أبرز التقرير الذي نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، أمس الثلاثاء، بشأن نية وزارة المالية الإسرائيلية ووزارة العدل تطبيق بنود قانون المقاطعة ضد الفرع الإسرائيلي لـ"منظمة العفو الدولية"، مدى إصرار الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة سياساته ضد المنظمات الحقوقية العاملة في الأراضي المحتلة على اختلاف أنواعها. وهذه السياسات تستهدف منظمات دولية، مثل "هيومن رايتس ووتش"، أو "وكالة تشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا)، وحتى المنظمات الحقوقية الإسرائيلية مثل "المركز الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة" (بتسيلم)، وحركة "سلام الآن".
ويشكل إعلان وزير المالية الإسرائيلي، موشيه كاحلون، بعد التشاور مع وزارة العدل، عن عزمه تطبيق القانون الذي يتيح لوزارة المالية حرمان المتبرعين الإسرائيليين لـ"منظمة العفو الدولي" من امتياز الخصم الضريبي عن المبالغ التي تبرعوا بها، انتقالاً من مرحلة التشريع إلى مرحلة التنفيذ، مع العلم بأن الخطوة المعلن عنها تلزم وزارة المالية بإجراء جلسة استماع رسمية لمندوبي الفرع الإسرائيلي لـ"منظمة العفو الدولية"، قبل اتخاذ القرار. لكن القانون الذي تعتزم الحكومة تطبيق بنوده، يشكل واحداً من جملة قوانين تمّ سنها في السنوات الأخيرة لتضييق الخناق على المنظمات الحقوقية والإنسانية. ويتعلق الأمر بقانون سبق أن تم سنّه في يوليو/تموز 2016، ويعرف باسم "قانون الجمعيات"، ويلزم الإسرائيلية منها، وتحديداً اليسارية، بالكشف عن تبرعاتها من الخارج، خاصةً تلك التي تأتيها من حكومات أجنبية.
وبالإضافة إلى هذه الخطوات التشريعية فإن حكومة الاحتلال تشن حرباً إعلامية تحريضية على هذه الجمعيات مع تصنيفها بأنها تتبع حركة المقاطعة الدولية (بي دي إس) التي تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تشويه صورتها ووصمها بأنها حركات معادية للسامية ومتواطئة مع الإرهاب. وهذا يتناقض مع حقيقة نشاط هذه الجمعيات التي تقرّ غالبيتها بأنها تدعو لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.
وقد أقرت حكومة الاحتلال عبر وزارة التهديدات الاستراتيجية خطة خاصة لمواجهة حركة المقاطعة الدولية، مع رصد ميزانية كبيرة لها. لكن أبرز الخطوات التنفيذية التي سعت إليها الحكومة الإسرائيلية في العام الأخير، هي تعديل قانون الدخول إلى إسرائيل عبر تفويض وزير الداخلية الإسرائيلي ووزير الأمن الداخلي صلاحيات منع ورفض دخول ناشطين أجانب، حتى لو كانت وجهتهم الأخيرة هي الضفة الغربية. وقرار كهذا يتخذ إذا توفر لدولة الاحتلال معلومات تؤكد نشاط هؤلاء الناشطين ضمن أي من حركات الاحتجاج الدولية ضد الاحتلال.
وقد منعت إسرائيل عدداً من الناشطين الأجانب من دخول أراضيها وقامت بإعادتهم فور هبوطهم في مطار "بن غوريون". وفي 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، منعت عضو "مجلس الكنائس العالمي"، الناشطة إليزابيث بيري، لأول مرة من دخول إسرائيل. وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أشارت في تقرير لها نشرته مطلع إبريل/نيسان الماضي، إلى أن حكومة الاحتلال منعت حقوقيين من منظمات دولية من الوصول إلى قطاع غزة.
وتشكل جمعيات يمينية كثيرة، رأس الحربة في هذه الحرب، ولا سيما جمعية "إم ترتسوا" التي أطلقت العام الماضي، حملات تحريض دموية ضد جمعيات حقوقية إسرائيلية، اتهمتها بأنها مدسوسة وأنها تعمل ضد دولة إسرائيل وتخضع لأجندات أجنبية، كما حدث مع أعضاء وناشطي جمعية "يكسرون الصمت" التي يوثق أعضاؤها جرائم جنود الاحتلال في الضفة الغربية.
وأثمرت الحملة في العام الماضي، عن قرار في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، إلى منع إدخال ممثلي هذه الجمعية للمدارس الثانوية في إسرائيل، ومنعهم من إلقاء محاضرات أمام الجنود. إلى ذلك، لجأت وزارة الأمن الإسرائيلية إلى حرمان هذه الجمعيات، وبينها مركز "بتسيلم"، من الحق في استقبال شبيبة إسرائيليين، ضمن الخدمة الوطنية البديلة للخدمة العسكرية. وهذا يعني في سياق المجتمع الإسرائيلي، نزع الشرعية عن هذه الجمعيات والمراكز في نظر المجتمع. ووصل الأمر بوزيرة العدل الإسرائيلية، أيليت شاكيد، حداً أعلنت فيه في سبتمبر/أيلول الماضي، أن حركات المقاطعة الدولية والمنظمات الموالية لها، هي في واقع الأمر منظمة إرهابية. ويصاحب هذه الخطوات، وبشكل منهجي ودائم، تحريض رسمي على هذه الجمعيات يقوده بشكل مثابر ومنهجي رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وعدد كبير من وزراء الحكومة، مثل وزير التعليم، نفتالي بينت، ووزير التهديدات الاستراتيجية، يسرائيل كاتس، ونائبة وزير الخارجية، تسيبي حوطبيلي، ووزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان.