أواخر عام 1994، افتتح في شارعٍ في بيروت محل "نمر الوادي" للكنافة، قدّمها داخل سندويش بالخبز الإفرنجي المغطى بالسمسم، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المدينة، وربما لبنان، إذ كان أهل بيروت يأكلون الكنافة في كعكة أشبه برغيف الخبز المصري، ولكنها مغطاة بالسمسم.
ذاع صيت "نمر الوادي" وشهد إقبالاً كبيراً، ثم طوّر الكنافة إلى وجبة يحملها الطلاب معهم إلى المدارس والموظّفون إلى أعمالهم. الفكرة نفسها لم تكن كافية، فالمحل الذي ذاع صيته تميّز أيضاً بنوع القشطة والجبن التي استخدمها.
ولكن، غير بعيد عنه كان يقع محل "صفصوف" للحلويات، وكان المحل الأشهر والأقدم في المحلة نفسها، ويقصده اللبنانيون من أماكن مختلفة، وكان ولا يزال مشهوراً بعدد كبير من الحلويات، أبرزها الصفوف والنمورة، أي البسبوسة المصرية.
قبل ارتفاع سعر كيلو الصنوبر في لبنان، والذي وصل حالياً إلى 60 دولاراً أميركياً، كان "صفصوف" يضيف الصنوبر داخل كعكة الكنافة، وكان ذلك تميّزاً ورفاهية كبيرة، إلا أنّ الصنوبر لم يكن ميزة كنافة "صفصوف" الوحيدة، بل اشتهرت كنافته أيضاً بالسمن الحموي الذي يضيف إلى مذاقها نكهة خاصة.
بدت المنافسة شرسة بين "نمر الوادي" و"صفصوف" واستمرّت حتى مطلع الألفية الثانية. وصل سعر الكعكة عند صفصوف إلى ألف ليرة لبنانية، أي أكثر من دولار وثلاثين سنتاً، أمّا سندويش الكنافة التي يختص بها "نمر الوادي" فلم يتعدّ سعرها الدولار الواحد.
وعليه، قرّر صاحب محلات العصير الأشهر في المنطقة، "الهواري"، خوض غمار المعركة أيضاً. "صفصوف" و"نمر الوادي" لا يقدّمان الكنافة إلّا في الصباح، أمّا الهواري فكسر الموعد التقليدي للكنافة، وقدّمها على مدار الـ24 ساعة في اليوم وبسعر أقلّ من دولار. استفاد سكان المنطقة الشعبية في بيروت من وجود الكنافة على أشكالها المختلفة و بمذاقات متنوعّة طوال اليوم.
ارتفعت تدريجياً قيمة المواد التي تحتويها تلك الحلوى كالسمن والقشطة والصنوبر... ولاحظ الزبائن حينها أنّ سندويش "نمر الوادي" لم يعد بالجودة نفسها، أما صفصوف فاضطر إلى التوقّف عن استعمال الصنوبر مع الكنافة بعدما ارتفع سعره كثيراً، خاصة بعد موجة الحرائق التي ضربت غابات الصنوبر اللبنانية. أما الهواري فتوقف عن تقديم الكنافة لمّا كان قد دخل المنافسة بتميزه في السعر.
عاش سكان المنطقة البيروتية طوال عشرة أعوام معركة من نوع آخر. معركة ليست كتلك التي يشهدها لبنان أمنياً عادة، أو كالحروب والمعارك التي يشهدها العالم العربي حالياً. معركة حلوة هذه المرّة، تراشق فيها بائعو و"معلّمو" الكنافة بكعكعات شهيّة.
هذه المنافسة جعلت من المنطقة مقصداً لمحبّي الحلويات، وخاصة الكنافة، بل جعلتها أكثر شعبية عند الناس، وربطتها بذكريات جميلة في عقولهم، فحين يستذكرون تلك الأيام يحكون بسعادة وجبات فطورهم في المنطقة، وأطباق الكنافة التي تهادوا بها في المناسبات السعيدة، كذلك التي زيّنت موائدهم في رمضان. ولم يخبُ للآن نقاشهم حول أسباب تفضيل كل منهم لكعكة محل دون آخر، وتميّز كل كعكة عن الأخرى.
ويجدر هنا أن نلفت إلى أنّه قبل عام 1982، كانت طريق الجديدة مركزاً أساسياً لمنظمة التحرير الفلسطينية. يقال إنّ التواجد الفلسطيني فيها حينها، وقربها من مخيمي صبرا وشاتيلا، جعل من الكنافة التي يسمّيها الفلسطينيون "كنافة نابلسية" الحلوى الأشهر فيها.
انحسرت اليوم تلك المعركة لصالح محلّ واحد، بعد أن ذاعت شهرة المحلات الثلاثة في العاصمة كلها. انحسرت المعركة فيما اقتصرت الأضرار على ارتفاع بعض حالات السكري، خاصة عند أولئك الذين يقفون خلف صواني الكنافة، هاتفين لعامل الحلوى: "كنافة قطر زيادة يا معلم".
ذاع صيت "نمر الوادي" وشهد إقبالاً كبيراً، ثم طوّر الكنافة إلى وجبة يحملها الطلاب معهم إلى المدارس والموظّفون إلى أعمالهم. الفكرة نفسها لم تكن كافية، فالمحل الذي ذاع صيته تميّز أيضاً بنوع القشطة والجبن التي استخدمها.
ولكن، غير بعيد عنه كان يقع محل "صفصوف" للحلويات، وكان المحل الأشهر والأقدم في المحلة نفسها، ويقصده اللبنانيون من أماكن مختلفة، وكان ولا يزال مشهوراً بعدد كبير من الحلويات، أبرزها الصفوف والنمورة، أي البسبوسة المصرية.
قبل ارتفاع سعر كيلو الصنوبر في لبنان، والذي وصل حالياً إلى 60 دولاراً أميركياً، كان "صفصوف" يضيف الصنوبر داخل كعكة الكنافة، وكان ذلك تميّزاً ورفاهية كبيرة، إلا أنّ الصنوبر لم يكن ميزة كنافة "صفصوف" الوحيدة، بل اشتهرت كنافته أيضاً بالسمن الحموي الذي يضيف إلى مذاقها نكهة خاصة.
بدت المنافسة شرسة بين "نمر الوادي" و"صفصوف" واستمرّت حتى مطلع الألفية الثانية. وصل سعر الكعكة عند صفصوف إلى ألف ليرة لبنانية، أي أكثر من دولار وثلاثين سنتاً، أمّا سندويش الكنافة التي يختص بها "نمر الوادي" فلم يتعدّ سعرها الدولار الواحد.
وعليه، قرّر صاحب محلات العصير الأشهر في المنطقة، "الهواري"، خوض غمار المعركة أيضاً. "صفصوف" و"نمر الوادي" لا يقدّمان الكنافة إلّا في الصباح، أمّا الهواري فكسر الموعد التقليدي للكنافة، وقدّمها على مدار الـ24 ساعة في اليوم وبسعر أقلّ من دولار. استفاد سكان المنطقة الشعبية في بيروت من وجود الكنافة على أشكالها المختلفة و بمذاقات متنوعّة طوال اليوم.
ارتفعت تدريجياً قيمة المواد التي تحتويها تلك الحلوى كالسمن والقشطة والصنوبر... ولاحظ الزبائن حينها أنّ سندويش "نمر الوادي" لم يعد بالجودة نفسها، أما صفصوف فاضطر إلى التوقّف عن استعمال الصنوبر مع الكنافة بعدما ارتفع سعره كثيراً، خاصة بعد موجة الحرائق التي ضربت غابات الصنوبر اللبنانية. أما الهواري فتوقف عن تقديم الكنافة لمّا كان قد دخل المنافسة بتميزه في السعر.
عاش سكان المنطقة البيروتية طوال عشرة أعوام معركة من نوع آخر. معركة ليست كتلك التي يشهدها لبنان أمنياً عادة، أو كالحروب والمعارك التي يشهدها العالم العربي حالياً. معركة حلوة هذه المرّة، تراشق فيها بائعو و"معلّمو" الكنافة بكعكعات شهيّة.
هذه المنافسة جعلت من المنطقة مقصداً لمحبّي الحلويات، وخاصة الكنافة، بل جعلتها أكثر شعبية عند الناس، وربطتها بذكريات جميلة في عقولهم، فحين يستذكرون تلك الأيام يحكون بسعادة وجبات فطورهم في المنطقة، وأطباق الكنافة التي تهادوا بها في المناسبات السعيدة، كذلك التي زيّنت موائدهم في رمضان. ولم يخبُ للآن نقاشهم حول أسباب تفضيل كل منهم لكعكة محل دون آخر، وتميّز كل كعكة عن الأخرى.
ويجدر هنا أن نلفت إلى أنّه قبل عام 1982، كانت طريق الجديدة مركزاً أساسياً لمنظمة التحرير الفلسطينية. يقال إنّ التواجد الفلسطيني فيها حينها، وقربها من مخيمي صبرا وشاتيلا، جعل من الكنافة التي يسمّيها الفلسطينيون "كنافة نابلسية" الحلوى الأشهر فيها.
انحسرت اليوم تلك المعركة لصالح محلّ واحد، بعد أن ذاعت شهرة المحلات الثلاثة في العاصمة كلها. انحسرت المعركة فيما اقتصرت الأضرار على ارتفاع بعض حالات السكري، خاصة عند أولئك الذين يقفون خلف صواني الكنافة، هاتفين لعامل الحلوى: "كنافة قطر زيادة يا معلم".