يتبع المجلس، فكرياً وحركياً، تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، بينما تأسست الكتيبة، بعد اندلاع ثورة 17 فبراير/ شباط 2011، وشاركت في المعارك العسكرية، وعادت الى المدينة قبل تحرير سرت، واعترضت على الطريقة التي تعاملت بها باقي الكتائب المقاتلة مع مدينة سرت من سرقة ونهب وقتل عشوائي.
ويعود الخلاف بين المجلس والكتيبة إلى ثلاثة قضايا رئيسية يتهم بها المجلس الكتيبة: الأولى تجلّت في حماية الكتيبة للمستشار مصطفى عبد الجليل، عند زيارته لدرنة، وهو ما اعتبره المجلس حماية لطاغوت كان وزيراً سابقاً في حكومة الديكتاتور الليبي السابق، معمر القذافي.
والثانية تمحورت حول اتهام الكتيبة بالتوقيع على عقد اللجنة الأمنية العليا التابعة لوزارة الداخلية، وهو ما يعتبره المجلس بمثابة انضمام إلى وزارة كافرة في دولة لا تطبّق شرع الله.
وفي القضية الثالثة اتهم المجلس، الكتيبة، بحماية صندوق انتخابات يوليو/ تموز 2012، والتي أتت بأعضاء "المؤتمر الوطني العام" (البرلمان)، وهو ما نفته تماماً قيادات الكتيبة، كونها لا تؤمن بصندوق الانتخاب كأسلوب للتداول السلمي على السلطة، وتتفق في هذا الصدد مع المجلس.
وبدأ الخلاف بين الفريقين يُترجم الى نزاعات دامية في العلن، وانتقلت من مستوى التراشق بالفتاوى الشرعية، إلى الاغتيالات والتفجيرات، بعد مقتل أحد أهم المنظّرين الشرعيين لـ"كتيبة شهداء أبو سليم"، وأحد قادتها، محمد بوبلال، في 30 مايو/ أيار الماضي، بعبوة ناسفة انفجرت بسيارته بعد خروجه من أحد مساجد المدينة.
ولم يمرّ أسبوع على اغتيال بوبلال، حتى اغتيل معتز مرعاش، وهو شاب في مقتبل العمر عائد من القتال في سورية، ومنضوٍ تحت لواء مجموعة "مجلس شورى شباب الإسلام". وتلا اغتيال مرعاش، موجة عنف، تجلّت في تفجير أربعة منازل لقياديين بارزين في الكتيبة، في مختلف أحياء درنة، نجم عنها أضرار بالغة، ولم تسفر عن أضرار بشرية.
كما تم ضبط ومنع محاولة تفجير منزل قائد الكتيبة، عطية سعيد، وأُعدم أحد منفذي العملية بالرصاص، واغتيل آخر.
ولم يقتصر الخلاف على الثنائي، فقد دعت "كتيبة البتار"، التي كانت تقاتل بسورية تحت راية "داعش"، وعاد أفرادها الى درنة، إلى الإعلان عن أن "الشخص المقتول هو أحد قادة مجلس شورى شباب الإسلام"، وتوعّدت بالانتقام لمقتله من "مرتدي كتيبة شهداء أبو سليم"، على حد تعبيرها.
في السياق، يشير محللون الى أن "عناصر استخبارات دولة أجنبية تعمل على إذكاء نار الحرب بين أكبر مجموعتين مسلحتين في درنة، حتى تبرز رؤوس وقادة هذه المجموعات الى السطح، ويسهل جمع معلومات عنها ومن ثم اغتيالها".
ويعتقد آخرون أن "الطبيعة الانقسامية لمثل هذه الجماعات، هي وراء هذا التراشق الفقهي أساساً، وفي القتال الداخلي. كما أن كلا الجماعتين لا تعترفان بمؤسسات الدولة، أو بكل طريقة سلمية يُمكن من خلالها السماح بالتداول السلمي للسلطة، والرجوع الى الشعب باعتباره مصدر هذه السلطات".
ويتوقع كثر أن تشهد درنة مزيداً من أعمال العنف والقتال الداخلي بين تيارين ينتميان إلى السلفية الجهادية، إلا أنهما في الوقت عينه لا ينتميان الى تنظيم "القاعدة"، بمعنى تقديم التبعية لقادة التنظيم في أماكن انتشاره المختلفة، لا بل إن "مجلس شورى شباب الإسلام" يرى في بعض فتاوى قادة "القاعدة" تساهلاً، كالفتوى التي أصدرها زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، التي اعتبر فيها أن ليبيا "أرض دعوة لا جهاد"، وهي فتوى لم تلقَ قبولاً عند معظم الجماعات المسلحة المنتمية للسلفية الجهادية.
كما تعمل جماعات جهادية صغيرة بشكل منفصل على خطف أثرياء من المدينة وطلب فدية نقدية مقابل إطلاق سراحهم كجزء من تمويل نشاطاتها.
وكان سبق أن قدمت بعض الدولة الأوروبية تقريراً استخباراتياً إلى الحكومة الليبية، عن كيفية معالجة نشاطات الجماعات الإسلامية في درنة، وانتهى التقرير إلى عدم كفاية الحل الأمني لمواجهتها، في ظلّ تزايد أعداد أفرادها بسبب البطالة وضعف المستوى التعليمي.
واقترح التقرير تقديم منحة مالية خاصة بدرنة بقيمة نصف مليار دولار، وتكون 300 مليون منها هبة، والباقي مموّل على أساس قرض طويل الأجل، على أن يتمّ استخدام هذه الأموال في تمويل مشاريع صغرى ومتوسطة، وتنظيم بعثات تعليمية خارج ليبيا، وتمويل إنشاء معاهد للتدريب المهني.
إلا أن حكومتي علي زيدان وعبد الله الثني لم تقدما أية مقترحات لمعالجة أزمات المدينة الأمنية والاقتصادية، في ظل تفاقم الأوضاع وبروز حركة نزوح كبيرة من رؤوس أموال ومنتسبين سابقين للأجهزة الأمنية خوفاً من الخطف والاغتيال.