العربية، وخارج التنافس السعودي الإيراني، وفي اليمن تحديداً. وحافظت دولة الإمارات على علاقاتها مع إيران كما فعلت الكويت، ووقفت ضد جماعة الإخوان المسلمين، وساندت التحالف بقيادة السعودية بكل ما تستطيع. وفعلت البحرين الشيء نفسه في ظل الصراع السني الشيعي الكامن حالياً.
تشهد السنوات المقبلة تحديات، وما تزال نتائج الحلول السلمية في العراق وسورية مفتوحة على احتمالات كثيرة. وهذا بحث يطول.