حرب الأقاليم تلوح في أفق العراق

28 ديسمبر 2014
يتخوّف العرب من تمدّد إقليم كردستان (سافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -

لغة السلاح وقانون البقاء للأقوى، أمور قد تحدّد مصير العراق الاتحادي الفدرالي، الذي تنذر أيامه المقبلة بحروب وصراعات واسعة قد تندلع بين أقاليمه بعد تحذير أحد شيوخ عشيرة الجبور، أكبر قبائل العراق، من تمدّد حدود اقليم كردستان ليشمل عدداً من مناطق الموصل ومحافظتي كركوك وصلاح الدين، مؤكداً أنّ العرب لن يتنازلوا عن مناطقهم حتى لو سالت أنهر من الدماء. 

ويقول الشيخ حميد الجبوري لـ "العربي الجديد"، إنّ "الأطماع الكرديّة بدت واضحة من خلال التصريحات الاخيرة لرئاسة وحكومة الإقليم، والتي تجاوزت مطلب الاقليم، لتلمح إلى إعلان دولة مستقلّة تضمّ محافظات أربيل ودهوك والسليمانية وكركوك وأجزاء كبيرة من محافظتي الموصل وديالى". ويحذّر من أنّ "هذا الأمر، إن حدث، سيخلّف عواقب وخيمة في حال أُعلن الاقليم السني"، متوقّعاً "اندلاع حرب بين الأقاليم، لأنّ المناطق المتنازع عليها كرديّة من الناحية السكانيّة، لكنّ محيطها الجغرافي سني".

من جانبه، يحذّر نائب رئيس الجمهورية العراقي، رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، من حروب مرتقبة بين تشكيلات الحرس الوطني، التي يجري الاعداد لها حالياً وجيش اقليم كردستان. ولم يتأخر في القول، خلال مقابلة تلفزيونية، إنّ "المرحلة المقبلة ستكون مهدّدة لوحدة العراق كبلد، بسبب التنازع على الأرض"، فيما يحذّر قائد عمليات وزارة الداخلية السابق، اللواء المتقاعد عبد الكريم خلف، من "خطورة المرحلة المقبلة التي ستشهد صراعاً سنياً ــ كردياً، لأنّه لا سكان شيعة في مناطق النزاع". ويضيف: "قد نرى حرباً من نوع مختلف، تعصف بالبلاد ما لم يتم تدارك الأمر".

في المقابل، يؤكّد الأمين العام للمؤتمر التأسيسي لإقليم صلاح الدين، ناجح الميزان لـ "العربي الجديد"، المضي في "اجراءات تشكيل الاقليم التي سبق وأن اكتملت في المحافظة"، موضحاً أنّها "الآن على طاولة مجلس الوزراء وهي بانتظار مصادقة رئيس الحكومة حيدر العبادي عليها". وينتقد "التعطيل والتسويف الذي اعتمدته الحكومتان السابقة والحالية لمشروع الإقليم"، مؤكّداً "اجراء اتصالات مع رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، والحصول على تطمينات بعدم ضمّ أيّة منطقة لإقليم كردستان، خلافاً للدستور".

ويقرّ الأكراد بوجود خلافات على حدود الاقليم مع مناطق تابعة لمحافظات عراقيّة أخرى، وفق ما يوضحه القيادي في التحالف الكردستاني محمود عثمان، لـ "العربي الجديد"، بإشارته إلى أنّ "المناطق المتنازع عليها بين الكرد والعرب تشمل قضاء طوزخورماتو، التابع لمحافظة صلاح الدين، ومناطق أخرى في محافظتي الموصل وديالى، ما يُنذر بمشاكل كبيرة لا يمكن أن تحلّ إلا من خلال المادة 140 من الدستور". ويشدّد على أنّ "المناطق التي يتم تحريرها من تنظيم "داعش" يجب حسم لمن تعود بالطرق الدستوريّة والقانونيّة".

ويحذّر عثمان من "الجماعات والتيّارات التي تحمل السلاح للمطالبة بحقوقها بدل انتزاعها بالطرق الدستورية"، مبيناً أنّ "العراق يعاني منذ تأسيسه من مشكلة حمل السلاح لحلّ الخلافات". ويقول إنّ "الصراع السياسي المحموم في العراق أوجد تنظيم "داعش"، الذي هيمن على عدد من المناطق لأسباب سياسيّة وليست عسكريّة، أهمها الفشل في إدارة الدولة خلال الفترة الماضية". ويرى أنّ "النتيجة الحتميّة لهذا الصراع هو دخول تنظيمي "القاعدة" سابقاً، و"داعش" اليوم والولايات المتحدة الأميركيّة وإيران إلى العراق واضرارهم بأمنه واستقراره بشكل كبير".

من جانبها، تنتقد عضو مجلس النواب عالية نصيف تصريحات رئيس حكومة اقليم كردستان، نيجرفان البارزاني، التي أعلن فيها ضمّ المناطق التي يتم تحريرها من تنظيم "داعش" إلى اقليم كردستان، داعية في بيان صادر عنها، القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، والقوى السياسية للتدخل واتخاذ موقف حازم من هذه التصريحات.

وتعتبر أنّ "البارزاني يتكسب من مصائب اخوته، واستفزت تصريحاته الشارع العراقي، وأجهضت فرحته بتحرير بعض المناطق من تنظيم "داعش"، لأنّ هذه التصريحات جاءت في وقت تتطلع فيه انظار جميع العراقيين إلى تعاون عربي كردي في محاربة الارهاب والوقوف صفاً واحداً في مواجهة هذه الهجمة الشرسة". وتضيف: "كنّا نتمنّى أن يكون البارزاني شريكاً لإخوته العراقيين في السراء والضراء، لكنّه نسي موقف المرجعية الدينيّة التي حافظت على الدم الكردي في زمن النظام السابق، ونراه اليوم يتحدّى المرجعية عندما اعتبر المناطق المحررة جزءاً من الإقليم، بل ويشترط أيضاً في تحرير الموصل أن يضمّ سهل نينوى أيضاً للإقليم".

من جهته، يرى رئيس حكومة إقليم كردستان صعوبة في حماية سكان سهل نينوى، إذا لم يتمّ تنفيذ عملية عسكريّة مباشرة داخل مدينة الموصل، مشيداً خلال مؤتمر صحافي، بـ"التطور الكبير في العلاقات بين بغداد وأربيل بعد تسلم العبادي رئاسة الحكومة".

واستعادت قوات البشمركة الكرديّة مناطق من محافظة الموصل، تقع على الحدود مع اقليم كردستان، فيما لا تزال بعض المناطق القريبة من الإقليم تحت سيطرة تنظيم "داعش".

ولا يمكن للعراق، أن يكون دولة فدرالية ناجحة، بحسب أستاذ النظم السياسيّة الاتحاديّة في جامعة النهرين حميد عبدالله، الذي يؤكّد لـ "العربي الجديد"، أنّ "الواقع العراقي فرض اقليم كردستان لأسباب تاريخيّة وقوميّة، فضلاً عن الدعم الاقليمي والدولي لوجوده، لكنّ أي اقليم آخر لن يرى النور لأنّه سيقوم على اساس طائفي".

ويوضح أنّ "تاريخ القانون الدستوري لم يشهد أن تجزأت دولة موحدة الى أقاليم، وما حدث هو أن توحدت أقاليم عدّة أو دويلات أو كانتونات ضمن دولة واحدة اتحادية، كما حدث في الولايات المتحدة الأميركيةّ والامارات العربية المتحدة ودول أخرى". ويستنتج أنّ "الصراع العسكري المسلّح بين الأقاليم في العراق أمر حتمي ما دامت سلطة الدولة غائبة ولغة السلاح هي الغالبة".

دلالات