تسعى الحكومة الجزائرية إلى كبح جماح بارونات الاستيراد (كبار المستوردين)، في ظل الإجراءات الجديدة التي تستهدف التحكم في فاتورة الواردات، لتخفيف الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها البلاد بسبب تراجع إيراداتها المالية، في ظل انخفاض العائدات المالية بسبب تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، قبل أن تعاود الارتفاع مجدّداً خلال الفترة الأخيرة.
ويترقب المستوردون الجزائريون منذ شهر يوليو/ تموز الماضي، إفراج الحكومة عن قائمة المواد المعنية بقرار رفع التجميد عن استيرادها، بعدما قرر الجهاز التنفيذي تعويض تجميد استيراد مئات المنتجات بفك الحظر عليها مع إخضاعها لرسم إضافي يسمح برفع مداخيل الخزينة العمومية من جهة، ويُحدث بعض التوازن في الأسواق من خلال رفع معروض بعض المنتجات التي لا تنتجها الجزائر أو لا يرقى إنتاجها محليا إلى تغطية الطلب الداخلي.
ورغم صدور قرار رفع تجميد الاستيراد في الجريدة الرسمية شهر أغسطس/ آب الماضي، منهيا بذلك 8 أشهر من حظر دخول المواد الأجنبية للجزائر، وبعد سنتين من إخضاع عمليات الاستيراد الى رخص إدارية تمنحها وزارة التجارة، إلا أن القائمة النهائية للمواد المعنية محل دراسة من طرف وزارتي التجارة والمالية، في وقت تشير المصادر إلى أن لوبي المستوردين هو من يقف وراء هذا "الانسداد" الذي أطال عمر تجميد الاستيراد الذي وضعته الحكومة شهر يناير/كانون الثاني المنصرم.
وبحسب نائب مدير التجارة الخارجية بوزارة التجارة الجزائرية محمد قجور، فإن "الحكومة شكلت لجنة وزارية مشتركة تتولى مهمة إعادة النظر في قائمة الـ871 مادة الممنوعة من الاستيراد التي فرضتها لكبح فاتورة الواردات، وستعمل اللجنة على تحديد بعض المواد المسموحة بالاستيراد شرط فرض رسوم إضافية عليها".
وقال قجور لـ "العربي الجديد"، إن "النظام القانوني المسير لهذه اللجنة قد وقع عليه رئيس الحكومة أحمد أويحيى، حيث يرأس اللجنة ممثل رئيس الوزراء وتتشكل من ممثلي وزارات المالية (الضرائب والجمارك) والتجارة والصناعة والزراعة بالإضافة إلى ممثل الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة، كما يمكن للجنة أن تشرك أيضًا أي ممثل من أي قطاع وزاري آخر متى كانت مشاركته مفيدة في أشغالها".
وبحسب المصدر نفسه، فإن "القائمة النهائية للمواد المسموح باستيرادها ونسب الرسوم الإضافية المطبقة عليها، يتم التوقيع عليها من طرف وزير التجارة، وتنشر في وسائل الإعلام".
ويؤكد قجور أن "المواد المصنعة في الجزائر والتي سجلت فيها اكتفاء، بالإضافة إلى السيارات وبعض مواد البناء كالإسمنت لن تكون في القائمة وذلك حماية للإنتاج المحلي".
وكانت الحكومة قد اقترحت في الموازنة التكميلية لسنة 2018 الصادرة شهر آب/أغسطس في الجريدة الرسمية، تأسيس رسم وقائي إضافي مؤقت، يطبق على البضائع المستوردة، بنسبة تتراوح بين 30% و200%، حيث سيتم تطبيق هذه النسبة على المنتجات الـمستوردة، التي ستكون خاضعة للرسم بدلا من منعها، الأمر الذي ستترتب عنه إيرادات بالنسبة إلى الخزينة.
وبررت الحكومة لجوءها إلى الرسم الوقائي الإضافي المؤقت لتوفير "حماية إضافية للسوق الوطنية لفائدة المؤسسات الـمحلية التي ستتمكن هكذا من اكتساب حصص في السوق".
وفي تصريحات سابقة، أعلن وزير التجارة الجزائري، سعيد جلاب، رفع الحظر قريبًا عن بعض المنتجات المستوردة وفقا لاحتياجات السوق الوطنية، مع فرض رسم إضافي عليها، وأدرج ذلك في سياق "تشجيع الإنتاج الوطني وعملا بتوجيهات الرئيس بوتفليقة لتحسين المنتج الوطني وتشجيع الاستثمار".
وبحسب وزير التجارة، فإن المنتج الوطني حقق "قفرة نوعية بعدما تم منع استيراد بعض المنتجات"، مشيرا إلى أنه "يتمتع بجودة عالية على غرار المواد البلاستيكية والغذائية وكذا إنتاج الألواح الشمسية، موضحًا أن هذه المنتجات على اختلافها قد "استطاعت أن تلبي احتياجات السوق الوطنية في وقت وجيز".
وفي نهاية سنة 2017، وضعت الحكومة قائمة من المواد الممنوعة من الاستيراد تتضمن 871 منتجًا بدءا من يناير/كانون الثاني 2018، شملت هذه الأخيرة المواد المنتجة محليا، بناء على شكاوى أودعها متعاملون جزائريون لدى وزارة التجارة، لينهي هذا الإجراء سنتين من إخضاع عمليات الاستيراد لنظام "الرخص الإدارية المُسبقة" التي كانت تحدد كمية وقيمة ما يتم استيراده سنويا من سلع، ويظهر تغيير الحكومة قراراتها الخاصة بالاستيراد كل فترة حالة الارتباك التي تعاني منها في هذا المجال، بحسب مراقبين.
ويرى الخبير الاقتصادي فرحات علي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ضغط بارونات الاستيراد بات جليا وهو سبب تأخر الإفراج عن قائمة المواد غير المعنية بتجميد استيرادها، حيث إن الكل يريد أن يدخل السلع محل نشاط استيراده في القائمة، وذلك بالضغط بكل السبل، حيث سمعنا عن عرض رشاوى بـ500 ألف دولار منحت لإطارات نافذة حتى تتوسط لهم وهو ما دفع بالحكومة إلى استحداث لجنة وزارية مشتركة يصعب الضغط عليها".
وأضاف الخبير الجزائري أن "بارونات الحاويات كرروا سيناريو "رخص الاستيراد"، حين ضغطوا من أجل رفع حصصهم في الكميات المسموح باستيرادها سنتي 2016 و2017، حيث شهدنا عدة تعديلات أدخلتها وزارة التجارة على الكميات المسموح باستيرادها في اللحوم المجمدة ومواد البناء وحتى في السيارات".
يذكر أن العجز التجاري الجزائري تراجع خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 47.75%، ليستقر في حدود 2.965 مليار دولار. وأرجعت الحكومة أسباب التراجع إلى ارتفاع قيمة الصادرات بنسبة 2.21%، لتبلغ 19.828 مليار دولار، بفضل ارتفاع أسعار النفط التي تشكل 96 % من عائدات البلاد المالية.
وكان سعر برميل برنت تهاوى من أكثر من 115 دولاراً في نهاية عام 2014 إلى أقل من 30 دولاراً في منتصف عام 2016، قبل أن يعاود الارتفاع ليصل أخيراً إلى أكثر من 80 دولاراً.
ورغم ذلك، أظهرت مسودة الموازنة العامة الجزائرية للسنة المقبلة 2019 تشاؤماً مالياً غير مسبوق، فالأرقام التي قدمتها حكومة أويحيى تعدّ استمراراً لسنوات "عجاف" يعيشها الجزائريون، وقد تتواصل في المستقبل، إذ قررت الحكومة، بداية من العام المقبل، العودة إلى سياسة ترشيد وضبط الإنفاق، بعد الزيادة الكبيرة له هذه السنة والمقدر ارتفاعها بـ 21% مقارنة بعام 2017، بحسب تقديرات وزارة المالية.