ويقول مسؤولون عراقيون إن بعض المصطلحات ليست جديدة إنما كانت متداولة على نحو محدود داخل الاجتماعات واللقاءات السياسية، لكن حدة الخلافات في الآونة الأخيرة مع اتساع رقعة التنافس على الرئاسات العراقية الثلاث، البرلمان والحكومة والجمهورية، أخرجتها لوسائل الإعلام لنشرها، وكثير منها أخرج أو سرّب بتعمد، حتى أن بعضها طبخ في غرف أخبار الوسائل الإعلامية نفسها التي تجاوز عددها في العراق اليوم المائة، منها 62 محطة تلفزيونية و11 محطة إذاعية، والأخرى صحف يومية ووكالات إخبارية على شبكة الإنترنت.
ولا تقتصر الحرب الإعلامية المشتعلة وحتى استخدام هذه المصطلحات على كونها حرباً بين معسكرات أو مكونات داخل العراق بل تتسلل إلى داخل المكون الواحد، وهو ما يجعل من التراشق بهذه مصطلحات أمراً يتكرر.
ومن تلك المصطلحات "الولائية" وتعني الكتل أو الأحزاب والفصائل المسلحة الشيعية الموالية لإيران، وتحديداً المرشد علي خامنئي. أما "العراقية" فكانت حتى أسابيع قليلة مضت يقصد بها "الصدريين"، معكسر مقتدى الصدر، لكنها تطلق اليوم على الشيعة العراقيين في المعسكر المقابل للولائية. وتسمية "سنة إيران" تطلق على تحالف الكرابلة (يضم حزب الحل وقلعة الجماهير وصلاح الدين هويتنا وجماعة أبو مازن (كتلة أحمد الجبوري) والحزب الإسلامي العراقي اليوم، بينما "سنة السبهان" يقصد بها تحالف أسامة النجيفي وإياد علاوي وصالح المطلك وغيرهم ممن يحسبون على السعودية واجتمعوا بوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان. كما أن الفريق الأخير تطلق عليه أيضاً تسمية "جماعة أنقرة"، في إشارة إلى الاجتماع الذي عقد العام الماضي ضمن جهود توحيد القوى السنية في تركيا. أما عبارتا "المليشيات الوقحة" و"البعض" فالأولى أطلقها مقتدى الصدر والثانية حيدر العبادي، وتشيران إلى مليشيات تتبع لإيران وتقاتل في سورية ومتورطة بجرائم تطهير طائفية ضد السنة بالعراق وسورية، مثل مليشيات العصائب وحزب الله العراقي وبدر والخراساني والنجباء والإمام علي ومليشيات أخرى. وتسمية "الأسدية" تشير إلى الفصائل والأحزاب الداعمة لنظام الأسد مالياً وعسكرياً، على رأسها حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي.
أما جماعة "السدة" ومصطلح "العلّاسة" فيشيران إلى قيس الخزعلي وأكرم الكعبي وأوس الخفاجي وأبو درع وزعامات مليشياوية أخرى، بعضها انخرط بالعمل بالسياسي. والسدة هو المكان الذي كانت تتم فيه تصفية ضحايا يتم اختطافهم وقتلهم في منطقة السدة المهجورة، شرقي بغداد. والعلاسة تعني باللهجة العراقية خطف الشخص وقتله. أما تسمية "الشيوعي ألفين وهسه" فتعني "شيوعي آخر زمن"، في إشارة إلى تحالف الشيوعيين العراقيين مع تيار إسلامي يميني متمثل بالتيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، في حين أن توصيفات مثل "أصحاب النوادي والملاحدة" فتطلق على التيار المدني والشيوعيين من قبل أطراف وكتل محسوبة على إيران. ويقصد بمصطلح "أصحاب الكعكة"، كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وكان أول من أطلقه على الكتلة السياسي فائق الشيخ علي، في إشارة إلى تصريح القيادية السابقة في "دولة القانون" حنان الفتلاوي، التي قالت فيه "تقاسمنا الكعكة في البرلمان". وبالنسبة لـ"الجحوش" فهي تهمة تتقاذفها الكتل الكردية حول تعاملها السابق مع صدام حسين ضد أبناء جلدتها، ومصطلح "أهل التكية" يطلق على كتل أخرى كردية دلالة على تبعيتها لإيران، مثل الاتحاد الوطني الكردستاني.
يشار إلى أن تباعد الكثير من القوى السياسية عن بعضها، لا سيما الشيعية، حدث بفعل هذه المصطلحات التي أطلقت. على سبيل المثال عدم التقاء مليشيات الحشد الشعبي، حركة النجباء وعصائب أهل الحق، مع مليشيات الصدر، كان سببه نعت الأخير للأوائل بالقتلة والمغتصبين والتجاوز على الدولة، فضلاً عن تباعد حيدر العبادي عن رئيس حزبه نوري المالكي، للسبب نفسه. ووصف العبادي غير مرة المالكي بأنه "أرهق البلاد بالفوضى والإرهاب". في المقابل، بقيت الأحزاب السنية أقل تأثراً بالمصطلحات، فلم يحل خلاف رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري ووزير الدفاع السابق المقال خالد العبيدي، وحرب الاتهامات التي جرت بينهما، دون الاستمرار في التواصل، إذ التقيا خلال الأيام الأخيرة، من أجل بحث ترشح العبيدي لمنصب رئيس البرلمان الجديد قبل أن يتم اختيار محمد الحلبوسي.
وبحسب مسؤول عراقي سابق، تحدث مع "العربي الجديد"، فإن "الأحزاب الشيعية تختلف في ما بينها كثيراَ وتتصارع في حلبات سرية، أو حتى علنية، لكنها لا تتخطى الحدود (في إشارة إلى التحول لصدام مسلح)، احتراماً للمرجع الديني في مدينة النجف علي السيستاني". ولفت إلى أن "خلاف مقتدى الصدر وقيس الخزعلي، كبير جداً، ولولا تدخل السيستاني لأكثر من مرة بينهما، لتحوّل إلى حرب شوارع بين فريقي الشخصيتين. لذلك الخلافات الكبيرة في البيت الشيعي لا تتحول إلى عداء كبير، وسرعان ما تنتهي مهما كانت عظيمة، عبر خطاب سرّي من السيستاني".
كما أشار إلى أن "الأحزاب السنية لا تتعامل بالخلافات وما يتركه الأعضاء من كلام ومصطلحات جارحة في بعض الأحيان، فهذا الأمر كله غير مهم لدى القادة السنة، إنما المصالح هي التي تقيد المتخاصمين". وأضاف "أما الأكراد فإن خلافهم عقيم، وبرز كثيراً خلال المرحلة الماضية. ولا تزال الأحزاب المعارضة للحزبين الحاكمين (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي) على موقفها، لأن اللاعب الخارجي هو الذي يتحكم بعلاقات الأحزاب الكردية مع بعضها".
من جهته، أشار النائب في البرلمان العراقي، حبيب الطرفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "المصطلحات الأخيرة التي ظهرت، وما تتضمنه من تهجم، تأتي ضمن المرحلة العراقية الجديدة، والتنافس المحموم من أجل الوصول لأهداف هذه الأحزاب"، مبيناً أن "هذا هو ديدن الديمقراطية، وهو أن تترك تبعات وسلوكيات مع تقدم المراحل وتغير الوجوه وطرق التفكير للسياسيين". وبالنسبة إليه، فإن "حرب المصطلحات والتغريدات تتعاظم مع تولي الشباب قيادة البلد، وهذا أمر صحي بعد انتزاع السلطة من الأحزاب العراقية التي أثبتت فشلها، فلا غرابة في وجود مصطلحات عراقية حقيقية تشير إلى التأثيرات الخارجية على العراق، فبلادنا ليست تابعة لدولة مجاورة، وإلصاق كلمة العراق في كل إجراء سياسي تتخذه شخصية سياسية عراقية، هو لإسكات من يريد سلب القرار العراقي من العملية السياسية".