حرب اليمن والإعلام: متاريس وجثث

25 مارس 2020
قتلت غارة سعودية الصحافي المقداد مجلي (Getty)
+ الخط -
طالت الحرب في اليمن بتحوّلاتها كل مفاصل الحياة، ولم يسلم الإعلام من شظاياها وقذائفها. إذ انعكست ارتدادات المعارك على الأرض، وتغيرات المشهد السياسي على مدى سنوات الحرب، على وسائل الإعلام ورسائلها التي تبثها منذ انقلاب الحوثيين وتدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات.

الإعلام الذي بدا أضعف من مواجهة نيران الحرب، تحوّل إلى هدف سهل وخصم لا تتردد القوى التي تملك السلاح في البلاد في استهدافه. وبات تأثيره واضحاً، خصوصاً مع دفع قوى سياسية، إلى إطلاق وسائل إعلام مرئية ومسموعة وإلكترونية، بما يخدم أجنداتها.

منذ عام 2014، عام الانقلاب الحوثي على الدولة، كان الإعلام اليمني بانتظار مشهد جديد يتشكّل بمقياس التحول العسكري والسياسي وقتذاك. في الوقت الذي كان فيه مسلحو الجماعة يقتحمون مقار وسائل الإعلام ويمارسون التنكيل بحق الصحافيين المعارضين.

وفي 25 مارس/ آذار 2015 يوم بدء العمليات العسكرية للتحالف في اليمن، كان للتدخل الإقليمي إسهامات مباشرة وغير مباشرة على التحول الإعلامي. إذ أدى تغيير خارطة التحالفات السياسية المحلية والإقليمية إلى تأثير مباشر على الخطاب الإعلامي داخل أجنحة الشرعية. فضلاً عن استهداف التحالف لصحافيين من خلالها العمليات العسكرية المباشرة أو عبر وكلاء محليين. كما أنّ احتدام المعارك وعنفها جعلا الصحافيين محاصرين من كل أطراف الصراع.

الحوثيون... عداء متصاعد للصحافة
أدركت الجماعة الحوثية التي انقلبت على سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً في سبتمبر/ أيلول 2014، أن البدء بتصفية حساباتها مع الإعلام بشكل مبكر قد يمنحها أفضلية في معركة البروباغندا المؤجلة.
يتذكر الصحافيون اليمنيون إطلالة زعيم مليشيا الحوثيين عبد الملك الحوثي في سبتمبر/ أيلول 2015 وهو يهاجم الإعلاميين اليمنيين ويصفهم بالمرتزقة والعملاء، قائلاً إنهم "أكثر خطراً على البلاد من الخونة والمرتزقة الأمنيين المقاتلين".

ومنذ اجتياح الجماعة المسلحة مع حليفها السابق الرئيس علي عبد الله صالح صنعاء كان إعلام الانقلاب أبرز من يقود المعركة ويسهم في بث الشائعات والاستباق في خلق واقع جديد في البلاد.

ورصدت منظمات حقوقية محلية ودولية انتهاكات بالجملة ارتكبها الحوثيون. ولسنوات ظلت الجماعة تتصدر قائمة المنتهكين، بالتوازي مع سيطرتها على مقار إعلامية ونهبها، واختطاف الصحافيين المعارضين، وإقصاء غير الموالين لها في المؤسسات الإعلامية الحكومية.



وأعلنت نقابة الصحافيين اليمنيين، في تقريرها السنوي للعام الماضي، عن رصدها 134 حالة انتهاك للحريات الإعلامية في البلاد، في ظل أوضاع خطيرة تعيشها حرية الرأي والتعبير في اليمن، وبيئة عدائية تنتهج سياسة العنف والقمع تجاه الصحافة والصحافيين.

وسجلت النقابة في تقريرها مقتل 35 صحافياً، ومصوراً، وعاملاً في المجال الإعلامي، منذ بداية الحرب في البلاد. وقالت إن حالات الانتهاك التي ارتكبتها أطراف الصراع في البلاد أظهرت خصومة شديدة تجاه الحريات الصحافية، وانتهجت سياسة تنكيل وتخوين تجاه كل مختلف عنها وكل صاحب رأي.

وأكد مرصد الحريات الإعلامية (غير حكومي) تعاظم وتيرة الانتهاكات والممارسات التعسفية ضد الصحافيين والعاملين في المجال الإعلامي في اليمن منذ نهاية عام 2014 وحتى اليوم. وقال المرصد في بيان له، إن حياة الصحافيين باتت مهددة بالقتل والإصابة والاختطاف والتعذيب حتى الموت وأحياناً الإخفاء القسري.

ويواصل الحوثيون عقد جلسات محاكمة لعشرة صحافيين مختطفين منذ خمسة أعوام ويقبعون في سجن الأمن السياسي (المخابرات) في العاصمة اليمنية صنعاء، بذريعة التعاون مع الحكومة اليمنية والتحالف العربي.

وتعرض كثيرٌ من الصحافيين للتهديد والملاحقة في مناطق الحوثيين، الأمر الذي دفع عدداً منهم للنزوح إلى مدن أخرى، فيما فضّل آخرون الهجرة خارج البلاد ومن لم يحالفه الحظ اضطر إلى ممارسة مهنة غير مرتبطة بالصحافة.

وبات الإعلام في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لوناً واحداً بعد إحكام سلطتهم على وسائل الإعلام وعلى سياستها التحريرية، خصوصاً بعد أحداث ديسمبر/ كانون الأول 2017 التي أدّت إلى مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على يد الجماعة، فضلاً عن إطلاق وسائل إعلامية جديدة مرئية ومسموعة ومكتوبة، أبرزها قناتا "الهوية" و"اللحظة"، وعدد غير قليل من الإذاعات المحلية، ومحركات بحث إخبارية على شبكة الإنترنت.

التحالف وأجنحة الشرعية
مثّل عام 2015، الذي تزامن مع بدء عمليات التحالف أكبر عملية قتل تعرض لها الصحافيون اليمنيون خلال سنوات الحرب. وتقول إحصاءات حقوقية إن نحو عشرة صحافيين لقوا حتفهم في هجمات جوية للتحالف بنيران قناصة حوثيين أثناء المعارك بين الطرفين.

و في إبريل/ نيسان من العام ذاته، قُتل الصحافي محمد شمسان في أثناء مزاولته عمله في تلفزيون "اليمن اليوم" في صنعاء في غارة جوية، فيما قتل الصحافيان عبد الله قابل ويوسف العيزري في هجوم جوي للتحالف بعدما استخدمهما الحوثيون دروعاً بشرية داخل مخزن للأسلحة في محافظة ذمار، فيما عرفت بعدها بـ"مذبحة هران".

كذلك قتلت هجمات جوية للتحالف عدداً من الإعلاميين الموالين للحوثيين والمصورين الحربيين التابعين للجماعة في عدد من المدن وجبهات المعارك، خلال عامي 2015 - 2016.



وفي المناطق التي تبسط الحكومة سيطرتها عليها، تعرض صحافيون وإعلاميون لانتهاكات عدة من قبل قوات عسكرية وأمنية تابعة للحكومة في تعز ومأرب ومدن أخرى لا تدين بولائها للشرعية، وأبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.

وسجلت حالات اعتقال وملاحقة لصحافيين في محافظات شبوة، والمهرة، وتعز، ومأرب، وهو ما حصل مع الصحافيين محمد علي المقري، وجميل الصامت. فضلاً عن اعتداءات، وإطلاق نار، ومصادرة صحف كما حدث لصحيفة "الشارع" التي منعت لمرات عدة من دخول مدينة تعز (جنوب غربي اليمن).

وفي عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، رصدت منظمة حقوقية انتهاكات عدة ارتكبها المجلس الانتقالي الذي يسيطر على المدينة منذ أغسطس/ آب من العام الماضي. وسجلت منظمة "سام" للحقوق والحريات (غير حكومية) نحو 29 انتهاكاً بحق صحافيين، وناشطين حقوقيين، ومؤسسات إعلامية توزعت ما بين الاعتقال، والتهديد بالتصفية، والملاحقة، والتضييق، والاقتحام، ومنع من العمل.

وأشارت المنظمة إلى أنها رصدت عمليات تهديد، وخطاب تحريض ضد عدد من الناشطين والصحافيين في عدن، لافتةً إلى أنها لاحظت خطاباً تحريضياً من قبل منتسبين، ومناصرين، وداعمين للمجلس في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإعلامية.

وسائل إعلامية جديدة
نظراً إلى حاجة كل الأطراف إلى صوت إعلامي موالٍ داخلياً وخارجياً، افتتحت كل الأطراف مؤسسات إعلامية جديدة، أبرزها محطات تلفزيونية تبث من خارج البلاد. واختارت إدارات المحطات القاهرة، وإسطنبول، وأبوظبي، والرياض مقرات لانطلاق بثها. وبررت القنوات اختيار هذه العواصم بالحاجة إلى العمل بعيداً عن صوت الرصاص. فيما بدا واضحاً أن قسماً من هذه المحطات الوليدة مرتبط بشكل مباشر بحكومات العواصم الإقليمية التي تبثّ منها.