ما زالت قضية كاترين مزهر، الفتاة القاصر التي خُطِفَت في محافظة السويداء في الجنوب السوري، تمثّل لغزاً كلما تفككت خيوطُه تعود لتتعقد مجدداً. فبعد أن صرّح المتّهمون بخطفها بأنّهم باعوها لامرأة من اللاذقية بقصد الاتّجار بأعضائها، قُتل هؤلاء وعُرضت جثثهم على العامة.
وكان الخاطفون قد اعترفوا بأنّ من أعطاهم الأوامر بخطف الفتاة القاصر هو قائد "جمعيّة البستان"، المدعو أنور الكريدي، وحينها أصدر والد الفتاة هيثم مزهر بياناً مصوّراً يبرّئ فيه أنور الكريدي من اختطاف ابنته، لكنّه في الوقت نفسه كان يُحضّر لعملية اختطافه ليصفّي الحسابات والمصالح المعلقة بينهما نتيجة عملهما معاً في "جمعيّة البستان" التي تتبع لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف، وهو ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد.
وبحسب تأكيدات ناشطين داخل المحافظة نجح هيثم مزهر وجماعته باختطاف أنور الكريدي، والحصول على اعترافات مصوّرة منه بأنّه هو الذي اختطف الفتاة بالتنسيق مع رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء العميد وفيق ناصر. وذكر الكريدي في اعترافاته أنّه كلف الرجال الذين جرت تصفيتهم سابقاً، باستدراج الفتاة إلى مستودع للأدوية في وسط مدينة السويداء، وإبقائها هناك حتى عودته من عمله بعد منتصف الليل، ليقوم شخصياً بنقلها إلى إحدى الفيلات ويسلّمها بعد ذلك إلى جماعة وفيق ناصر بناءً على طلب الأخير. واعترف الكريدي بأنّ أحد الأشخاص الذين ساعدوه في خطف الفتاة هو من عائلة نصر (أحد الأشخاص الذين قُتلوا سابقاً) وقد وافق على إنجاز المهمّة في مقابل السماح له بتهريب شحنة أدوية بقيمة 30 ألف دولار أميركي باتجاه "مْغَرّب". والمقصود بذلك درعا، بحسب المتعارف عليه محلياً في السويداء.
لم تمضِ 24 ساعة على اعتراف الكريدي وإدراج اسم العميد وفيق ناصر في الاعترافات، حتى ظهرت كاترين مزهر في تسجيل مصوّر على إحدى صفحات "فيسبوك" وهي جالسة على كرسي يعود بحسب تصريحات "شبكات السويداء الإعلامية" إلى فرع الأمن العسكري. وقد أرفقت الشبكات صوراً سابقة للكرسي نفسه، يجلس عليه عدد من المعتقلين بتُهم الإرهاب. وقد ظهرت كاترين لتعترف بأنّها خرجت وحدها من السويداء، وركبت سيارة أجرة متّجهة إلى دمشق لتقابل حبيبها الحمصي الذي تربطها به قصة حبّ نشأت من خلال تطبيق "واتساب" قبل خمسة شهور.
تحدثّت كاترين ابنة السابعة عشرة بكلّ ثقة وكأنّها تحفظ عن ظهر قلب ما يجب قوله، وأصرّت على أنّ أحداً لم يخطفها وإنّما تزوّجت بالشاب الذي تحبّه، وأنّ قرانهما حصل في قرية العريس ظهر الحجر وأنّ حفل الزفاف كان مميّزاً. وقد ظهر من خلال تسجيل الفيديو خاتم الزواج واضحاً في يدها بالإضافة إلى الحبر على إبهامها. بعد ذلك، أدلى كلّ من العريس وهو من عائلة سليمان ووالده بالتصريح نفسه. وبعد بثّ تسجيل الفيديو، تحرّكت مجموعة مسلحة من مدينة صلخد تتبع لأنور الكريدي بكامل سلاحها، واتّجهت نحو مدينة السويداء لتخليص قائدهم من يد عائلة مزهر. فقُطِعَ الطريق عليهم من قبل مجموعة من العقلاء ومشايخ الدين الذين وعدوهم بالتفاوض مع آل مزهر لإطلاق سراح الكريدي.
نجحت مساعي المشايخ والعقلاء في إيقاف المجموعة المسلحة، لكنّهم فشلوا في إقناع آل مزهر بإطلاق سراح قائد "جمعية البستان". تعقّدت المسألة وازداد الشقاق داخل الجبل ليتزامن ذلك مع ظهور مقاطع فيديو مسجّلة جديدة لكاترين مزهر أثناء حفل عرسها، وهي تدخل إلى بيت متهالك بين عدد قليل من الحاضرين. وقد ركّزت الكاميرا على زاوية واحدة من دون أن تتحرك، وبدت تقنيّة التصوير قديمة. ومع كل مقطع فيديو يُعرض لكاترين، كانت تزيد الخلافات داخل الجبل ويزيد الهجوم والهجوم المتبادل بين مصدّق ومكذّب للرواية بكاملها. وهو ما ظهر واضحاً من خلال التعليقات التي قدّرت بالآلاف على كل منشور يتعلق بهذا الموضوع.
حاول شيوخ الطائفة من المحسوبين على النظام السوري التدخّل لحلّ الخلاف في السويداء ووقف كارثة تقترب من المحافظة، فقرّروا إرسال وفد يزور الفتاة في حمص للتأكد من أنّها خرجت بإرادتها ولم تُخطف. وبالفعل شُكّل وفد، لكنّه لم يتضمّن أحداً من مدينة السويداء، بل اعتمد على الشيوخ الدروز من جرمانا وصحنايا في ريف دمشق. توجّه الوفد إلى مدينة حمص، والتقى الفتاة القاصر ووالد العريس في مركز المصالحة الوطنية في حمص بحضور أمني وتحت صورة بشار الأسد. صُوّرت الجلسة، وأبرز ما ورد فيها على لسان الفتاة أنّ الذين قُتلوا انتهى أمرهم، لكنّ ما يهمّها هو ألا يصيب العقيد أنور أيّ مكروه، فيما أكّدت من جديد أنّها خرجت برضاها.
تجدر الإشارة إلى أنّه من تقاليد الدروز الموحدين، في حال تزوّجت أيّ فتاة من ابن طائفة أخرى، إمّا أن يذبحوها أو يتبرّؤوا منها فلا يتعاطى معها أحد. لكن، بحسب ما ظهر في تسجيل الفيديو الذي عرضته شبكات التواصل الاجتماعي، فإنّ الشيخ الذي كان يتكلم معها في اللقاء السابق ذكره، وضع فكرة الزواج من غير درزي جانباً، وكان هَمّه الأول والأخير أن ينقذ مَن أرسلوه من ورطة قد تجرّ أقدام مشايخ الدين إلى التهلكة، بحسب منشور على صفحة "نسور الجبل" على موقع "فيسبوك".
في كل يوم، تُظهر المعطيات مقدار الشرخ الواقع داخل السويداء، وأنّ الغطاء بدأ ينكشف تدريجياً، مشيراً إلى تورّط عدد كبير من العسكريين والمدنيين في عمليات مشبوهة. ويبقى السؤال الذي يشغل أهل السويداء في هذه الأيام: هل تكون كاترين مزهر هي "البسوس" التي تشعل الحرب في السويداء؟ نأمل ألا يحدث هذا.