يبدو أن التصعيد الذي تشهده محافظة حجة اليمنية بين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) ورجال القبائل، أخذ في الازدياد، مع مزيد من الحشد العسكري وتوسّع رقعة المواجهات إلى منطقة قفلة عذر في محافظة عمران، الأمر الذي يرى فيه الحوثيون خطراً ويسعون لإيقافه بأسرع ما يمكن، خصوصاً أنّ التطورات هناك تجذب اهتمام مختلف اليمنيين من مؤيدي الحكومة الشرعية ومعارضي الحوثيين، والذين يشدّدون على أهمية دعم القبائل كسبيل للحدّ من سطوة الجماعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها شمالاً.
وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" بأنّ المعارك في حجة شهدت خلال الـ48 ساعة الماضية على الأقل، تطورات غير مسبوقة، حيث دشّن الحوثيون جبهة جديدة في الأجزاء الجنوبية لمديرية كشر، وتحديداً في منطقتي بني رسام وبني شرية، وشنوا هجوماً عنيفاً لاقتحام مناطق حجور، التي يحاولون إخضاعها ويواجهون فيها مقاومة شديدة من مسلحي القبائل، وسط أنباء عن سقوط أعداد من القتلى والجرحى من الجانبين، لم تتوفر حولهم على الفور، إحصائيات مستقلة.
وفي ظلّ المعلومات عن استخدام الحوثيين الأسلحة الثقيلة، بما فيها المدفعية لقصف قرى ومناطق في حجور، أكّدت المصادر أن العشرات من الأسر نزحت من مناطقها في الأيام الأخيرة، إثر استعار المواجهات ودخول مقاتلات التحالف على خطّ الأزمة، عبر تنفيذها العديد من الغارات، بالتزامن مع إعلان قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية، يوم الجمعة الماضي، بدء عملية عسكرية في محافظة حجة، تهدف إلى فك الحصار عن أبناء منطقة حجور، في مديرية كشر، والتي تقف قوات الشرعية، على بعد 20 كيلومتراً منها، في المحافظة الحدودية مع السعودية والمطلة على البحر الأحمر. وأصدرت الكتل البرلمانية المؤيدة للشرعية من مختلف الأحزاب، بياناً أول من أمس السبت، نشرته وسائل إعلام رسمية، اتهمت فيه الحوثيين بـ"ارتكاب جرائم"، في منطقة حجور، واستهداف القرى والأماكن المأهولة بالسكان، وقصفها بالدبابات والمدفعية ومختلف الأسلحة، داعيةً الحكومة والتحالف إلى مساندة أبناء حجور، فضلاً عن مطالبتها المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بممارسة الضغوط على الجماعة، لإيقاف الحملة التي تنفذها منذ أيام في منطقة حجور.
اقــرأ أيضاً
وكانت أزمة الحوثيين في مناطق القبائل شمالاً، امتدت أخيراً إلى منطقة قفلة عذر، التابعة إدارياً لمحافظة عمران، حيث أفادت مصادر حكومية وأخرى محلية، بأنّ رجال القبائل بقيادة الشيخ صالح بن سودة، قطعوا يوم الأربعاء الماضي خطوط الإمداد الخاصة بالحوثيين نحو حجور في محافظة حجة، من جهة عمران المحاذية لها، والواقعة على بعد ما يقرب من 50 كيلومتراً شمال صنعاء.
إلى ذلك، شرح الإعلامي عامر السعيدي، وهو أحد المنحدرين من حجور، لـ"العربي الجديد"، ملابسات التصعيد الأخير. وأوضح أنه "بعدما تقدّمت القوات الحكومية في مديرية حرض (الحدودية) ومثلث عاهم (الذي يفصل العديد من المديريات)، بدأ الحوثيون بالقلق من قبائل حجور في كشر لأنها غير موالية لهم، ولديها معهم ثأر منذ العام 2011 (مواجهات سابقة بين الجماعة والقبائل)، بالإضافة إلى أنّ سقوط منطقة الملاحيظ، التابعة إدارياً لمديرية الظاهر في محافظة صعدة، في أيدي الجيش، أدى إلى قطع الخطوط بين صعدة وحرض، وبالتالي لم يبق للحوثيين إلا الطريق الذي يبدأ من حرض ويمرّ من حجور وينتهي إلى حرف سفيان وصعدة". ورأى السعيد أنّ جملة العوامل جعلت الحوثيين "يعملون على موضوع مديرية كشر (حجور جزء منها)، فصرفوا "مئات الأطقم والملايين والأسلحة لشراء الولاءات"، ولكن أغلب القبائل رفضت الانصياع، فبدأ الحوثيون باتهام "القبائل بالحرابة وقطع الطريق وقاموا بوضع نقاط في أطراف المديرية لاستفزاز السكان". وأضاف السعيدي أنّ الحوثيين أثاروا قضية قبلية حاولوا من خلالها "الدخول تحت مبرر الصلح، لكنهم فشلوا ومن هنا بدأ الحشد والحرب".
وأكّد السعيدي أنّ دور التحالف لا يزال محصوراً في عدد من الضربات الجوية، التي نفذها أخيراً، في ظلّ غياب أي دور ملموس لقوات الشرعية، التي تواجه سيلاً من الانتقادات من قبل معارضي الحوثيين، الذين يطالبونها بدور محوري في دعم حجور. ولفت السعيدي إلى أنّ أهمية المنطقة تكمن في أن "قبائلها مقاتلة وجبالها مطلة على تهامة ومدخل إلى عمران وصعدة، ومنها يمرّ الخط الرابط بين حرض (سواحل حجة) وصعدة (معقل الحوثيين)".
الجدير بالذكر، أنّ الحوثيين ومنذ بدء التصعيد في حجور، لجأوا لوساطات واجتماعات متكررة مع شيوخ ووجهاء موالين لهم في حجة، وأعلنوا النفير لحشد المقاتلين لمواجهة من يتهمونهم بمحاولة "زعزعة الاستقرار"، وذلك في إطار سعي الجماعة لإخضاع أي قبائل تقف بوجه سلطتها، وخصوصاً في منطقة على درجة عالية من الأهمية بين محافظات حجة وعمران وصعدة، حيث معاقل نفوذ الحوثيين ومعاركهم التقليدية مع القبائل.
وفي سياق متصل، وفيما يزداد الضغط الدولي على السعودية قائدة التحالف العربي الذي يطالبه الموالون للحكومة الشرعية بالتدخل لإنقاذ أبناء حجور، أكّد مسؤول في القيادة الوسطى للجيش الأميركي، أمس الأحد، أنّ القوات الأميركية ستواصل مساندة هذا التحالف، ومقاتلة تنظيم "القاعدة" في اليمن. وقال المسؤول لوكالة "فرانس برس": "نواصل تقديم الدعم للتحالف بقيادة السعودية، وبشكل خاص مساعدته في الاستهداف الدقيق وتقليل خطر وقوع خسائر مدنية". وأضاف على هامش مشاركته في معرض "آيدكس" الدفاعي في أبو ظبي "نواصل التركيز على هزيمة القاعدة وتنظيم داعش، ولا نزال على أتم الجهوزية للقيام بما يلزم في هذا الصدد".